هَكَذَا تَرْجَمَةُ هَذَا الْبَابِ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ وَكَانَتْ حَقِيقَتُهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا ثُمَّ يَذْكُرُ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ
بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ (...)
 

هَكَذَا تَرْجَمَةُ هَذَا الْبَابِ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ وَكَانَتْ حَقِيقَتُهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا ثُمَّ يَذْكُرُ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ
بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بن يسار عن عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا
ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا
غَرَبَتْ فَارَقَهَا))
وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في تلك الساعات
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103
تَابَعَ يَحْيَى عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ جُمْهُورَ الرُّوَاةِ مِنْهُمُ
الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ
قَالَ فِيهِ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
الصُّنَابِحِيِّ وَتَابَعَهُ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ وَطَائِفَةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ
وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ
خَبَرَهُ وَأَنَّهُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ لَا صُحْبَةَ لَهُ
وَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا خَمْسُ
لَيَالٍ تُوفِّيَ وَأَنَا بِالْجُحْفَةِ فقدمت وأصحابه متوافدون
وعن بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ
الصُّنَابِحِيِّ قَالَ خَرَجْنَا مِنَ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ فَقَدِمْنَا الْجُحْفَةَ فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ الْخَبَرُ!
فَقَالَ دَفَنَّا رَسُولَ الله منذ خمس ليال
واضطرب بن مَعِينٍ فِي حَدِيثِ الصُّنَابِحِيِّ هَذَا فَمَرَّةً قَالَ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ لَهُ صُحْبَةٌ
وَمَرَّةً قَالَ أَحَادِيثُهُ مُرْسَلَةٌ لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى
عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَأَحَادِيثُ الصُّنَابِحِيِّ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ مَشْهُورَةٌ جَاءَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ طُرُقٍ شَتَّى مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الشَّامِ وَمِمَّنْ رَوَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَمُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ الْبَهْزِيُّ وَقَدْ
ذَكَرْنَاهَا بِطُرُقِهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ)) وَفِي بَعْضِ
الرِّوَايَاتِ ((تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ)) - وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي التَّمْهِيدِ -
فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَعَلَى
رَأْسِ الشَّيْطَانِ وَبَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا مِنْ غَيْرِ
تَكْيِيفٍ لِأَنَّهُ لَا يُكَيَّفُ مَا لَا يُرَى
وَحُجَّةُ مَنْ قال هذا القول - حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ((أَرَأَيْتَ مَا
جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ
قَالَ هُوَ حَقٌّ فَمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ شِعْرِهِ قَالُوا أَنْكَرْنَا قَوْلَهُ
(وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ ... حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ (1))
(لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ لَهُمْ فِي رِسْلِهَا ... إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تجلد
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104
فَمَا بَالُ الشَّمْسِ تُجْلَدُ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَطُّ حَتَّى يَنْخُسَهَا
سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَيَقُولُونَ لَهَا اطْلَعِي اطْلَعِي فَتَقُولُ لَا أَطْلَعُ عَلَى قَوْمٍ يَعْبُدُونَنِي مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَيَأْتِيهَا مَلَكٌ عَنِ اللَّهِ يَأْمُرُهَا بِالطُّلُوعِ فَتَشْتَعِلُ لِضِيَاءِ بَنِي آدَمَ فَيَأْتِيهَا شَيْطَانٌ
يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ الطُّلُوعِ فَتَطْلَعُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ فَيَحْرِقُهُ اللَّهُ عَنْهَا وَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ
قَطُّ إِلَّا خَرَّتْ سَاجِدَةً فَيَأْتِيهَا شَيْطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ السُّجُودِ فَتَغْرُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ
فَيَحْرِقُهُ اللَّهُ تَحْتَهَا
وَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا طَلَعَتْ إِلَّا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَلَا
غَرَبَتْ إِلَّا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ هَذَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الْمَجَازِ وَاتِّسَاعِ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ أُرِيدَ بِقَرْنِ
الشَّيْطَانِ هُنَا أُمَّةٌ تَعْبُدُ الشَّمْسَ وَتَسْجُدُ لَهَا وَتُصَلِّي فِي حِينِ غُرُوبِهَا وَطُلُوعِهَا تَقْصِدُ
بِذَلِكَ الشَّمْسَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ التَّشَبُّهَ بِالْكُفَّارِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ
وَيُحِبُّ مُخَالَفَتَهُمْ فَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِذَلِكَ
وَهَذَا التَّأْوِيلُ جَائِزٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ فِي لِسَانِهَا لِأَنَّ الْأُمَّةَ تُسَمَّى عِنْدَهُمْ قَرْنًا
وَالْأُمَمَ قُرُونًا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) مَرْيَمَ 74
(وَقُرُونًا بَيْنَ ذلك كثيرا) الفرقان 38
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي))
وَجَائِزٌ أَنْ يُضَافَ الْقَرْنُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِطَاعَتِهِمْ لَهُ
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْكَفَّارَ حِزْبَ الشَّيْطَانِ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ تَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي التَّمْهِيدِ وَفِيهِ ((فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ
فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ ((وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ))
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ ((وَهِيَ سَاعَةُ صَلَاةِ الْكُفَّارِ)) وَفِيهِ ((فَإِذَا اعْتَدَلَ النَّهَارُ فَأَقْصِرْ
فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُسْجَرُ فِيهَا جَهَنَّمُ))
وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ
وَكُلُّهَا بِأَحْسَنِ سِيَاقَةٍ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ
غُرُوبِهَا صَحِيحٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَأَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ إِلَّا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ وَمَعْنَاهُ
فَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ دُونَ
الْفَرِيضَةِ وَدُونَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهَذِهِ جُمْلَةُ قَوْلِهِمْ
وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ أَوْ فَرِيضَةٍ أَوْ عَلَى جِنَازَةٍ فَلَا
تُصَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا وَلَا عِنْدَ اسْتِوَائِهَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَخُصَّ
نَافِلَةً مِنْ فَرِيضَةٍ إِلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ
قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ))
وَلَهُمْ حُجَجٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ مَضَى الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ
مِنْ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَقَدْ رَدُّوا ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إِذْ قَالُوا بِبَعْضِهِ وَدَفَعُوا بِتَأْوِيلِهِمْ بَعْضَهُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَمَعَ
الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَهُمْ قَالُوا عَصَرَ يَوْمِهِ دُونَ صُبْحِ يَوْمِهِ وَزَعَمُوا أَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةً مِنَ
الْعَصْرِ يَخْرُجُ إِلَى وَقْتٍ تُبَاحُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ بَعْدُ الْمَغْرِبِ وَمُدْرِكُ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ
يَخْرُجُ مِنَ الثَّانِيَةِ إِلَى الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الطُّلُوعُ
وَهَذَا الْحُكْمُ لَا بُرْهَانَ لِصَاحِبِهِ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ ذَكَرْنَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً
مِنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((مَنْ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا
فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)) مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ
تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ
فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ)) أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ
الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إِلَى الْفَرِيضَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ إِلَى مَا عَدَا الْفَرَائِضِ
مِنَ الصَّلَوَاتِ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106
وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَكُونُ الْأَحَادِيثُ مُسْتَعْمَلَةً كُلَّهَا فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهَا
بِبَعْضٍ لِأَنَّ عَلَيْنَا فِي الْكُلِّ الِاسْتِعْمَالَ مَا وَجَدْنَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَلَا يُقْطَعُ بِنَسْخِ شَيْءٍ
مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ أَوْ إِجْمَاعٍ
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ
عِنْدَهُمْ نِصْفَ النَّهَارِ إِذَا اسْتَوَتِ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ لَا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَلَا غَيْرِهِ
وَلَا أَعْرِفُ هَذَا النَّهْيَ وَمَا أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْفَضْلِ إِلَّا وَهُمْ يَسْجُدُونَ وَيُصَلُّونَ نصف
النهار
وهذا ما حكى عنه بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ وَفِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي
قُرِئَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ - النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا اسْتَوَتِ الشَّمْسُ فِي حَدِيثِ
الصُّنَابِحِيِّ لِقَوْلِهِ فِيهِ ((فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا)) وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا أَكْرَهُ التَّطَوُّعَ نِصْفَ النَّهَارِ وَلَا أُحِبُّهُ وَيَدُلُّ قَوْلُهُ هَذَا
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ هَذَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ
فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا أَدْرِي مَا هَذَا وَهُوَ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِمَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ وَرِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ
وَأَحْسَبُهُ مَالَ فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِيثِهِ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ
((أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ)) وَمَعْلُومٌ أَنَّ خُرُوجَ عَمَرَ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ طِنْفِسَةِ عَقِيلٍ وَقَدْ
مَضَى ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ
فَإِذَا كَانَ خُرُوجُ عُمَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ إِلَى خُرُوجِهِ فَقَدْ كَانُوا يُصَلُّونَ وَقْتَ
اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْمَدِينَةِ لَا يُنْكِرُهُ مُنْكِرٌ
وَمِثْلُ هَذَا الْعَمَلِ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَلِذَلِكَ صَارَ إِلَيْهِ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ
وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُ الْجُمُعَةِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ فِي أَثَرٍ وَلَا
نَظَرٍ
وَمِمَّنْ رَخَّصَ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَاوُسٌ وَرِوَايَةٌ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ تَخْصِيصُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
خَاصَّةً وَهِيَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن سعيد بن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107
نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا يَوْمِ الْجُمُعَةِ))
قَالَ أَبُو عمر إبراهيم بن محمد هذا هو بن أبي يحيى وإسحاق هذا هو بن أَبِي
فَرْوَةَ وَهُمَا مَتْرُوكَانِ لَيْسَ فِيمَا يَنْقِلَانِهِ وَيَرْوِيَانِهِ حُجَّةٌ
وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ مَعَ حَدِيثِ بن أبي يحيى بحديث مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ
بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ الْمَذْكُورِ وَقَالَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ صَحِيحٌ
إِلَّا أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَا رُوِيَ مِنَ الْعَمَلِ الْمُسْتَفِيضِ فِي الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ
عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ وَبِمَا رَوَاهُ بن أَبِي يَحْيَى
وَغَيْرُهُ مِمَّا يُعَضِّدُهُ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ قَالَ وَالْعَمَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلا توقيفا وإن
كان حديث بن أَبِي يَحْيَى ضَعِيفًا فَإِنَّهُ تُقَوِّيهِ صِحَّةُ الْعَمَلِ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص عَنِ السَّائِبِ بْنِ
يَزِيدَ قَالَ كَانَ عُمَرُ إِذَا خَرَجَ - يَعْنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ - تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَجَلَسُوا
وَمَعْلُومٌ أَنَّ خُرُوجَ عُمَرَ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ يَنْدَفِعُ الأذان
وكذلك في حديث بن شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ ((وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ))
وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ تُكْرَهُ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ إِلَّا يَوْمَ
الْجُمُعَةِ))
وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَفَهُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ رَأْيًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِإِسْنَادِهِمَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ صَلَاةٌ كُلُّهُ
وَكَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ وَلَا يَكْرَهُ ذلك في
الشتاء
وقال بن سِيرِينَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ وَتَحْرُمُ فِي سَاعَتَيْنِ تُكْرَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ
وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَنِصْفَ النَّهَارِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَتَحْرُمُ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ حَتَّى يَسْتَوِيَ
طُلُوعُهَا وَحِينَ تَصْفَرُّ حَتَّى يَسْتَوِيَ غُرُوبُهَا
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ بن سيرين وعن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ نِصْفَ النَّهَارِ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ لِحَدِيثِ
الصُّنَابِحِيِّ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُمَا فِي ذَلِكَ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108
وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةً فَائِتَةً وَلَا نَافِلَةً وَلَا صَلَاةَ سُنَّةٍ
وَلَا عَلَى جِنَازَةٍ لَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا وَلَا عِنْدَ اسْتِوَائِهَا إِلَّا مَا
ذَكَرْنَا عَنْهُمْ فِي عَصْرِ يَوْمِهِ مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ الصُّنَابِحِيِّ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ
وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ مَا يُغْنِي عَنْ رده ها هنا
وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَدَفْنَهَا نِصْفَ النَّهَارِ جَائِزٌ
وَذَكَرَ بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَا بَأْسَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ
تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَإِذَا اصْفَرَّتْ لَمْ يُصَلَّ عَلَى الْجَنَائِزِ إِلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهَا فَيُصَلَّى عَلَيْهَا
حِينَئِذٍ
قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ فَإِذَا أَسْفَرَ فَلَا تُصَّلُوا
عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تَخَافُوا عَلَيْهَا
وذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ جَائِزَةٌ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَاسْتِوَائِهَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ إِلَّا فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا
نِصْفَ النَّهَارِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُصَلَّى عَلَيْهَا مَا دَامَ فِي مِيقَاتِ الْعَصْرِ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهُمْ مِيقَاتُ الْعَصْرِ
لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ
السَّاعَاتِ إِنَّمَا هُوَ عَنِ النَّوَافِلِ الْمُبْتَدَأَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَأَمَّا عَنْ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَلَا
لِحَدِيثِ قَيْسٍ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُصَلَّيَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ - بَعْدَ الْعَصْرِ