مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه
وسلم قال ((من أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ (1) فَلَا يَقْرَبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثَّوْمِ))
قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّصِلًا مُسْنَدًا فِي ((التَّمْهِيدِ)) مِنْ طُرُقٍ شَتَّى
رَوَى يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ ((مَسَاجِدَنَا)) (...)
 
مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه
وسلم قال ((من أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ (1) فَلَا يَقْرَبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثَّوْمِ))
قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّصِلًا مُسْنَدًا فِي ((التَّمْهِيدِ)) مِنْ طُرُقٍ شَتَّى
رَوَى يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ ((مَسَاجِدَنَا)) وَرَوَتْ طَائِفَةٌ ((مَسْجِدَنَا)) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَ
(مَسَاجِدَنَا) أَعَمُّ وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنَ الْجِنْسِ فِي مَعْنَى الْجَمَاعَةِ وَ (مَسَاجِدَنَا) تَفْسِيرُ
(مَسْجِدَنَا)
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ الْمُسْنَدَةِ ((فَلَا يَقْرَبْنَا وَلَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا)) وَفِي بَعْضِهَا ((فَلَا يَغْشَانَا
فِي مَسَاجِدِنَا وَلَا يَأْتِينَا يَمْسَحُ جَبْهَتَهُ))
وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ ((مَنْ أَكَلَ الثَّوْمَ أَوِ
الْبَصَلَ أَوِ الْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ
الْآدَمِيُّونَ))
وَفِي بَعْضِ الْمُوَطَّآتِ مَالِكٌ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ ((كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَأْكُلُ الثَّوْمَ وَلَا الْكُرَّاثَ وَلَا الْبَصَلَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ تَأْتِيهِ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُكَلِّمُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ))
رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
أُوَيْسٍ عَنْهُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ إِبَاحَةُ الثَّوْمِ لِسَائِرِ النَّاسِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إنما
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117
امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الثَّوْمِ وَالْبَصَلِ لِعِلَّةٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي غَيْرِهِ فَصَارَ ذَلِكَ خُصُوصًا
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ أَكَلَهُ فَلَا يَقْرَبْ
هَذَا الْمَسْجِدَ لِأَنَّ قَوْلَهُ ((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ)) دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِهَا لَا عَلَى
تَحْرِيمِهَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ إِتْيَانَ الْجَمَاعَةِ فَرْضًا وَيَمْنَعُونَ
مِنْ أَكَلِ الثَّوْمِ وَالْبَصَلِ وَمَنْ أَكَلَهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةٍ
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُهُودَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ خِلَافًا أَيْضًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ الَّذِينَ
يُوجِبُونَهَا وَيُحَرِّمُونَ أَكْلَ الثَّوْمِ مِنْ أَجْلِ شُهُودِهَا))
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ أَكَلَ الثَّوْمَ مِنَ السَّلَفِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) عَلَى حَسْبِ مَا بَلَغَنَا
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعَانٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا خَرَجَ النَّهْيُ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَجْلِ جِبْرِيلَ
وَنُزُولِهِ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ الجمهور حكم مسجد النبي وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ سَوَاءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَمَلَائِكَةُ الْوَحْيِ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ
وَقَالَ يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثَّوْمِ)) وَلَا يَحِلُّ إِذًا لِجَلِيسٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) حَدِيثَ عُمَرَ قَالَ ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرَتَيْنِ
خَبِيثَتَيْنِ الْبَصَلِ وَالثَّوْمِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا
مِنَ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ))
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأْكُلُونَ الثَّوْمَ وَالْبَصَلَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُنْهَوْا عَنْ أَكْلِهِمَا
وَلَكِنَّهُمْ أُبْعِدُوا مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِهِمَا
وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ ((فَلَا يَقْرَبْنَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُمَا)) وَذَلِكَ كُلُّهُ
إِبَاحَةٌ لِأَكْلِهِمَا وَلِلتَّأَخُّرِ عَنِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ أَنَّ كُلَّ مَا يُتَأَذَّى بِهِ كَالْمَجْذُومِ وَغَيْرِهِ يُبْعَدُ عَنِ
الْمَسْجِدِ
وَقَدْ شَاهَدْتُ شَيْخَنَا أَبَا عُمَرَ الْإِشْبِيلِيَّ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هَاشِمٍ أَفْتَى فِي رَجُلٍ
شَكَاهُ جِيرَانُهُ وَأَثْبَتُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يُؤْذِيهِمْ فِي الْمَسْجِدِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ - بِأَنْ يُخْرَجَ عَنِ
الْمَسْجِدِ وَيُبْعَدَ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ وَمَا هَذَا وَقَدْ كَانَ فِي أَدَبِهِ بِالسَّوْطِ مَا يَرْدَعُهُ فَقَالَ
الِاقْتِدَاءُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى وَنَزَعَ بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ
وَرَوَى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ آكِلِ الثَّوْمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعَ
حِينَ أَكَلَ الثَّوْمَ وَهُوَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حضور الجمعة
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118
وقال عنه بن الْقَاسِمِ الْكُرَّاثُ كَالثَّوْمِ إِذَا وَجَدَ مِنْ رِيحِهَا مَا يُؤْذِيهِ
وَفِي كَوْنِ الْخُضَرِ بِالْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا الزَّكَاةَ وَلَوْ أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ
فَكَانَتِ الْخُضْرَةُ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَمْوَالِ كَمَا عُفِيَ عَنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ الَّتِي لَيْسَتْ
لِلتِّجَارَةِ
وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ
الْعُشْرُ)) إِنْ شَاءَ اللَّهُ