مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (...) |
مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ نَعَمْ فَدَعَا بِوُضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ هَكَذَا فِي ((الْمُوَطَّأِ)) عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاتِهِ - فِيمَا عَلِمْتُ - فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ((وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ)) وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى إِلَّا مَالِكٌ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عِمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْمَازِنِيِّ الْأَنْصَارِيِّ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلِجَدِّهِ أَبِي حَسَنٍ صُحْبَةٌ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ ((الصَّحَابَةِ)) وَعَسَى أَنْ يَكُونَ جَدَّهُ لِأُمِّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَاخْتِلَافَ رُوَاتِهِ فِي سِيَاقَتِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَلَيْسَ عِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَهُ سَحْنُونُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَلْفَاظٍ لَا تُعْرَفُ لِمَالِكٍ فِي إِسْنَادِهِ وَلَا مَتْنِهِ وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَأَمَّا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْمَعَانِي فَأَوَّلُ ذَلِكَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ مَرَّتَيْنِ فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُدْخِلَ أَحَدٌ يَدَيْهِ فِي وَضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهُمَا إِذَا كَانَ مُحْدِثًا وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ طَاهِرَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وَضُوءَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مذهبه فيما روى عنه بن القاسم وبن وهب وأشهب وغيرهم إلا ما ذكره بن وهب عن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَسْتَيْقِظُ فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وذكر عن بن وهب وأصبغ أنهما كرها ذلك وقال بن وَهْبٍ لَيْسَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ يَدِهِ إِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً وَكَانَتْ بِحَضْرَةِ الْوُضُوءِ وَسَنُورِدُ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا فِي بَابِ وُضُوءِ النَّائِمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا فَالثَّلَاثُ فِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ أَكْمَلُ الْوُضُوءِ وَأَتَمُّهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ اعْتِدَاءٌ مَا لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ لِتَمَامِ نُقْصَانٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْمَضْمَضَةُ مَعْرُوفَةٌ وَلَيْسَ إِدْخَالُ الْإِصْبَعِ وَدَلْكُ الْأَسْنَانِ بِهَا مِنَ الْمَضْمَضَةِ فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَحَسْبُ الْمُتَمَضْمِضِ أَخْذُ الْمَاءِ مِنَ الْيَدِ بِفِيهِ وَتَحْرِيكُهُ مُتَمَضْمِضًا بِهِ وَطَرْحُهُ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَقَدْ بَلَغَ غَايَةَ الْكَمَالِ وَأَمَّا الِاسْتِنْثَارُ فَهُوَ دَفْعُ الْمَاءِ مِنَ الْأَنْفِ وَالِاسْتِنْشَاقُ أَخْذُهُ بِرِيحِ الْأَنْفِ وَهُمَا كَلِمَتَانِ مَرْوِيَّتَانِ فِي الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ وَغَيْرِهَا مُتَدَاخِلَتَانِ فِي الْمَعْنَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ يُعَبِّرُونَ بِالْوَاحِدَةِ عَنِ الْأُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ الْوَارِدَةَ بِهِمَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) فَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِهِمَا فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُمَا يَقُولُونَ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْثَارُ سُنَّةٌ لَا فَرِيضَةٌ لَا فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْجَنَابَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عن الحسن البصري وبن شِهَابٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ فَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا وَلَا عَمِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ وَصَلَّى فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُمَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي كِتَابِهِ وَلَا أَوْجَبَهُمَا رَسُولُهُ وَلَا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى إِيجَابِهِمَا وَالْفَرَائِضُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ هُمَا فَرْضٌ فِي الْجَنَابَةِ وَسُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ فَإِنْ تَرَكَهُمَا فِي غُسْلِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَصَلَّى أَعَادَ كَمَنْ تَرَكَ لُمْعَةً وَمَنْ تَرَكَهُمَا فِي وضوئه فلا شي عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبُلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ)) وَفِي الْأَنْفِ مَا فِيهِ مِنَ الشَّعْرِ وَأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَى غَسْلِ الْأَسْنَانِ وَالشَّفَتَيْنِ إِلَّا بِالْمَضْمَضَةِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْفَرْجُ يَزْنِي)) وَنَحْوَ ذَلِكَ إِلَى أَشْيَاءَ نَزَعُوا بها تركت ذكرها وقال بن أَبِي لَيْلَى وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ هُمَا فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِ مالك والشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وكذلك اختلف أصحاب دواد فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَرْضٌ وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَنْ دَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبٌ قَالَا مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْشَاقَ وَصَلَّى أَعَادَ وَمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ لَمْ يُعِدْ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ وَعِنْدَ أَصْحَابِ دَاوُدَ أَيْضًا مِثْلُهُ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النِّسَاءِ 43 كَمَا قَالَ فِي الْوُضُوءِ (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْمَائِدَةِ 6 فَمَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنَ الْغُسْلِ وَجَبَ فِي الْآخَرِ وَلَمْ يَحْفَظْ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي وُضُوئِهِ وَلَا غُسْلِهِ لِلْجَنَابَةِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُرَادَهُ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مَعَ غَسْلِ سَائِرِ الْوَجْهِ وَحُجَّةُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا وَأَفْعَالُهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَفَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاسْتِنْثَارَ وَأَمَرَ بِهِ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ إِلَّا أَنْ يَسْتَبِينَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُرَادِهِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي ذَلِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اعْتِلَالَاتٌ وَتَرْجِيحَاتٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَأَمَّا غَسْلُ الْوَجْهِ ثَلَاثَةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا فَهُوَ الْكَمَالُ وَالْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا أَوْعَبَتْ تُجْزِئُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَهَذَا أَكْثَرُ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَلَقَّتِ الْجَمَاعَةُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ إِلَّا إِنْ ثَبَتَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَسْخٌ لِغَيْرِهِ فَقِفْ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ فِيهِ قال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَوْقِيتٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وَلَمْ يُوَقِّتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وذكر عنه بن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ لَا أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَإِنْ عَمَّتَا وَالْوَجْهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ وَهُوَ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إِلَى الْعَارِضِ وَالذَّقَنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَمَا أَقْبَلَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَارِضِ فَرَوَى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَيْسَ مَا خَلْفَ الصُّدْغِ الَّذِي مِنْ وَرَاءِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ إِلَى الْأُذُنِ مِنَ الْوَجْهِ وَزَعَمَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ مَذْهَبَهُ مَحْمُولٌ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ إِلَى الْعَارِضِ فَرْضٌ وَغَسْلُ مَا بَيْنَ الْعَارِضِ إِلَى الْأُذُنِ سُنَّةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَغْسِلُ الْمُتَوَضِّئُ وَجْهَهُ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ لِحْيَتِهِ إِلَى أُصُولِ أُذُنَيْهِ وَمُنْتَهَى اللِّحْيَةِ إِلَى مَا أَقْبَلَ مِنْ وَجْهِهِ وَذَقْنِهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ أَمَرْدَ غَسْلَ بَشَرَةَ وَجْهِهِ كُلِّهَا فَإِنْ نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ وَعَارِضَاهُ أَفَاضَ عَلَى لِحْيَتِهِ وَعَارِضَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلِ الْمَاءُ إِلَى بَشَرَةِ وَجْهِهِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ أَجْزَأَهُ إِذَا كَانَ شَعْرُهُ كَثِيرًا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ أَنْ يَمْسَحَ مَا تَحْتَ عَارِضَيْهِ فَقَضَى إِجْمَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُتَيَمِّمَ بِمَسْحِ وَجْهِهِ كَمَا أَمَرَ الْمُتَوَضِّئَ بِغَسْلِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ غَسْلُ الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَإِلَى أُصُولِ الْأُذُنَيْنِ وَيَتَعَاهَدُ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعَارِضِ وَالْأُذُنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ - مِنَ الْوَجْهِ وَغَسْلُهُ وَاجِبٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا قَدِيمًا فِيمَا أَقْبَلَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ هَلْ هُوَ مِنَ الرَّأْسِ أَوْ مِنَ الْوَجْهِ مَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَارِضِ مِنَ الْوَجْهِ وَسَأَذْكُرُ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأُذُنَيْنِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ الله قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكَمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْقَاضِي بِالْبَصْرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ جَابِرِ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ ابْلُغْ بِالْوُضُوءِ مَقَاصَّ الشَّعْرِ واختلف في تخليل اللحية والذقنه فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا في غسل الجنابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجُنُبَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى المتوضئ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِهِ فِي غُسْلِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ والليث بن سعيد وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ وَهَذَا عَلَى مَنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ شَعْرِهِ لِيَصِلَ الْمَاءُ إِلَى بَشَرَتِهِ وَأَظُنُّ مَالِكًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الشَّعْرَ لَا يَمْنَعُ من وصول الماء وذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَيُحَرِّكُ اللِّحْيَةَ فِي الْوُضُوءِ إِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَلَا يُخَلِّلُهَا قَالَ وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَلْيُحَرِّكْهَا وَإِنْ صَغُرَتْ وتخليلها أحب إلينا وذكر بن القاسم عن مالك قال يحرك المتوضىء ظَاهِرَ لِحْيَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهَا قَالَ وَهِيَ مِثْلُ أَصَابِعِ الرِّجْلِ يَعْنِي أنها لا تخلل وقال بن عَبْدِ الْحَكَمِ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَرَوَى أَبُو فَرْوَةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَذْكُرُ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ فَيَقُولُ يَكْفِيهَا مَا مَسَّهَا مِنَ الْمَاءِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَيَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَيْسَ تَحْرِيكُ اللِّحْيَةِ وَتَخْلِيلُ الْعَارِضَيْنِ بواجب وقال بن خُوَازَ بَنْدَاذَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْوُضُوءِ إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي رَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلَهُ مَا بَالُ الرَّجُلِ يَغْسِلُ لِحْيَتَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ فَإِذَا نَبَتَتْ لَمْ يَغْسِلْهَا وَمَا بَالُ الْأَمْرَدِ يَغْسِلُ ذَقَنَهُ وَلَا يَغْسِلُهُ ذُو اللِّحْيَةِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ فِي وُضُوئِهِ مِنْ وُجُوهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَإِيجَابُ غَسْلِ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ دُونَ دَلِيلٍ قَاطِعٍ فِيهِ لَا يَصِحُّ وَمَنِ احْتَاطَ فَخَلَّلَ لَمْ يُعَبْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ التَّيَمُّمُ وَاجِبٌ فِيهِ مَسْحُ اللِّحْيَةِ ثُمَّ سَقَطَ بَعْدَ هَذَا عِنْدَهُمْ جَمِيعِهِمْ فَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَأَمَّا مَا انْسَدَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ فَذُكِرَ عَنْ سحنون عن بن الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَسْأَلُ هَلْ سَمِعْتَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إِنَّ اللِّحْيَةَ مِنَ الوجه الماء قال قَالَ نَعَمْ قَالَ وَتَخْلِيلُهَا فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَعَابَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ قِيلَ لِسَحْنُونَ أَرَأَيْتَ مَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَلَمْ يُمِرَّ الْمَاءَ عَلَى لِحْيَتِهِ قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَمْسَحْ رَأْسَهُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا انْسَدَلَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فَقَالَ مَرَّةً أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُمِرَّ الْمَاءَ عَلَى مَا سَقَطَ مِنَ اللِّحْيَةِ عَلَى الْوَجْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِيهَا قَوْلَانِ يُجْزِئُهُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ مَا سَقَطَ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الْوَجْهِ - مِنَ الْوَجْهِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَا سَقَطَ مَا انْسَدَلَ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ جَعَلَ غَسْلَ مَا انْسَدَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ وَاجِبًا جَعَلَهَا وَجْهًا وَاللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ أَمْرًا مُطْلَقًا لَمْ يَخُصَّ صَاحِبَ لِحْيَةٍ مِنْ أَمْرَدَ فَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَجْهٍ فَوَاجِبٌ غَسْلُهُ لِأَنَّ الْوَجْهَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ تُسَمِّيَ اللِّحْيَةَ وَجْهًا فَوَجَبَ غَسْلُهَا لِعُمُومِ الظَّاهِرِ وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ غَسْلَ مَا انْسَدَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْمَأْمُورَ بِغَسْلِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ غَسْلُ اللِّحْيَةِ لِأَنَّهَا ظَهَرَتْ فَوْقَ الْبَشَرَةِ حَائِلَةً دُونَهَا وَصَارَتِ الْبَشَرَةُ بَاطِنًا وَصَارَ الظَّاهِرُ هُوَ شَعْرُ اللِّحْيَةِ فَوَجَبَ غَسْلُهَا بَدَلًا مِنَ الْبَشَرَةِ وَمَا انْسَدَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ لِحْيَةً فَمَا يَلْزَمُ غَسْلُهُ فَيَكُونُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ بَدَلًا مِنْهُ كَمَا أَنَّ جِلْدَ الرَّأْسِ مَأْمُورٌ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ فَلَمَّا نَبَتَ الشَّعْرُ نَابَ مَسْحُ الشَّعْرِ عَنْ مَسْحِ جِلْدَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْهُ وَمَا انْسَدَلَ مِنَ الرَّأْسِ وَسَقَطَ فَلَيْسَ تَحْتَهُ بَشَرَةٌ يَلْزَمُ مَسْحُهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّأْسَ الْمَأْمُورَ بِمَسْحِهِ مَا عَلَا وَنَبَتَ فِيهِ الشَّعْرُ وَمَا سَقَطَ مِنْ شَعْرِهِ وَانْسَدَلَ فَلَيْسَ بِرَأْسٍ وَكَذَلِكَ مَا انْسَدَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِوَجْهٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ كَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا غَسْلُ الْيَدَيْنِ فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا ((أَنَّ رَسُولَ الله غَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ)) وَجَاءَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَسَلَهُمَا ثَلَاثًا ثلاثا وهو أكمل الوضوء وأتمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وروى بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ إِذَا كَانَتْ سَابِغَةً وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَغْسِلَ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي أَمْرِهِ كَمَا فِي طَهُورِهِ وَغَسْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِ وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ غَسَلَ يُسْرَى يَدَيْهِ قَبْلَ الْيُمْنَى أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَرَوَيْنَا عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا لَا نُبَالِي بِأَيِّ ذَلِكَ بَدَأْنَا قَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى سَأَلْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ إِجَالَةِ الْخَاتَمِ عِنْدَ الْوُضُوءِ قَالَ إِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَأَجِلْهُ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَأَقِرَّهُ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ كَقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَمَّا إِدْخَالُ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغُسْلِ فَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا زُفَرَ فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمَرَافِقِ مَعَ الذِّرَاعَيْنِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُدَ فَمَنْ أَوْجَبَ غَسْلَهَا حَمَلَ قَوْلَهُ (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) الْمَائِدَةِ 6 على أن (إلى) ها هنا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ فَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَالْمَرَافِقَ أَوْ مَعَ الْمَرَافِقِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) الصَّفِّ 14 أَيْ مَعَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) النِّسَاءِ 2 أَيْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ تَكُونَ (إِلَى) بِمَعْنَى الْوَاوِ وَبِمَعْنَى مَعَ وَقَالَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إِلَى أَصْلِ الْكَتِفِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ (إِلَى) عَنْ مَعْنَاهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْغَايَةِ أَبَدًا وَقَالَ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ (إلى) ها هنا بِمَعْنَى الْغَايَةِ وَتُدْخِلُ الْمَرَافِقَ فِي الْغُسْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 لِأَنَّ الثَّانِي إِذَا كَانَ مِنَ الْأَوَّلِ كَانَ مَا بَعْدَ (إِلَى) دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ فَدَخَلَتِ الْمَرَافِقُ فِي الْغُسْلِ لِأَنَّهَا مِنَ الْيَدَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلِ اللَّيْلُ فِي الصِّيَامِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) الْبَقَرَةِ 187 لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مِنَ النَّهَارِ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَا كَانَ مِنَ الْجِنْسِ دَخَلَ الْحَدُّ مِنْهُ فِي الْمَحْدُودِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْجِنْسِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَحْدُودِ مِنْهُ حَدُّهُ وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ غَسْلَهَا حمل (إلى) على الغاية كقوله (ثم أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وَلَيْسَ بِشَيْءٍ مِمَّا قَدَّمْنَا مِنَ الْحُجَّةِ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ جَهْلُ التَّأْوِيلِ وَلَا تَحْرِيفُهُ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِسُقُوطِ إِدْخَالِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ قَلِيلٌ وَقَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَالشُّذُوذِ وَمَنْ غَسَلَ الْمِرْفَقَيْنِ مَعَ الذِّرَاعَيْنِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ بِيَقِينٍ وَالْيَقِينُ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجِبٌ وَأَمَّا الْمَسْحُ بِالرَّأْسِ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ كُلِّهِ فَقَدْ أَحْسَنَ وَعَمِلَ أَكْمَلَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْيَسِيرَ لَا يُقْصَدُ إِلَى إِسْقَاطِهِ مُتَجَاوَزٌ عَنْهُ لَا يَضُرُّ الْمُتَوَضِّئَ وَجُمْهُورُهُمْ يَقُولُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ مَسْحَةً وَاحِدَةً مُوعِبَةً كَامِلَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا إِلَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَأَكْثَرُهَا عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَرُوِيَ مَسْحُ الرَّأْسِ ثَلَاثًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بن جبير وعطاء وغيرهم وكان بن سِيرِينَ يَقُولُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ بِيَدَيْهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى مُقَدَّمِهِ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا سَمِعْتُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَحْسَنُ مَا جاء في مسح الرأس وروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ وَيُدِيرُ وَيُعِيدُ إِلَى حَيْثُ بَدَأَ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ((بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ)) وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُمْتَثَلَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَرَوَى مُعَاوِيَةُ وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ)) فَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ لِقَوْلِهِ ((فَأَقْبَلَ بِهِمَا)) وَتَوَهَّمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ بَدَأَ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ وَهَذِهِ كُلُّهَا ظُنُونٌ وَفِي قَوْلِهِ ((بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ)) مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ لِمَنِ امْتَثَلَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ ((فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ)) وَهُوَ كَلَامٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ فَأَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ وَالْوَاوُ لَا تُوجِبُ رُتْبَةً وَلَا تَعْقِيبًا وَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ التَّأْوِيلَ كَانَ قَوْلُهُ ((بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ)) يُوَضِّحُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ يَبْدَأُ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ أَنَّهَا وَصَفَتْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ ((وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ وَبِأُذُنَيْهِ ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا)) وَقَدْ ذَكَرْنَا عِلَّةَ إِسْنَادِهِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ عَمَّ رَأَسَهُ بِالْمَسْحِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَأَتَى بِأَكْمَلِ شَيْءٍ فِيهِ وَسَوَاءٌ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ بِوَسَطِهِ أَوْ بِمُؤَخَّرِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْ مَا اسْتُحِبَّ مِنْهُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ فَقَالَ مَالِكٌ الْفَرْضُ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ كَانَ كَمَنْ تَرَكَ غَسْلَ شَيْءٍ مِنْ وَجْهِهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مذهب مالك وهو مذهب بن علية قال بن عُلَيَّةَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ كَمَا أَمَرَ بِمَسْحِ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَأَمَرَ بِغَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَسْلُ بَعْضِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا مَسْحُ بَعْضِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّأْسَ يُمْسَحُ كُلُّهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ مَسْحَ بَعْضِهِ سُنَّةٌ وَبَعْضِهِ فَرِيضَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَسْحَهُ كُلَّهُ فَرِيضَةٌ وَاحْتَجَّ إِسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى وُجُوبِ الْعُمُومِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الْحَجِّ 29 وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ بِبَعْضِهِ فَكَذَلِكَ مَسْحُ الرَّأْسِ وَالْمَعْنَى في قوله (وامسحوا برؤوسكم) أَيْ امْسَحُوا رُؤُوسَكُمْ وَمَنْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ فَلَمْ يَمْسَحْ رَأْسَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ قال اختلف متأخروا أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَمْسَحَ كُلَّ الرَّأْسِ أَوْ أَكْثَرَهُ وَإِذَا مَسَحَ أَكْثَرَهُ أَجْزَأَهُ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ إِذَا مَسَحَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا أَجْزَأَهُ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي وَأَوْلَاهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثُّلُثَ فَمَا فَوْقَهُ قَدْ جَعَلَهُ مَالِكٌ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ وَمَذْهَبِهِ وَزَعَمَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجُ عَنْهُمْ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ الْمَمْسُوحَ مِنَ الرَّأْسِ إِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ الْأَقَلَّ جَازَ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الثُّلُثَ عِنْدَهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَالْأَبْهَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كِلَاهُمَا خَارِجٌ عَنْ أُصُولِ مَالِكٍ فِي الثُّلُثِ فَمَرَّةً يَجْعَلُهُ حَدًّا فِي الْيَسِيرِ وَمَرَّةً فِي الْكَثِيرِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ الْفَرْضُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَقَالَ احْتَمَلَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَامْسَحُوا برؤوسكم) مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ وَمَسْحَ جَمِيعِهِ فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ يُجْزِئَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ فَإِنْ قِيلَ مَسْحُ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ غَسْلِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَسْحِ عَلَى جَمِيعِ مَوْضِعِ الْغُسْلِ مِنْهُ وَمَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنِهِمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ السُّنَّةُ الَّتِي ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ يُجْزِئُ هِيَ مَسْحُهُ بِنَاصِيَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّاصِيَةُ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَقَطْ جَاءَ ذَلِكَ فِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْرَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَقَالَ ((مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاصِيَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَقَدْ رَوَى بَكْرُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ بن الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلَهُ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلُهُ ذَكَرَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ ذَكَرْتُهُمَا بِإِسْنَادِهِمَا فِي التَّمْهِيدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ مَسَحَ الْمُتَوَضِّئُ بَعْضَ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَيَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ دَاوُدَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ وَاجِبٌ فَرْضًا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَسْحُ لَيْسَ شَأْنُهُ الِاسْتِيعَابَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَالْبَعْضُ يُجْزِئُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَيُمْسَحُ الْمُقَدَّمُ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَحْمَدَ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّ مَسْحَ جميع الرأس أحب إليهم وكان بن عمر وسلمة بن الأكوع يمسحان مقدم رؤوسهما وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ إِجَازَةُ مَسْحِ بَعْضِ الرأس ذكر ذلك عنه بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ بَعْضَهُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فِيمَا زَادَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ مَسَحَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ إِنْ مَسَحَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ مَسَحَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الرَّأْسَ يُجْزِئُ مَسْحُهُ إِلَّا بِمَاءٍ جَدِيدٍ يَأْخُذُهُ لَهُ الْمُتَوَضِّئُ كَمَا يَأْخُذُهُ لِسَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا فَضَلَ مِنَ الْبَلَلِ فِي يَدَيْهِ مِنْ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التابعين يجزئه وذكر بن حبيب عن بن الماجشون أنه قال إذا نفذ الْمَاءُ عَنْهُ مَسَحَ رَأَسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ وَاخْتَارَهُ بن حَبِيبٍ وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ فِي مَسْحِ رَأْسِهَا كَالرَّجُلِ سَوَاءٌ كُلٌّ مِمَّا أَصْلُهُ وَأَمَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا ((ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ)) وَلَمْ يَجُرْ وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إِذْ وَصَفَا وُضُوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمَا ((ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا)) وَفِي بَعْضِهَا ((ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا)) وَفِي بَعْضِهَا ((ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ)) فَقَطْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ غَسْلَةً وَاحِدَةً فِي الرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تُجْزِئُ إِذَا كَانَتْ سَابِغَةً وَإِذَا أَجْزَأَتِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ فَأَحْرَى أَنْ تُجْزِئَ فِي الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَمْسُوحَتَانِ وَهُمَا فِي التَّيَمُّمِ مَعَ الرَّأْسِ يَسْقُطَانِ وَالْقَوْلُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي دُخُولِ الْكَعْبَيْنِ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ كَهُوَ فِي الْمِرْفَقَيْنِ مَعَ الذِّرَاعَيْنِ كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ وَسَنُبَيِّنُ مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)) إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَأْتِي ذِكْرُ الْأُذُنَيْنِ وَحُكْمِهِمَا فِي بَابِهِمَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ |