مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ (...) |
مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا)) فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ قَالَ ((بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ وَأَنَا فَرَطُهُمْ (2) عَلَى الْحَوْضِ)) فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ ((أَرَأَيْتَ (3) لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفَ خَيْلَهُ)) قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ ((فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا (8) مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَلَا يُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ! أَلَا هَلُمَّ! أَلَا هَلُمَّ! فَيُقَالُ إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بِعْدَكَ فَأَقُولُ فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا)) فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ إِبَاحَةُ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَقَابِرِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَهَذَا مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لِلرِّجَالِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لِلنِّسَاءِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَزَارَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْرَ أُمِّهِ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي أَلْفِ مُقَنَّعٍ وَزَارَتْ عَائِشَةُ قَبْرَ أَخِيهَا عبد الرحمن وزار بن عُمَرَ قَبْرَ أَخِيهِ عَاصِمٍ وَلَا خِلَافَ فِي إِبَاحَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ وَكَرَاهِيَتِهَا لِلنِّسَاءِ وَاحْتَجَّ بحديث بن عَبَّاسٍ قَالَ ((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوارات القبور والمتخذين عليهما الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ)) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِأَسَانِيدِهَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) عِنْدَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ)) وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَكَشْفُ مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)) فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَى الْقُبُورِ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ غَفَرَ اللَّهُ الْعَظِيمُ لَنَا وَلَكُمْ)) وَفِي بَعْضِهَا ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَإِنَّا بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أُجُورَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ)) وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَقَدْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقِيعَ فَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْتَى وَدَعَا لَهُمْ وَقَالَ صَخْرُ بْنُ أَبِي سُمَيَّةَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَهْ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ وَاسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْقُبُورِ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ كَانَ كَمَنْ شَهِدَ جَنَائِزَهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ خَرَجَتْ مِنَ الدُّنْيَا وَهِيَ بِكَ مُؤْمِنَةٌ فَأَدْخِلْ عَلَيْهَا رَوْحًا مِنْكَ وَسَلَامًا مِنِّي - كُتِبَ لَهُ بِعَدَدِهِمْ حَسَنَاتٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَأَظُنُّ قَوْلَهُ وَسَلَامًا مِنِّي مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)) وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ! أَخْبِرُونَا عَنَّا بِخَبَرِكُمْ أَمَّا خَبَرُكُمْ قِبَلَنَا فَالنِّسَاءُ قَدْ تَزَوَّجْنَ وَالْمَالُ قَدْ قُسِّمَ وَالْمَسَاكِنُ قَدْ سَكَنَهَا قَوْمٌ غَيْرُكُمْ ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا لَمْ نَرَ زَادًا خَيْرًا مِنَ التَّقْوَى وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ أَخْبَارُ مَا عِنْدَنَا أَنَّ نِسَاءَكُمْ قَدْ تَزَوَّجْنَ وَدُورَكُمْ قَدْ سُكِنَتْ وَأَمْوَالَكُمْ قَدْ قُسِّمَتْ فَأَجَابَهُ هَاتِفٌ يَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ! أَخْبَارُ مَا عِنْدَنَا أَنَّ مَا قَدَّمْنَا وَجَدْنَا وَمَا أَنْفَقْنَا فَقَدْ رَبِحْنَا وَمَا خَلَّفْنَا فَقَدْ خَسِرْنَاهُ وَهَذَا مِنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِبَارِ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَالَ أَمْلَتْ عَلَيْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الرَّيَّانِ الْمُسْتَمْلِيِّ فِي دَارِهَا بِمِصْرَ في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة قَالَتْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ)) أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أبي عثمان النهدي عن ميناء أَوْ عَنْ مِينَاسَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَجُلٌ فِي يَوْمٍ فِيهِ دِفْءٌ فَأَتَى الْجَبَّانَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى قَبْرًا فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ فَسَمِعَ صَوْتًا ارْتَفِعْ عَنِّي لَا تُؤْذِينِي أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَنَحْنُ نَعْلَمُ وَلَا نَعْمَلُ لَأَنْ تَكُونَ لِي مِثْلُ رَكْعَتَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَرُوِّينَا عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا بِالْمَقَابِرِ إِذَا أَنَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ مِنْ وَرَائِي يَقُولُ يَا ثَابِتُ لَا يَغُرَّنَّكَ سُكُوتُهَا فَكَمْ مِنْ مَغْمُومٍ فِيهَا وَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أحدا وروى بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ أَلَا تُسَلِّمُونَ عَلَى الشُّهَدَاءِ فَيَرُدُّونَ عَلَيْكُمْ وَرَوَى يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ دَخْلَ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَمُوتُ فَقَالَ أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ عني السلام وروى بن وَهْبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي خَالَتِي وَكَانَتْ مِنَ الْعَوَابِدِ وَكَانَتْ كَثِيرًا مَا تَرْكَبُ إِلَى الشُّهَدَاءِ قَالَتْ صَلَّيْتُ يَوْمًا عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمَّا قُمْتُ قُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَدَّ السَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ أَعْرِفُهُ كَمَا أَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَنِي وَمَا فِي الْوَادِي دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ قَالَتْ فَاقْشَعَرَّتْ لَهُ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنِّي وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَخْبَارِ كَثِيرٌ جِدًّا وَلَيْسَ كِتَابُنَا هَذَا مَوْضِعًا لِإِيرَادِهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى الْمُرَادِ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِهَا وَالْفِكْرَةِ فِي الْمَصِيرِ إِلَيْهَا وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي السَّلَامِ عَلَى الْقُبُورِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ عَلَى أبنية القبور وكان بن وَضَّاحٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا وَيَحْتَجُّ بِحِكَايَاتٍ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ)) فَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَرْدُودٌ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَيْ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ فِي حَالِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ لَا يَأْمَنُهَا مُؤْمِنٌ وَعَاقِلٌ أَلَا تَرَى قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) إِبْرَاهِيمَ 35 وَقَوْلُ يُوسُفَ (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يُوسُفَ 101 وَكَذَلِكَ كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْوَاجِبَاتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّكِّ وَلَكِنَّهَا لُغَةٌ لِلْعَرَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) الْفَتْحِ 27 وَالشَّكُّ لَا سَبِيلَ إِلَى إِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عَلَّامِ الْغُيُوبِ وَقَوْلُهُ ((وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا)) فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ كُلُّهُمْ إِخْوَةٌ فِي دِينِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الْحُجُرَاتِ 10 وَقَدْ قُرِئَتْ (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وَ (بَيْنَ إِخْوَانِكُمْ) فَأَمَّا الْأَصْحَابُ فَمَنْ صَحِبَكَ وَصَحِبْتَهُ وَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى الشَّيْخُ صَاحِبًا لِلتِّلْمِيذِ وَالتِّلْمِيذُ صَاحِبًا لِلشَّيْخِ وَالصَّاحِبُ الْقَرِينُ الْمُمَاشِي الْمُصَاحِبُ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَحَابَةٌ وَأَصْحَابٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فَرَوَى أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ مَنْ آمَنَ بِكَ وَلَمْ يَرَكَ وَصَدَّقَكَ وَلَمْ يَرَكَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُولَئِكَ إِخْوَانُنَا أُولَئِكَ مَعَنَا طُوبَى لَهُمْ طُوبَى لَهُمْ)) وَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ((طُوبَى لِمَنْ رَآنِي فَآمَنَ بِي وَطُوبَى سَبْعَ مَرَّاتٍ لِمَنْ لَمْ يَرَنِي وَآمَنَ بِي)) وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ ((أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي)) وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ ((إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلٍ بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَرِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عليه السلام - نحوه ومن حديث بن أَبِي أَوْفَى قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَعَدَ وَجَاءَهُ عُمَرُ ((فَقَالَ يَا عُمَرُ! إِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى إِخْوَانِي قَالَ عُمَرُ أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكِنَّكُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانِي قَوْمٌ آمنوا بي ولم يروني)) وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِجُلَسَائِهِ يَوْمًا أَيُّ النَّاسِ أَعْجَبُ إِيمَانًا قَالُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الْمَلَائِكَةُ قَالَ وَكَيْفَ لَا تُؤْمِنُ الْمَلَائِكَةُ وَالْأَمْرُ فَوْقَهُمْ يَرَوْنَهُ قَالُوا الْأَنْبِيَاءُ قَالَ وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَمْرُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً قَالُوا فَنَحْنُ قَالَ وَكَيْفَ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَرَوْنَ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَعْجَبُ النَّاسِ إِيمَانًا قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي أُولَئِكَ إِخْوَانِي حَقًّا)) وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ ((مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي حُبًّا لِي نَاسٌ يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بما له وَأَهْلِهِ)) كَذَا رَوَاهُ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هريرة وأخرجه مسلم وذكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي حُبًّا لِي قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يعطي أهله وماله ويراني)) وعن بن عُمَرَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ ((أَتَدْرُونَ أَيُّ الْخَلْقِ أَفْضَلُ إِيمَانًا قُلْنَا الْمَلَائِكَةُ قَالَ وَحُقَّ لَهُمْ بَلْ غَيْرُهُمْ قُلْنَا الْأَنْبِيَاءُ قَالَ حُقَّ لَهُمْ بَلْ غَيْرُهُمْ قُلْنَا الشُّهَدَاءُ قَالَ هُمْ كَذَلِكَ وَحُقَّ لَهُمْ بَلْ غَيْرُهُمْ ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ إِيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيَجِدُونَ وَرَقًا فَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ فَهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ إِيمَانًا)) وَرُوِيَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَهُوَ أَصَحُّ أَخْبَرَنَا سُهَيْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِجَازَةً قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُطَيْسٍ حَدَّثْنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ سَوَاءً قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ تَفْسِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) آلِ عِمْرَانَ 101 وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمُعَةَ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا قَالَ قَوْمٌ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ فَيَجِدُونَ كِتَابًا بَيْنَ لَوْحَيْنِ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهِ وَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْتُ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِهِ فَهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ)) فَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ فِي آخِرِ أُمَّتِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ مَنْ صَحِبَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ مَرْزُوقٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي جُمُعَةَ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ قَالَ ((بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ - رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا طَلَعَ رَاكِبَانِ فَلَمَّا رَآهُمَا قَالَ كِنْدِيَّانِ مَذْحِجِيَّانِ حَتَّى أَتَيَاهُ فَإِذَا رَجُلَانِ مِنْ مَذْحِجَ فَدَنَا أَحَدُهُمَا إِلَيْهِ لِيُبَايِعَهُ فَلَمَّا أَخَذَ بِيَدِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ مَنْ رَآكَ فَصَدَّقَكَ وَآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ مَاذَا لَهُ قَالَ طُوبَى لَهُ فَمَسَحَ عَلَى يَدِهِ وَانْصَرَفَ ثُمَّ قَامَ الْآخَرُ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِهِ لِيُبَايِعَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ مَنْ آمَنَ بِكَ وَصَدَقَكَ وَاتَّبَعَكَ وَلَمْ يَرَكَ قَالَ طُوبَى لَهُ طُوبَى لَهُ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى يَدِهِ وَانْصَرَفَ)) وَمِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ وَتَدَلَّيْنَا مِنْهَا فَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَّةٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ قُبُورُ إِخْوَانِنَا فَقَالَ هَذِهِ قُبُورُ أَصْحَابِنَا ثُمَّ مَشَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قُبُورَ الشُّهَدَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ هَذِهِ قُبُورُ إِخْوَانِنَا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلَّهَا وَغَيْرَهَا فِي مَعْنَاهَا فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ وَهِيَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا حِسَانٌ وَرُوَاتُهَا مَعْرُوفُونَ وَلَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي)) لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ فَهَذِهِ أَحْرَى أَلَّا تَكُونَ عَلَى الْعُمُومِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قُبُورِ الشُّهَدَاءِ ((قُبُورُ إِخْوَانِنَا)) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّهَدَاءَ مَعَهُ وَهُوَ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ لَا يُقَاسُ بِهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((أُمَّتِي كَالْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ)) وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ)) وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((لَيْسَ أَحَدٌ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمِّرُ فِي الْإِسْلَامِ لِلتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ)) يُعَارِضُهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) التَّوْبَةِ 100 وَقَوْلُهُ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الْوَاقِعَةِ |