قوله : (حي لا يموت قيوم لا ينام)
 
ش : قال تعالى : الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ، فنفي السنة والنوم دليل على كمال حياته وقيوميته . وقال تعالى : الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق . وقال تعالى : وعنت الوجوه للحي القيوم . وقال تعالى : وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده . وقال تعالى : هو الحي لا إله إلا هو . وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله لاينام ولا ينبغي له أن ينام ، الحديث .
لما نفى الشيخ رحمه الله التشبيه ، أشار إلى ما تقع به التفرقة بينه وبين خلقه ، بما يتصف به تعالى دون خلقه : فمن ذلك : أنه حي لا يموت ، لأن صفة الحياة الباقية مختصة به تعالى ، دون خلقه ، فإنهم يموتون . ومنه : أنه قيوم لا ينام ، إذ هو مختص بعدم النوم والسنة ، دون خلقه ، فإنهم ينامون . وفي ذلك إشارة إلى [أن] نفي التشبيه ليس المراد منه نفي الصفات ، بل هو سبحانه موصوف ، بصفات الكمال ، لكمال ذاته . فالحي بحياة باقية لا يشبه الحي بحياة زائلة ، ولهذا كانت الحياة الدنيا متاعاً ولهواً ولعباً وأن الدار الآخرة لهي الحيوان ، فالحياة الدنيا كالمنام ، والحياة الآخرة كاليقظة ، ولا يقال : فهذه الحياة الآخرة كاملة ، وهي للمخلوق - : لأنا نقول : الحي الذي الحياة من صفات ذاته اللازمه لها ، هو الذي وهب المخلوق تلك الحياة الدائمة ، فهي دائمة بإدامة الله لها ، لا أن الدوام وصف لزم لها لذاتها ، بخلاف حياة الرب تعالى . وكذلك سائر صفاته ، فصفات الخالق كما يليق به ، وصفات المخلوق كما يليق به .
واعلم أن هذين الاسمين ، أعني : الحي القيوم مذكوران في القرآن معاً في ثلاث سور كما تقدم ، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى ، حتى قيل : أنهما الأسم الأعظم ، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه ، ويدل القيوم على معنى الأزلية والأبدية ما لا يدل عليه لفظ القديم . ويدل أيضاً على كونه موجوداً بنفسه ، وهو معنى كونه واجب الوجود . والقيوم أبلغ من القيام لأن الواو أقوى من الألف ، ويفيد قيامه بنفسه ، باتفاق المفسرين وأهل اللغة ، وهو معلوم بالضرورة . وهل تفيد إقامته لغيره وقيامه عليه ؟ فيه قولان ، أصحهما : أنه يفيد ذلك . وهو يفيد دوام قيامه [وكل قيامه] ، لما فيه من المبالغة ، فهو سبحانه لا يزول [و] لا يأفل ، فإن الافل قد زال قطعاً ، أي : لا يغيب ولا ينقص ولا يفنى ولا يعدم ، بل هو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال ، موصوفاً بصفات الكمال . واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال ، ويدل على دوامها وبقائها ، وانتفاء النقص والعدم عنها أزلاً وأبداً . ولهذا كان قوله : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . أعظم آية في القرآن ، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم . فعلى هذين الإسمين مدار الأسماء الحسنى كلها ، وإليهما ترجع معانيها .
فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال ، فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة ، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها ، استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة . وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته ، فإنه القائم بنفسه ، فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه . المقيم لغيره ، فلا قيام لغيره إلا بإقامته . فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال أتم انتظام .