باب حد القذف
 
باب حد القذف

(ومن رمى محصنا بالزنا أو شهد به عليه فلم تكمل الشهادة عليه جلد ثمانين جلدة إذا طالب المقذوف) أجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف المحصن، وذلك لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] .


والمحصن من وجدت فيه خمس شرائط:
أن يكون حرا مسلما عاقلا بالغا عفيفا، وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديما وحديثا، سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد، وعن ابن المسيب وابن أبي ليلى قالا: إذا قذف ذمية لها ولد مسلم يحد، والأول أولى؛ لأن من لم يحد قاذفه إذا لم يكن له ولد لا يحد له ولد كالمجنونة، وروي عن الإمام أحمد في اشتراط البلوغ روايتان: إحداهما: يشترط لأنه أحد شرطي التكليف فأشبه العقل، ولأن زنا الصبي لا يوجب الحد فلا يجب الحد بالقذف كزنا المجنون، والثانية: لا يشترط لأنه حر بالغ عاقل عفيف يتعير بهذا القول الممكن صدقه أشبه الكبير، فعلى هذا لا بد أن يكون كبيرا يجامع مثله، وأدناه أن يكون الغلام ابن عشر سنين والجارية تسع.


مسألة 33: وإذا لم تكمل الشهادة عليه بالزنا فعلى القاذف والشهود الحد؛ لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ؛ ولأنه إجماع الصحابة، فإن عمر جلد أبا بكرة وأصحابه حين لم يكمل الرابع بمحضر من الصحابة فلم ينكروه، ولأنه رام بالزنى لم يأت بأربعة شهود فيجب عليه الحد كما لو لم يأت بأحد.


مسألة 34: وإنما يجب الحد على القاذف إذا طالب المقذوف؛ لأنه حق له فلا يستوفى قبل طلبه كسائر حقوقه.

ص : 599


(35) والمحصن هو الحر البالغ المسلم العاقل العفيف

مسألة 35: (والمحصن هو الحر المسلم البالغ العفيف) عن الزنا، وقد سبق.

(36) ويحد من قذف الملاعنة أو ولدها

مسألة 36: (ويحد من قذف الملاعنة أو ولدها) نص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على من قذف الملاعنة وهو قول ابن عمر وابن عباس والجمهور، لما روى ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قضى في الملاعنة أن لا ترمى ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد» رواه أبو داود، ولأن حصانتها لم تسقط باللعان ولا يثبت الزنا به ولذلك لا يلزمها به حد، وكذا من قذف ابنها فقال: هو من الذي رميت به، فأما إن قال: ليس هو ابن فلان وأراد أنه منفي عنه شرعا فلا حد عليه؛ لأنه صادق.

(37) ومن قذف جماعة بكلمة واحدة فحد واحد

مسألة 37: (ومن قذف جماعة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم) ، وقال ابن المنذر: لكل واحد حد، وعن أحمد مثله؛ لأنه قذف كل واحد منهم فلزمه له حد كامل كما لو قذفهم بكلمات، ولنا قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، ولم يفرق بين قذفهم واحدة أو جماعة، ولأن الذين شهدوا على المغيرة قذفوه بامرأة فلم يحدهم عمر إلا حدا واحدا، ولأنه قذف واحد فلم يجب إلا حد واحد كما لو قذف واحدا، ولأن الحد إنما وجب بإدخال المعرة على المقذوف بقذفه وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف وتزول المعرة فوجب أن يكتفى به،بخلاف ما إذا قذف كل واحد بكلمة فإن ظهور كذبه في قذف واحد لا يزيل المعرة عن الآخر ولا يتحقق كذبه فيه.

ص : 600


(38) إذا طالبوا أو واحد منهم

مسألة 38: (وإذا طالبوا أو واحد منهم) ، وقد سبقت في قذف الواحد، وإن طلب واحد منهم فله إقامة الحد على قاذفه؛ لأنه مقذوف لم يشهد عليه أربعة فوجب الحد على قاذفه كما لو أقر بالقذف وطلب حقه.

(39) فإن عفا بعضهم لم يسقط حق غيره

مسألة 39: (وإن عفا بعضهم لم يسقط حق غيره) كما لو قتله جماعة عمدا وعفي عن بعضهم لا يسقط حق الباقين فكذلك هاهنا.

الموضوع التالي


باب حد المسكر

الموضوع السابق


باب حد الزنا