قوله : ( قديم بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء )
 
ش : قال الله تعالى : هو الأول والآخر . وقال صلى الله عليه وسلم : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء . فقول الشيخ قديم بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء هو معنى أسمه الأول والآخر. والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقر في الفطر ، فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته ، قطعاً للتسلسل . فإنا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك ، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة ، فإن الممتنع لا يوجد ، ولا واجبة الوجود بنفسها ، فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم ، وهذه كانت معدومة ثم وجدت ، فعدمها ينفي وجودها ، ووجودها ينفي امتناعها ، وما كان قابلاً للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه ، كما قال تعالى : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون . يقول سبحانه : أحدثوا من غير محدث أم هم أحدثوا أنفسهم ؟ ومعلوم أن الشيء المحدث لا يوجد نفسه ، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجوداً بنفسه ، بل إن حصل ما يوجده وإلا كان معدوما ، وكل ما أمكن وجوده بدلاً عن عدمه وعدمه بدلاً عن وجوده ، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له .
وإذا تأمل الفاضل غاية ما يذكره المتكلمون والفلاسفة من الطرق العقلية ، وجد الصواب منها يعود الى بعض ما ذكر في القرآن من الطرق العقلية بأفصح عبارة وأوجزها ، وفي طرق القرآن من تمام البيان والتحقيق ما لا يوجد عندهم مثله ، قال تعالى : ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً .
ولا نقول : لا ينفع الاستدلال بالمقدمات الخفية والأدلة النظرية - : فإن الخفاء والظهور من الأمور النسبية ، فربما ظهر لبعض الناس ما خفي على غيره ، ويظهر للإنسان الواحد في حال ما خفي عليه في حال أخرى . وأيضا فالمقدمات وإن كانت خفية فقد يسلمها بعض الناس وينازع فيما هو أجلى منها ، وقد تفرح النفس بما علمته من البحث والنظر ما لا تفرح بما علمته من الأمور الظاهرة . ولا شك أن العلم باثبات الصانع ووجوب وجوده أمر ضروري فطري ، وإن كان يحصل لبعض الناس من الشبه ما يخرجه إلى الطرق النظرية .
وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى القديم ، وليس هو من الأسماء الحسنى، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القران : هو المتقدم على غيره ، فيقال : هذا قديم ، للعتيق ، وهذا حديث ، للجديد . ولم يستعملوا هذا الإسم إلا في المتقدم على غيره ، لا فيما [لم] يسبقه عدم ، كما قال تعالى : حتى عاد كالعرجون القديم . والعرجون القديم : الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني ، فإذا وجد الجديد قيل للأول : قديم ، وقال تعالى : وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ، أي متقدم في الزمان . وقال تعالى : أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون . فالأقدم مبالغة في القديم ، ومنه : القول القديم والجديد للشافعي رحمه الله تعالى . وقال تعالى : يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ، أي يتقدمهم . ويستعمل منه الفعل لازماً ومتعدياً ، كما يقال : أخذت ما قدم وما حدث ، ويقال : هذا قدم هذا وهو يقدمه . ومنه سميت القدم قدماً ، لأنها تقدم بقية بدن الإنسان وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى ، فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام . وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف ، منهم ابن حزم . ولا ريب أنه إذا كان مستعملاً في نفس التقدم ، فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره . لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل [على] خصوص ما يمدح به ، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها ، فلا يكون من الأسماء الحسنى . وجاء الشرع بإسمه الأول . وهو أحسن من القديم ، لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له ، بخلاف القديم . والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة .