باب الديات
 
باب الديات


والأصل في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقوله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] الآية.
وأما السنة: فما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديات وقال فيه: «إن في النفس الدية مائة من الإبل» رواه النسائي ومالك في الموطأ.

(1) دية الحر المسلم ألف مثقال من الذهب أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل

مسألة 1: (دية الحر المسلم ألف مثقال، أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل) ؛ لما روى ابن عباس: «أن رجلا من بني عدي قتل، فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ديته اثني عشر ألفا» رواه أبو داود وابن ماجه، وفي كتاب عمرو بن حزم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن: " «وإن في النفس المؤمنة مائة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف دينار» رواه النسائي.

(2) فإن كانت دية عمد فهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهن الحوامل

مسألة 2: (فإن كانت دية عمد فهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي الحوامل) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم» ، وذلك لتشديد القتل، رواه
الترمذي وقال: حديث غريب. وعنه أنها أرباع رواها الجماعة عنه، واختارها الخرقي، لما روى الزهري عن السائب بن يزيد قال: «كانت الدية على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرباعا: خمسا وعشرين جذعة وخمسا وعشرين حقة وخمسا وعشرين بنت لبون وخمسا وعشرين بنت مخاض» ؛ ولأنه قول ابن مسعود، والخلفة الحوامل؛ لأن في حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " «ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» (رواه أبو داود) ، والخلفة هي الحوامل، وقوله: «في بطونها أولادها» تأكيد.

ص : 551


(3) وتكون حالة في مال القاتل

مسألة 3: (وتكون حالة في مال القاتل) أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة، قال ابن المنذر: وهذه قضية الأصل أن بدل المتلف يجب على المتلف، وأرش الجناية يختص بالجاني، وإنما خولف هذا الأصل في الخطأ وشبه العمد تخفيفا عن الجاني، والعامد لا يليق بحاله التخفيف فيبقى على الأصل، ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجني جان إلا على نفسه» ، إذا ثبت هذا فإنها تجب حالة؛ لأن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كالقصاص وأرش الجناية في أطراف العبد.

(4) وإن كان شبه عمد فكذلك في أسنانها

مسألة 4: (وإن كان شبه عمد فكذلك في أسنانها) ؛ لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها» رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، وعنه أنها تجب أرباعا، ودليلها حديث السائب بن يزيد، وقد سبق.

(5) وهي على العاقلة

مسألة 5: (وهي على العاقلة) في ظاهر المذهب، واختار أبو بكر بن عبد العزيز أنها على القاتل في ماله؛ لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض، ولأنها دية مغلظة أشبهت دية العمد، ولنا ما روى أبو هريرة قال: «اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدية المرأة على عاقلتها» متفق عليه؛ ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصا فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد المحض؛ لأنه مغلظ من كل وجه لقصده الفعل، وأراد به القتل، وعمد الخطأ مغلظ من وجه وهو قصده الفعل، ومخفف من وجه وهو كونه لم يرد القتل، فاقتضى تغليظا من وجه وهو الأسنان، وتخفيفا من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها.

ص : 552


في ثلاث سنين

مسألة 6: وهي تجب في ثلاث سنين) على العاقلة لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس لم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، وحكي عن قوم من الخوارج أنهم قالوا: إن الدية حالة لأنها بدل متلف، وليس بشيء؛ لأن الدية تخالف سائر المتلفات؛ لأنها تجب على غير المتلف ولا تختلف باختلاف صفات المتلف.

(7) في رأس كل سنة ثلثها

مسألة 7: (وتجب في رأس كل حول ثلثها) وابتداء المدة من حين وجوب الدية؛ لأن هذا مال يحصل بانقضاء أجل فكان ابتداؤه من وجوبه كسائر الديون، فإن كان الواجب دية نفس فابتداء مدتها من حين الموت سواء كان قتلا موجبا أو عن سراية جرح، وإن كان الواجب دية يد أو جرح فابتداء المدة من حين الاندمال؛ لأن الأرش لا يستقر إلا بالاندمال.

(8) وإن كانت دية خطأ فهي على العاقلة كذلك إلا أنها عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة

مسألة 8: (وإن كان القتل خطأ فهي على العاقلة كذلك) يعني في ثلاث سنين؛ لما سبق (إلا أنها عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة) ، لا يختلف المذهب في أن دية الخطأ أخماسا كما ذكر، وقيل هي أخماس " إلا " أن مكان بني مخاض بني لبون، قال الخطابي: روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودى الذي قتل بخيبر بمائة من إبل الصدقة» ، وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض، وفيها اختلاف كثير، ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، ولأن ابن لبون يجب على طريق البدل عن ابنة مخاض في الزكاة إذا لم يجدها فلا يجمع بين البدل والمبدل في واجب، ولأنهما موجبهما واحد فيصير كأنه أوجب أربعين ابنة مخاض، ولأن ما قلناه الأقل فالزيادة عليه لا تثبت إلا بتوقيف يجب الدليل على من ادعاه، فأما دية قتيل خيبر فلا حجة فيه؛ لأنهم لم يدعوا على أهل خيبر قتل صاحبهم إلا عمدا فتكون ديته دية العمد، وهي من أسنان الصدقة إن قلنا تجب أرباعا.
أما وجوبها على العاقلة، فقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك، وقد ثبتت الأخبار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة وأجمع عليه أهل العلم، وقد جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية عمد الخطأ على العاقلة بما قد روينا من الحديث فيما سبق، وفيه تنبيه على أن العاقلة تحمل دية الخطأ، والمعنى في ذلك أن جنايات الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني يجحف بماله، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا عنهما إذ كان معذورا في فعله، ولا خلاف بينهم في أنها مؤجلة في ثلاث سنين فإن عمر وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة، واتبعهم على ذلك أهل العلم، ولأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالا كالزكاة.

ص : 553


(9) ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل

مسألة 9: (ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل) قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة على نصف دية الرجل، وحكي عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها دية الرجل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» ، وهو قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن في كتاب عمرو بن حزم " ودية المرأة على النصف من دية الرجل " وهو أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد فيكون ما ذكرناه مفسرا لما ذكروه ومخصصا.

ص : 554


(10) وتساوي جراحها إلى ثلث الدية، فإذا زادت صارت على النصف

مسألة 10: (وتساوي جراحها جراحة إلى ثلث الدية، فإذا زادت صارت على النصف) روي هذا عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها» أخرجه النسائي، وقال ربيعة: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر، قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون، قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون، قلت: ففي أربع أصابع؟ قال: عشرون، قلت: لما عظمت مصيبتها قل عقلها، قال: هكذا السنة يا ابن أخي. وهذا يقتضي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رواه سعيد بن منصور.

(11) ودية الكتابي نصف دية المسلم

مسألة 11: (ودية الكتابي نصف دية المسلم) ، وروي عنه أنها ثلث الدية لكنه رجع عنها، وروى عنه ابنه صالح قال: كنت أذهب إلى أن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، فأنا اليوم أذهب إلى نصف دية المسلم، لحديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان الذي يرويه الزهري عن سالم عن أبيه.
وهذا صريح في الرجوع إلى أن ديته نصف دية المسلم، وذلك لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «دية المعاهد نصف دية المسلم» ، وفي لفظ " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين» رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولفظه قال: «دية المعاهد نصف دية الحر» ، قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، ولا بأس بإسناده، وقد قال به الإمام أحمد، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى.

(12) ونساؤهم على النصف من ذلك

مسألة 12: (ونساؤهم على النصف من ذلك) يعني على النصف من دياتهم لا نعلم في هذا خلافا، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل،ولأنه لما كان دية نساء المسلمين على النصف من ديات رجالهم كذلك نساء أهل الذمة على النصف من دياتهم.

ص : 555


(13) ودية المجوسي ثمانمائة درهم

مسألة 13: (ودية المجوسي ثمانمائة درهم) وهو قول أكثر أهل العلم، وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقال عمر بن عبد العزيز: ديته كدية الكتابي نصف دية مسلم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ، ولأنهم يقرون بالجزية فأشبهوا أهل الكتاب، وقال أصحاب الرأي: ديته كدية المسلم؛ لأنه محقون الدم فأشبه المسلم، ولنا قول عمر وعثمان وابن مسعود: دية المجوسي ثمانمائة درهم، ولا مخالف لهم، وأما قولهم «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» فالمراد به في أخذ جزيتهم وحقن دمائهم، بدليل أن ذبائحهم لا تباح، ولا تنكح نساؤهم، ولا يجوز اعتباره بالمسلم ولا الكتابي لنقص أحكامه عنهما، وذلك مما يوجب نقصان ديته كما نقصت دية المرأة عن دية الرجل.

(14) ونساؤهم على النصف

مسألة 14: ونساؤهم على النصف) من دياتهم بالإجماع، وجراح كل أحد معتبرة من ديته، وجراح كل امرأة منهم تساوي جراح رجالهم إلى الثلث.

(15) ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت

مسألة 15: (ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت) فإذا قتلهما قاتل وجبت قيمتهما؛ لأنهما أموال لسيدهما، والمال يضمن بقيمته مهما بلغت ويصير كما لو أتلف عليه حيوان أو متاع فإنه تجب قيمة ذلك، وكذلك في العبد والأمة.

(16) ومن بعضه حر ففيه بالحساب من دية حر وقيمة عبد

مسألة 16: (ومن بعضه حر ففيه بالحساب من دية حر وقيمة عبد) فإذا كان نصفه حرا ونصفه قنا كان فيه نصف دية حر ونصف قيمة عبد؛ لأنه لو كان جميعه حرا لوجب دية حر فيجب في نصفه نصف ديته، ولو كان كله عبدا لوجب فيه كمال قيمته، فيجب في نصفه نصف قيمته.

(17) ودية الجنين إذا سقط ميتا غرة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه

مسألة 17: (ودية الجنين الحر إذا سقط) من الضربة (ميتا غرة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه) فيجب في جنين الحرة المسلمة غرة وهو قول أكثرهم، روي ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: «شهدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى فيه بغرة عبد أو أمة، قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة» ، وعن أبي هريرة قال: «اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها» (متفق عليه) ، واشترط كون الجنين حرا؛ لأن الخبر ورد فيه، وإن كان مملوكا ففيه عشر قيمة أمه كما قلنا في جنين الحرة يجب فيه عشر دية أمه، وإنما تجب الغرة إذا سقط من الضربة، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيبها أو يبقى بها سالما إلى أن يسقط؛ لأنه إذا سقط من الضربة كان قاتلا له فوجبت ديته كما لو ضربه بعد الولادة فقتله، ويجب أن تكون الغرة قيمتها نصف عشر الدية وهي خمس من الإبل، وإذا لم يجد الغرة انتقل إلى خمس من الإبل على ظاهر كلام الخرقي، وعلى قول غيره من أصحابنا ينتقل إلى خمسين دينارا أو ستمائة درهم، إذا ثبت هذا فإن الغرة موروثة عن الجنين كأنه سقط حيا؛ لأنها دية له وبدل عنه فيرثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وكدية الكبير.

ص : 556


(18) ولو شربت الحامل دواء فأسقطت به جنينها فعليها غرة لا ترث منها شيئا

مسألة 18: (ولو شربت الحامل دواء فأسقطت به جنينها فعليها غرة لا ترث منها شيئا) أجمعوا على ذلك ولأنها إذا أسقطت بالدواء جنينا فهي القاتلة للجنين الجانية عليه، فلزمها ضمانه بالغرة كما لو جنى عليه غيرها، ولا ترث من الغرة شيئا؛ لأن القاتل لا يرث وتكون الغرة لبقية الورثة من كانوا، وعليها عتق رقبة، وكذلك كل من ضرب عليه عتق رقبة في ماله؛ لأن الله سبحانه قال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وقد ثبت للجنين الإيمان تبعا لأبويه، ولأنها نفس مضمونة بالدية فوجب فيها الكفارة كالكبير.

(19) وإن كان الجنين كتابيا ففيه عشر دية أمه

مسألة 19: (وإن كان الجنين كتابيا ففيه عشر دية أمه) ؛ لأن الجنين المسلم فيه عشر دية أمه فكذلك الجنين الكتابي فيه عشر دية أمه.

ص : 557


(20) وإن كان عبدا ففيه عشر قيمة أمه

مسألة 20: (وإن كان عبدا ففيه عشر قيمة أمه) ، وقال أبو حنيفة: يعتبر الجنين بنفسه إن كان ذكرا ففيه نصف عشر قيمته، وإن كان أنثى ففيه عشر قيمتها؛ لأنه متلفة فكان بدله معتبرا بنفسه كسائر المتلفات، ولنا أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه فلم يختلف بالذكورة ولا بالأنوثة كجنين الحرة، ويفارق سائر المتلفات فإنه لا يضمن بجميع قيمته، ولأنه يتعذر تقويمه وتمييز الذكر من الأنثى.

(21) وإن سقط الجنين حيا ثم مات من الضربة ففيه دية كاملة إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله

مسألة 21: (وإن سقط الجنين حيا ثم مات من الضربة ففيه دية كاملة) قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في الجنين يسقط حيا من الضرب الدية كاملة؛ ولأنه مات من جناية بعد ولادته فكانت فيه دية كاملة كما لو قتله بعد وضعه، وإنما تجب ديته إذا سقط حيا وتعلم حياته بالاستهلال أو التنفس أو شرب اللبن أو العطاس، وإنما يجب ضمانه إذا سقط من الضربة ومات ويعلم بها، ذلك بأن يموت في الحال أو يبقى متألما إلى أن يموت، فيعلم أنه مات من الجناية، كما إذا ضرب رجلا فمات عقيب ضربه أو بقي متألما حتى مات، إذا ثبت هذا فإن الدية كاملة إنما تجب فيه (إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله) ، وهو أن يكون لستة أشهر فصاعدا، فإن كان دون ذلك ففيه غرة كما لو سقط ميتا، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فيه دية كاملة؛ لأننا علمنا حياته، وقد تلف من جنايته، ولنا أنه لم يعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها فلم تجب فيه دية كما لو ألقته ميتا وكالمذبوح، وقولهم إننا علمنا بحياته إذا سقط ميتا وله ستة أشهر فقد علمنا حياته.

الموضوع التالي


باب العاقلة وما تحمله

الموضوع السابق


باب القود في الجروح