باب القسامة
 
باب القسامة

«روى سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود به، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته " فقالوا: أمر لم نشهده فكيف نحلف؟ قال: " فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم " قالوا: قوم كفار، فوداه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قبله»


قال القاضي: القسامة هي الأيمان إذا كثرت، يقال: قسامة على وجه المبالغة، والأصل فيها ما روى يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار « (عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن
محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل، فقتل عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود به) ، فجاء أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه - وهو أصغرهم - (فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته، فقالوا: أمر لم نشهده فكيف نحلف؟ قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله قوم كفار ضلال، قال: فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قبله) قال سهل: " فدخلت مربدا لهم فركضتني ناقة من تلك الإبل» متفق عليه.

ص : 580


(80) فمتى وجد قتيل فادعى أولياؤه على رجل قتله وكانت بينهم عداوة ولوث - كما كان بين الأنصار وأهل خيبر - أقسم الأولياء على واحد منهم خمسين يمينا واستحقوا دمه، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين وبرئ

مسألة 80: (فمتى وجد قتيل فادعى أولياؤه على رجل قتله وكانت بينهم عداوة ولوث - كما كان بين الأنصار وأهل خيبر - أقسم الأولياء على واحد منهم خمسين يمينا واستحقوا دمه) إذا كانت الدعوى عمدا، فإن لم يحلفوا له حلف المدعى عليه خمسين يمينا ويودى، ودليل هذه المسألة جميعها حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج، ولا بد من اللوث - وهو العداوة - ولأن اليهود كانوا أعداء الأنصار فإنهم قالوا ليس لنا عدو بخيبر غير اليهود فقضى لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، وينبغي أن تكون الدعوى عمدا؛ لأنه قال: «تحلفون خمسين يمينا على رجل منهم فيدفع برمته» ، والرمة الحبل الذي يربط به من عليه القود يقاد به، وفي لفظ: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» ، وإنما أراد دم القاتل، ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد فيثبت بها القود كالبينة، هذا إذا حلف المدعون، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم» أي يتبرأون منكم، وفي لفظ: «فيحلفون خمسين يمينا ويبرأون من دمه» ، وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أنهم يحلفون ويغرمون الدية كقول أصحاب الرأي، ووجهه قول عمر وحديث سليمان بن يسار أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلها على اليهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم، والأولى أولى؛ لأنه قد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يغرم اليهود الدية وأنه أداها من عنده، ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فيبرأ منها كسائر الحقوق.

ص : 581


(81) فإن نكلوا فعليهم الدية

مسألة 81: (فإن نكل المدعى عليهم عن اليمين فعليهم الدية) وعنه رواية أخرى أنهم يحبسون حتى يحلفوا، والأولى أنهم لا يحبسون؛ لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليها كسائر الأيمان، ولا يجب القصاص؛ لأن النكول حجة ضعيفة فلا يتغلظ بها الدم كالشاهد واليمين، قال القاضي: ويديه الإمام من بيت المال؛ لأنه مال وجب لامتناع الأيمان في القسامة فكانت (الدية) في بيت المال كما لو امتنع المدعون منها نص عليه أحمد، وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى أن الدية تجب عليهم؛ لأنه حكم ثبت بالنكول فيثبت في حقهم هاهنا بالنكول كسائر الدعاوى.

(82) فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال

مسألة 82: (فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال) بدليل حديث سهل حين أبى أهله أن يحلفوا ولم يقبلوا أيمان اليهود، فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عنده كراهة أن يطل دمه.

(83) ولا يقسمون على أكثر من واحد

مسألة 83: (ولا يقسمون على أكثر من واحد) لا يختلف المذهب في ذلك؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته» فخص بها الواحد، ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل في قتل الواحد فيقتصر عليه بقاء على الأصل فيما عداه، ولا تخفى مخالفة الأصل فإنها تثبت باللوث، واللوث شبهة تغلب على الظن صدق المدعي، والقود يسقط بالشبهات ولا يثبت بها.

(84) وإن لم يكن بينهم عداوة ولا لوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ)

مسألة 84: (وإن لم يكن بينهم عداوة حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ) فمتى لم يكن لوث لم يحلف المدعون ابتداء بغير خلاف علمناه بين أهل العلم، وهل يحلف
المدعى عليه؟ على روايتين: إحداهما: يحلف؛ لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «واليمين على المدعى عليه» ، ولأنها دعوى في حق آدمي فيستحلف فيها كالدعوى في المال، والرواية الأخرى: لا يحلف ويخلى سبيله سواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا؛ لأن النكول بدل وبدل هذه الأشياء لا يصح، فلا تكون اليمين حقا (للمدعى عليه، ولأنها دعوى فيها لا يجوز بدل فلم يستحلف فيها كالحدود، والأول أصح لموافقته العمومات والأصول) ، وإذا قلنا بمشروعية اليمين فهي يمين واحدة؛ لأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل فلم تغلظ كما في سائر الدعاوى، وفي قول الشافعي يحلفون خمسين يمينا، فإن ادعى على جماعة فهل يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا أو تقسم بينهم؟ على قولين.

ص : 583


الموضوع التالي


باب الحدود

الموضوع السابق


باب كفارة