قوله : (ولا إله غيره)
 
ش : هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم ، كما تقدم ذكره . وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر، فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الإحتمال . ولهذا - والله أعلم - لما قال تعالى : وإلهكم إله واحد ، قال بعده : لا إله إلا هو الرحمن الرحيم . فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني : هب أن إلهنا واحد ، فلغيرنا إله غيره ، فقال تعالى : لا إله إلا هو الرحمن الرحيم .
وقد اعترض صاحب المنتخب على النحويين في تقدير الخبر في لا إله إلا هو - فقالوا : تقديره : لا إله في الوجود إلا الله ، فقال : يكون ذلك نفياً لوجود الإله . ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصرف من نفي الوجود ، فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى .
وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في ري الظمآن فقال : هذا كلام من لا يعرف لسان العرب ، فإن إله في موضع المبتدأ على قول سيبويه ، وعند غيره اسم لا ، وعلى التقديرين فلا بد من خبر المبتدأ، وإلا فما قاله من الإستغناء عن الإضمار فاسد . وأما قوله : إذا لم يضمر يكون نفياً للماهية - فليس بشيء ، لأن نفي الماهية هو نفي الوجود ، لا تتصور الماهية إلا مع الوجود ، فلا فرق بين لا ماهية و لا وجود . وهذا مذهب أهل السنة ، خلافاً للمعتزلة ، فإنهم يثبتون ماهية عارية عن الوجود ، و إلا الله - مرفوع ، بدلاً من لا إله لا يكون خبراً لـ لا ، ولا للمبتدأ . وذكر الدليل على ذلك .
وليس المراد هنا ذكر الاعراب ، بل المراد رفع الأشكال الوارد على النحاة في ذلك ، وبيان أنه من جهة المعتزلة . وهو فاسد : فإن قولهم : نفي الوجود ليس تقييداً ، لأن العدم ليس بشيء ، قال تعالى : وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً . ولا يقال : ليس قوله : غيره كقوله : إلا الله ، لأن غير تعرب بإعراب الاسم الواقع بعد إلا . فيكون التقدير للخبر فيهما واحداً . فلهذا ذكرت هذا الإشكال وجوابه هنا .