باب ديات الجراح
 
باب ديات الجراح

(كل ما في إنسان منه شيء واحد ففيه دية كلسانه وأنفه وذكره وسمعه وبصره وشمه وعقله وكلامه وبطشه ومشيه، وكذلك في كل واحد من صعره - وهو أن يجعل وجهه في جانبه - وتسويد وجهه وخديه واستطلاق بوله أو غائطه، وقرع رأسه ولحيته دية)


(كل ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه دية كلسانه وأنفه وذكره وسمعه وبصره وشمه وعقله وكلامه وبطشه ومشيه، وكذلك في كل واحد من صعره وهو أن يجعل وجهه في جانبه، وتسويد وجهه وخديه، واستطلاق بوله أو غائطه، وقرع رأسه ولحيته دية) ، وذلك أن كل عضو لم يخلق الله سبحانه في الإنسان منه إلا واحدا كاللسان والأنف وجميع ما ذكرنا ففيه دية كاملة؛ لأن في إتلافه إذهاب منفعة الجنس وإذهاب منفعة الجنس كإتلاف النفس.

ص : 566


(37) وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، كالعينين والحاجبين والشفتين والأذنين واللحيين واليدين والثديين، والإليتين والأنثيين والأسكتين والرجلين

مسألة 37: (وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، كالعينين والحاجبين والشفتين والأذنين واللحيين واليدين والثديين، والإليتين والأنثيين والأسكتين والرجلين) ؛ لأن منفعة الجنس تذهب بذهابهما فكان فيهما الدية، وفي إتلاف أحدهما إذهاب نصف منفعة الجنس فكان فيه نصف الدية لا نعلم في هذا خلافا، وقد روى الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إليه وكان في كتابه: «وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية» رواه النسائي وغيره، ورواه ابن عبد البر وقال: كتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء، وما فيه متفق عليه إلا قليلا.

(38) وفي الأجفان الأربعة الدية، وفي أهدابها الدية، وفي كل واحد ربعها

مسألة 38: (وفي الأجفان الأربعة الدية) ؛ لأن بإذهابها تفوت منفعة الجنس جميعا، (وفي كل واحد منها ربع الدية) لأن كل ذي عدد تجب الدية في جميعه تجب في كل واحد بحصته من الدية كالعينين والأصابع، ولأن فيها جمالا ظاهرا ومنفعة كاملة فإنها تكن العين وتحفظها وتقيها الحر والبرد وتكون كالغلق عليها يطبقه إذا شاء ويفتحه إذا شاء ولولاها لقبح منظره فوجب أن يكون فيها الدية كاليدين.


مسألة 39: وتجب الدية في أهداب العينين بمفردها، وهو الشعر الذي على الأجفان؛ لأن فيها جمالا ومنفعة فوجب فيها الدية كالأجفان.

(40) فإن قلعها بأهدابها وجبت دية واحدة

مسألة 40: (فإن قطع الأجفان بأهدابها لم يجب أكثر من دية واحدة) ؛ لأن الشعر يزول تبعا لزوال الأجفان فلم يجب فيها شيء كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه.

(41) وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع الرجلين الدية، وفي كل إصبع عشرها

مسألة 41: (وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع الرجلين الدية، وفي كل إصبع عشرها) ولا نعلم فيه مخالفا إلا عن عمر ثم رجع عنه إلى ما في كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لآل حزم فأخذ به وترك قوله الأول، وبهذه الجملة قال عمر وعلي وزيد وابن عباس، وقد روى ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل إصبع» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود عن أبي موسى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم: «وفي كل إصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل» ولأنه جنس ذو عدد تجب فيه الدية فكانت سواء في الدية كالأسنان والأجفان.

ص : 567


(42) وفي كل أنملة ثلث عقلها إلا الإبهام في كل أنملة نصف عقلها

مسألة 42: (وفي كل أنملة ثلث عقلها) فديتها مقسومة على عدد أناملها لكل إصبع ثلاث أنامل (إلا الإبهام فإنها أنملتان) ، ففي كل أنملة من غير الإبهام ثلث عقلها ثلاثة أبعر وثلث ثلث دية الإصبع، وفي كل أنملة من الإبهام خمس من الإبل نصف ديتها، والحكم في أصابع اليدين والرجلين سواء لعموم الخبر فيهما وحصول الاتفاق عليهما.

(43) وفي كل سن خمس من الإبل إذا لم تعد

مسألة 43: (وفي كل سن خمس من الإبل إذا لم تعد) لا نعلم خلافا بينهم في أن دية الأسنان من الإبل خمس في كل سن، روي ذلك عن عمر وابن عباس ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وفي السن خمس من الإبل» رواه النسائي، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في الأسنان خمس خمس» رواه أبو داود.
والأضراس والأنياب كالأسنان، روي ذلك عن ابن عباس ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ ولأن قوله في الخبر: «في كل سن خمس من الإبل» ولم يفصل، فدخل في عمومها الأضراس والأنياب لأنها أسنان، وروى أبو داود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع سواء، والأسنان سواء، الشفة والضرس سواء، هذه وهذه سواء» وهذا نص، وإذا ثبت هذا فإن ديتها تجب إذا لم تعد، فإن عادت لم تجب ديتها كما لو نتف شعره فعاد مثله.

ص : 568


(44) وفي مارن الأنف

مسألة 44: (وفي مارن الأنف الدية) بغير خلاف بينهم حكاه ابن عبد البر وابن المنذر عن من يحفظ عنه من أهل العلم، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في الأنف إذا أوعب مارنه جدعا الدية» ؛ ولأنه عضو فيه جمال ومنفعة ليس في البدن منها إلا شيء واحد فكانت فيه دية كاللسان، وإنما الدية في مارنه وهو ما لان منه هكذا قال الخليل وغيره، ولأن الذي يقطع منه ذلك فانصرف الخبر إليه.

(45) وحلمة الثدي

مسألة 45: (وفي حلمتي الثدي الدية) نص عليه؛ لأن المنفعة بها تتعلق بالحلمتين بهما يشرب اللبن فهما كالأصابع مع الكف، وحكم ثدي الرجل كحكم ثدي المرأة؛ لأن ما وجب فيه من المرأة وجب فيه من الرجل كسائر الأعضاء، ولأنه أذهب الجمال على الكمال، فوجبت الدية كأذني الأصم وأنف الأخشم.

(46) والكف والقدم

مسألة 46: (وفي الكف الدية وكذلك القدم) يعني الكف بأصابعه، والقدم بأصابعه إذا قطعه وجبت ديته كاملة؛ لأنه قطع يده أو رجله فوجبت ديتها لذهاب نفعها، وخص ذلك بالقدم والكف؛ لأن فيه زيادة بيان وتعريف أن قطع ذلك يوجب الدية كما لو قطع اليد من المرفق فإنه يجب دية اليد لا غير، ولو قطع الرجل مع الركبة وجبت ديتها؛ لأن ذلك يسمى يدا وتسمى رجلا فهو داخل في مسمى اليد والرجل فلم يكن فيه أكثر من دية، هذا ظاهر المذهب، وقال القاضي: في الزائد حكومة، يعني إذا قطع من المرفق أو من الركبة وجبت عليه دية اليد والرجل وفي الزائد عن الكوع والكعب حكومة لأن اليد اسم لها، إلى الكوع بدليل الآية وهي قوله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، ولا تقطع إلا من الكوع، ولنا أن اليد اسم للجميع إلى المنكب بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ، ولما نزلت آية التيمم مسح الصحابة إلى المناكب، وقال ثعلب: اليد إلى المنكب، فإذا قطعها من فوق الكوع فما قطع إلا اليد فلا يكون فيها إلا دية اليد، ولا يمتنع أن يجب في الكل مثل ما يجب في البعض كما لو قطع الذكر من أصله لم يجب إلا دية، ولو قطع الحشفة وجبت الدية، ولو قطع الأصابع وجبت الدية، ولو قطعها مع الكوع لم يجب إلا دية.

ص : 569


(47) وحشفة الذكر

مسألة 47: (وفي حشفة الذكر الدية) ولا نعلم مخالفا فيه؛ لأن منفعة الذكر تكمل بالحشفة كما تكمل منافع اليد بالأصابع فكملت الدية بقطعها كالأصابع.

(48) وما ظهر من السن

مسألة 48: (ويجب فيما ظهر من السن ديتها) ؛ لأن السن اسم لما ظهر من اللثة، فإذا كسره من ذلك الحد وجبت الدية، وما في اللثة يسمى سنخا فإن قلعه بسنخه لم يزد الأرش، كما أن أصل الأصابع في الكف، فإذا قطعها وجبت الدية وإذا قطع معها الكف لم يزد الأرش.

(49) وتسويدها دية العضو كله

مسألة 49: (وإن جنى على السن فسودها وجبت عليه ديتها) روي ذلك عن زيد بن ثابت، وحكي عن الإمام أحمد فيها روايتان أشهرهما: أن في تسويدها كمال ديتها؛ لأنه أذهب الجمال على الكمال فكملت ديتها، كما لو قطع أذن الأصم وأنف الأخشم، ولأنه قول زيد ولم يعرف له مخالف من الصحابة.

(50) وفي بعض ذلك بالحساب من ديته

مسألة 50: (وفي بعض ذلك بالحساب من ديته) فإذا قطع شيئا من مارن الأنف أو الثدي، أو الحشفة، أو الذكر، أو كسر بعض السن، فإن كان النصف وجب نصف ديته، وإن كان أقل من ذلك أو أكثر وجب بحسابه.

(51) وفي الأشل من اليد والرجل والذكر وذكر الخصي والعنين ولسان الأخرس والعين الغائمة والسن السوداء والذكر دون حشفته والثدي دون حلمته والأنف دون أرنبته والزائد من الأصابع وغيرها حكومة)

مسألة 51: (وفي الأشل من اليد والرجل والذكر وذكر الخصي والعنين ولسان الأخرس والعين الغائمة والسن السوداء والذكر دون حشفته والثدي دون حلمته والأنف دون أرنبته والزائد من الأصابع وغيرها حكومة) اليد الشلاء اليابسة التي قد ذهبت منها منفعة البطش، واختلفت الرواية عن أحمد فيها وفي السن السوداء والعين الغائمة وهي التي
ذهب بصرها وصورتها باقية، فعنه: فيهن حكومة؛ لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها فتجب فيها الحكومة كاليد الزائدة، وعنه يجب في كل واحدة ثلث ديتها لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العين الغائمة السادة لمكانها بثلث الدية، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا قلعت ثلث ديتها» رواه النسائي، وأخرجه أبو داود مختصرا في العين وحدها، وروي ذلك عن عمر، ولأنها كاملة الصورة فكان فيها مقدر كالصحيحة.

ص : 570



مسألة 52: وكذلك الرجل الشلاء والذكر الأشل وذكر الخصي وذكر العنين، وكذلك كل عضو ذهب نفعه وبقيت صورته، فذلك على روايتين: إحداهما: تجب حكومة كما سبق، والثانية: ثلث الدية بالقياس على ما مضى.


مسألة 53: وفي لسان الأخرس روايتان أيضا كالروايتين في اليد الشلاء، قال القاضي: في معنى ذلك الإصبع الزائدة ونحوها، قال شيخنا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والصحيح أن الواجب في الزائد حكومة؛ لأن الأصلي الباقية صورته بقي جماله بعد ذهاب نفعه، والزائد لا جمال فيه بل هو يشين في الخلقة فلا يصح قياسه على ما بقي جماله.


مسألة 54: وأما الذكر دون حشفته ففيه وجهان: أحدهما: حكومة، والثاني: ثلث ديته كما لو قطع الكف بعد ذهاب الأصابع، والحكم في الثدي دون حلمته كالذكر دون حشفته وعلى قياسه الأنف دون أرنبته؛ لأنه يشبه الذكر دون حشفته فيكون حكمه حكمه.

(55) وفي الأشل من الأنف والأذن وأنف الأخشم وأذن الأصم ديتها كاملة

مسألة 55: (وفي الأشل من الأذن والأنف وأنف الأخشم وأذن الأصم ديتها كاملة) ؛ لأن نفعها وجمالها باق بعد شللها فإن منفعة الأذن جمع الصوت ومنع دخول الماء والهواء في صماخه فإذا قطعها وجبت ديتها، ولأنه قطع أذنا فيها الجمال والنفع فأشبه ما لو قطعها قبل الشلل، والأنف الأشل كذلك؛ لأنه قطع أنفا فيه الجمال والنفع فوجبت ديته كغير الأشل، وأنف الأخشم - يعني الذي لا يشم - تجب ديته كما لو قطع أذن الأصم فإنه يجب ديتها كاملة لما ذكرناه.

ص : 571

الموضوع التالي


باب الشجاج وغيرها

الموضوع السابق


باب العاقلة وما تحمله