مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ ((إِنْ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (2) فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ)) وَقَالَ ((اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا (...) |
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم قَالَ ((إِنْ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (2) فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ)) وَقَالَ ((اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ (5) فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَسْنَدَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِ مَعْنَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ بِرِوَايَةٍ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَلْفَاظُ حَدِيثِ زَيْدٍ هَذَا كُلِّهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسْنَدَهُ أَيْضًا مُخْتَصَرًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) مَنْ رَوَاهُ مِنَ التَّابِعِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ رَوَاهُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ صَحِيحٌ لَا مَقَالَ فِيهِ لِأَحَدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ ((إِنْ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)) فَالْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ فِي شِدَّةِ الْقَيْظِ كَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَأَمَّا إِضَافَةُ ذَلِكَ إِلَى جَهَنَّمَ - أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا - فَمَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ فِي الشَّمْسِ إِذَا اشْتَدَّ حَرُّهَا هَذِهِ نَارٌ تُرِيدُ كَالنَّارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَكَذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ نَارٌ يُرِيدُ أَنَّهُ يَفْعَلُ كَفِعْلِ النَّارِ مَجَازًا وَاسْتِعَارَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ تَفْضُلُ نَارَ بَنِي آدَمَ سَبْعِينَ جُزْءًا أَوْ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا وَفِي هَذَا مَا يُوَضِّحُ لَكَ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ أَوْ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَمَنْ قَالَ قَوْلُهُمْ وَمِنْهُ أَحْرَقَ الْحُزْنُ قَلْبِي وَأَحْرَقَ فَلَانٌ فُؤَادِي بِقَوْلِهِ كَذَا وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ الْحَرُّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَإِذَا اشْتَدَّ الْحُرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ)) فَمَعْنَى الْإِبْرَادِ بِهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا حَتَّى يَزُولَ سَمُومُ الْهَاجِرَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ فِيهِ سَعَةٌ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - عَلَى مَا مَضَى فِي كِتَابِنَا هَذَا وَاضِحًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو الْفَرَجِ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي الظُّهْرِ وَحْدَهَا أَنْ يُبْرَدَ بِهَا وَتُؤَخَّرَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ تُصَلَّى فِي أَوَائِلِ أَوْقَاتِهَا قَالَ أَبُو الْفَرَجِ أَخْتَارُ لَكَ لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أَوَّلَ أَوْقَاتِهَا إِلَّا الظُّهْرَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ((إِذَا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)) وأما بن الْقَاسِمِ فَحَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الظُّهْرَ تُصَلَّى إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى مَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ إلى عماله وقال بن عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ مَعْنَى كِتَابِ عُمَرَ مَسَاجِدُ الْجَمَاعَاتِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَوْلَى بِهِ وَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنَ الْوَقْتِ كُلِّهِ وَإِلَى هَذَا مَالَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيِّينَ من البغداديين ولم يلتفتوا إلى رواية بن الْقَاسِمِ وَقَدْ مَضَى فِي الْأَوْقَاتِ مَا يَكْفِي فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا الظُّهْرَ وَغَيْرهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى فَقَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامُ جَمَاعَةٍ يَنْتَابُ مِنَ الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ فَإِنَّهُ يُبْرِدُ بِالظُّهْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِبْرَادِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ لِشِدَّةِ حَرِّ الْحِجَارَةِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ مَسْجِدٌ غَيْرُ مَسْجِدِهِ فَكَانَ يُنْتَابُ مَنْ بَعُدَ فَيَتَأَذَّوْنَ بِشِدَّةِ الْحَرِّ فَأَمَرَهُمْ بِالْإِبْرَادِ لِمَا فِي الْوَقْتِ مِنَ السَّعَةِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تُصَلَّى الظُّهْرُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَاسْتَثْنَى أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 حَنِيفَةَ شِدَّةَ الْحَرِّ فَقَالَ يُؤَخِّرُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُبْرِدَ وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا مُتَقَارِبٌ جِدًّا وَقَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيُّ الْأَوْقَاتِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا قَالَ أَوَّلُهَا إِلَّا فِي صَلَاتَيْنِ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ قَالَ وَأَمَّا فِي الشِّتَاءِ فَيُعَجَّلُ بِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْأَحَادِيثُ عَنْ عُمَرَ فِي كِتَابِهِ إِلَى عُمَّالِهِ فَفِيهَا إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ وَفِيهَا إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ بِحَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا يَقُولُ فَلَمْ يَعْذِرْنَا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ وَعِلَّتِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَتَأَوَّلَ مَنْ رَأَى الْإِبْرَادَ فِي قَوْلِ خَبَّابٍ هَذَا فَلَمْ يُشْكِنَا وَلَمْ يَحْوِجْنَا إِلَى الشَّكْوَى لِأَنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي الْإِبْرَادِ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ أحمد بن يحيى ثعلب فَسَّرَ قَوْلَهُ فَلَمْ يُشْكِنَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (بْنِ سَعِيدٍ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ أَبُو خَلْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ (بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ) قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ (بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ) حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةٍ وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ إِلَى سَبْعَةٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْآذَرْمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ الْوَقْتِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ قَوْلَ عُمَرَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ - وَهُوَ مَعَهُ بِمَكَّةَ إِنَّكَ فِي بَلْدَةٍ حَارَّةٍ فَأَبْرِدْ ثُمَّ أَبْرِدْ ثُمَّ أَبْرِدْ وَقَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لَا يُبْرِدُونَ يَعْنِي الْخَوَارِجَ وَأَمَّا قَوْلُهُ اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَحَمَلَهُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ عَلَى الْمَجَازِ فَالَّذِينَ حَمَلُوهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالُوا أَنْطَقَهَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَفَهِمَ عَنْهَا كَمَا فَهِمَ عَنِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَالْجُلُودِ وَأَخْبَرَ عَنْ شَهَادَتِهَا وَنُطْقِهَا وَعَنِ النَّمْلِ بِقَوْلِهَا وَعَنِ الْجِبَالِ بِتَسْبِيحِهَا واحتجوا بقوله تعالى (يا جبال أَوِّبِي مَعَهُ سَبَأٍ 10 أَيْ سَبِّحِي مَعَهُ وَبِقَوْلِهِ (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ) ص 18 وَبِقَوْلِهِ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الْإِسْرَاءِ 44 وَبِقَوْلِهِ (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ق 30 وَبِقَوْلِهِ (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) الْفَرْقَانِ 12 وَبِقَوْلِهِ (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فُصِّلَتْ 11 فَلَمَّا كَانَ مِثْلُ هَذَا - وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ - حَمَلُوا بُكَاءَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَانْفِطَارَ السَّمَاءِ وَانْشِقَاقَ الْأَرْضِ وَهُبُوطَ الْحِجَارَةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَذَلِكَ إِرَادَةُ الْجِدَارِ الِانْقِضَاضَ وَاحْتَجُّوا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَقُصُّ الْحَقَّ) الْأَنْعَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَبِقَوْلِهِ (وَالْحَقَّ أَقُولُ) ص 84 وَأَمَّا الَّذِينَ حَمَلُوا ذَلِكَ كُلَّهُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ عَلَى الْمَجَازِ قَالُوا أَمَّا قَوْلُهُ (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) فَهَذَا تَعْظِيمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِشَأْنِهَا قَالُوا وَقَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا)) مِنْ بَابِ قول عنتزة (وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ) وَقَوْلِ الْآخَرِ (شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرًا جَمِيلًا فَكِلَانَا مُبْتَلَى) وَكَقَوْلِ الْحَارِثِيِّ (يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ ... وَيَرْغَبُ عَنْ دِمَاءِ بَنِي عَقِيلِ) وَقَالَ غَيْرُهُ (رُبَّ قَوْمٍ غَبَرُوا مِنْ عَيْشِهِمْ ... فِي نَعِيمٍ وَسُرُورٍ وَغَدَقْ) (سَكَتَ الدَّهْرُ زَمَانًا عَنْهُمُ ... ثُمَّ أَبْكَاهُمْ دَمًا حِينَ نَطَقْ) وَقَالَ غَيْرُهُ (وَعَظَتْكَ أَجْدَاثٌ صُمُتْ ... وَنَعَتْكَ أَزْمِنَةٌ جَفَتْ) (وَتَكَلَّمَتْ عَنْ أَوْجُهٍ ... تَبْلَى وَعَنْ صُوَرٍ سَبَتْ) (وَأَرَتْكَ قَبْرَكَ فِي الْقُبُورِ ... وَأَنْتَ حَيٌّ لَمْ تَمُتْ) وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهَا فِي التَّمْهِيدِ وَقَالُوا هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّمْثِيلِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ تَنْطِقُ لَكَانَ نُطْقُهَا هَذَا وَفِعْلُهَا وَذَكَرُوا قَوْلَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ حَيْثُ يَقُولُ (لَوْ أَنَّ اللَّوْمَ يُنْسَبُ كَانَ عَبْدًا ... قَبِيحَ الْوَجْهِ أَعْوَرَ مِنْ ثَقِيفِ) وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّحْوِيُّ عَنْ قَوْلِ الْمَلَكِ (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ) ص 23 وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَزْوَاجَ لَهُمْ فَقَالَ نَحْنُ طُولَ النَّهَارِ نَفْعَلُ هَذَا فَنَقُولُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَإِنَّمَا هَذَا تَقْدِيرٌ كَأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا وَقَعَ هَذَا فَكَيْفَ الْحُكْمُ فِيهِ وَذَكَرُوا قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْعِبَادِيِّ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَالَ وَمَا تَقُولُ قَالَ تَقُولُ (رُبَّ رَكْبٍ قَدْ أَنَاخُوا حَوْلَنَا ... يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ بِالْمَاءِ الزُّلَالِ) (ثُمَّ أَضْحَوْا لَعِبَ الدَّهْرُ بِهِمْ ... وَكَذَاكَ الدَّهْرُ حَالٌ بَعْدَ حَالِ) وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا وَرَدَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُعَضِّدُهُ عُمُومُ الْخِطَابِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا فَسَّرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَالَ اشْتَكَتِ النَّارُ إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بَعْضًا فَخَفِّفْ عَنِّي قَالَ فَخَفَّفَ عَنْهَا وَجَعَلَ لَهَا كُلَّ عَامٍ نَفَسَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْ بَرْدٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا وَمَا كَانَ مِنْ سَمُومٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ حَرِّهَا فَقَوْلُهُ مِنْ زَمْهَرِيرٍ يُهْلِكُ شَيْئًا وَحَرٍّ يُهْلِكُ شَيْئًا يُفَسِّرُ مَا أُشْكِلَ مِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ ذِي فَهْمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَفَسَهَا فِي الشِّتَاءِ غَيْرُ الشِّتَاءِ وَنَفَسَهَا فِي الصَّيْفِ غَيْرُ الصَّيْفِ لِقَوْلِهِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ وَقَوْلُ الْحَسَنِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا وَحَرِّهَا مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ الصِّحَاحِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَتِ النَّارُ إلى ربها فقالت يا رب! أكل بعضي بَعْضًا فَجَعَلَ لَهَا نَفَسًا فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ فِي الصَّيْفِ مِنَ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا وَالشِّدَّةُ وَالشَّدَائِدُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ بَعْدُ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَحُجَّتُهُمْ مِنَ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ فَقَالَ مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ)) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ ((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ دَعَا جِبْرِيلَ فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهَا فَقَالَ انْظُرْ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا)) الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ وَتَمَامِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَأَحَادِيثَ سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا آخِرُ مَا عَمِلَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَوْقَاتِ وَقَدَّمَ بَابَ الْوُقُوتِ عَلَى بَابِ الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ دُخُولُ وَقْتِهَا وَأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَلْزَمُ لَهَا إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَلَكِنَّهُ مُبَاحٌ عَمَلُهُ قَبْلُ وَسَقَطَ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ وَبَعْدَ بَابِ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ فلما سقط له ها هنا اسْتَدْرَكَهُ فَوَضَعَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بَعْدَ بَابِ الْعَمَلِ فِي الدُّعَاءِ وَلَيْسَ لَهُ هُنَاكَ مَدْخَلٌ فَرَأَيْنَا أَنْ نَضَعَهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا هُنَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا |