12 الْآيَةَ
ثُمَّ قَالَ و (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) الْوَاقِعَةِ 27 28
الْآيَةَ - مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ
وَتَهْذِيبُ آثَارِ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ ((قَرْنِي)) - عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ فَقَرْنُهُ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - جُمْلَةً خَيْرٌ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي (...)
 
12 الْآيَةَ
ثُمَّ قَالَ و (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) الْوَاقِعَةِ 27 28
الْآيَةَ - مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ
وَتَهْذِيبُ آثَارِ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ ((قَرْنِي)) - عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ فَقَرْنُهُ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - جُمْلَةً خَيْرٌ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي يَلِيهِ
وَأَمَّا عَلَى الْخُصُوصِ وَالتَّفْضِيلِ فَعَلَى مَا قَالَ عُمَرُ فِي قَوْلِهِ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) آلِ
عِمْرَانَ 110 إِنَّمَا كَانُوا كَذَلِكَ بِمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ) فَمَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَحْوَالَ النَّاسِ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ (أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) فَأَصْحَابُ
الْمَيْمَنَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) الْآيَةَ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَهُمْ
أَصْحَابُ الشِّمَالِ (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) الْوَاقِعَةِ 42 وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ) الْآيَةَ الْوَاقِعَةِ 12 فَسَوَّى بَيْنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَبَيْنَ السَّابِقِينَ
وَالَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي قَوْلِهِ ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي)) أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى
الْعُمُومِ وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ بِالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ فِي أَنَّ قَرْنَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِيهِ الْكُفَّارُ
وَالْفُجَّارُ كَمَا كَانَ فِيهِ الْأَخْيَارُ وَالْأَشْرَارُ وَكَانَ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ وَالْفُسَّاقُ وَالزُّنَاةُ وَالسُّرَّاقُ
كَمَا كَانَ فِيهِ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالْفُضَلَاءُ وَالْعُلَمَاءُ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا كُلِّهِ عِنْدَنَا أَنَّ
قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي)) أَيْ خَيْرُ النَّاسِ فِي قَرْنِي كَمَا قَالَ
تَعَالَى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الْبَقَرَةِ 197 أَيْ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ فَيَكُونُ خَيْرُ النَّاسِ
فِي قَرْنِهِ أَهْلُ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَمَنْ شَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ خَيْرُ النَّاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ
عَمَلُهُ)) عَدَّ من سبق له من الله الحسنى وأصحابه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ ((وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ)) فَالْفَرَطُ الْمُتَقَدِّمُ الْمَاشِي مِنْ أَمَامٍ إِلَى الْمَاءِ
هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ بن وَهْبٍ أَنَا فَرَطُهُمْ أَنَا إِمَامُهُمْ وَهُمْ وَرَائِي يَتْبَعُونَنِي
وَاسْتَشْهَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190
(فَأَثَارَ فَارِطَهُمْ غُطَاطًا جُثَّمَا ... أَصْوَاتُهَا كَتَرَاطُنِ الْفُرْسِ)
وَقَالَ الْقَطَّامِيُّ
(فَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا ... كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ)
وَقَالَ لَبِيدٌ
(فَوَرَدْنَا قَبْلَ فُرَّاطِ الْقَطَا ... إِنَّ مِنْ وِرْدِيَ تَغْلِيسَ النَّهَلُ)
قال أبو عمر الفارط ها هنا السَّابِقُ إِلَى الْمَاءِ وَالنَّهَلُ الشَّرْبَةُ الْأُولَى
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَضَعَ ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ
فَقَالَ ((لَوْلَا أَنَّهُ مَوْعِدُ صِدْقٍ وَوَعْدٌ جَامِعٌ وَأَنَّ الْمَاضِيَ فَرَطُ الْبَاقِي)) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرْمَةَ الْقُرَشِيُّ
(ذَهَبَ الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ فَرَطًا ... وَبَقِيتُ كَالْمَغْمُورِ فِي خَلَفِ)
(مِنْ كُلِّ مَطْوِيٍّ عَلَى حَنَقٍ ... مُتَكَلِّفٍ يُكْفَى لَا يَكْفِي)
وَقَالَ غَيْرُهُ
(وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقَاطَا ... لَمْ أَلْقَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا)
(إِلَّا الْقَطَا أَوَابِدًا غِطَاطَا)
الْأَوَابِدُ الطَّيْرُ الَّتِي لَا تَبْرَحُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا مِنْ بُلْدَانِهَا وَالْقَوَاطِعُ الَّتِي تَقْطَعُ مِنْ بَلَدٍ
إِلَى بَلَدٍ فِي زَمَنٍ بَعْدَ زَمَنٍ وَالْأَوَابِدُ أَيْضًا الْإِبِلُ إِذَا تَوَحَّشَ مِنْهَا شَيْءٌ وَالْأَوَابِدُ أَيْضًا
الدَّوَاهِي يُقَالُ مِنْهُ جَاءَ فَلَانٌ بِآبِدَةٍ
وَقَالَ الْخَلِيلُ الْغِطَاطُ طَيْرٌ يُشْبِهُ الْقَطَا
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((أنا فرطكم على الحوض)) جماعة
منهم بن مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَالصُّنَابِحُ بْنُ الْأَعْسَرِ الْأَحْمَسِيُّ وَجُنْدَبٌ وَسَهْلُ بْنُ
سَعْدٍ
وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَلَيُذَادَنَّ)) فَمَعْنَاهُ فَلَيُبْعَدَنَّ وَلَيُطْرَدَنَّ
وَقَالَ زُهَيْرٌ
(وَمَنْ لَا يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلَاحِهِ ... يُهَدَّمْ وَمَنْ لَا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ)
وَقَالَ الرَّاجِزُ
(يَا أَخَوَيَّ نَهْنِهَا وَذُودَا ... إِنِّي أَرَى حَوْضَكُمَا مَوْرُودَا)
وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى ((فَلَا يُذَادَنَّ)) عَلَى النَّهْيِ فقيل إنه قد تابعه على ذلك بن نَافِعٍ
وَمُطَرِّفٌ
وَقَدْ خَرَّجَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مَعْنًى حَسَنًا لِرِوَايَةِ يَحْيَى وَمَنْ تَابَعَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّهْيِ
أَيْ لَا يَفْعَلُ أَحَدٌ فِعْلًا يُطْرَدُ بِهِ عَنْ حَوْضِي
لَكِنَّ قَوْلَهُ ((أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ)) خَبَرٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّسْخُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمِمَّا يُشْبِهُ رِوَايَةَ يَحْيَى وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
قَالَ ((أَنَا فَرَطُكُمْ أَعْلَى الْحَوْضِ مَنْ وَرَدَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا فَلَا يَرِدَنَّ
عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ))
وَهَذَا فِي مَعْنَى رِوَايَةِ يَحْيَى وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي التَّمْهِيدِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ)) فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْأُمَمَ أتباع الأنبياء لا يتوضؤون مِثْلَ وُضُوئِنَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ
الْغُرَّةَ فِي الْوَجْهِ وَالتَّحْجِيلَ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ
هَذَا مَا لَا مَدْفَعَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ مُتَأَوِّلٌ أَنَّ وُضُوءَ سائر الأمم
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192
لَا يُكْسِبُهَا غُرَّةً وَلَا تَحْجِيلًا وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بُورِكَ لَهَا فِي وُضُوئِهَا بِمَا أُعْطِيَتْ مِنْ
ذَلِكَ شَرَفًا لَهَا وَلِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَائِرِ فَضَائِلِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ كَمَا فُضِّلَ نَبِيُّهَا
بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَغَيْرِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَنْبِيَاءُ يتوضؤون فَيَكْتَسِبُونَ بِذَلِكَ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ وَلَا يَتَوَضَّأُ
أَتْبَاعُهُمْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ كَمَا خُصَّ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَشْيَاءَ دُونَ أُمَّتِهِ مِنْهَا نِكَاحُ مَا
فَوْقَ الْأَرْبَعِ وَالْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَالْوِصَالُ وَغَيْرُ ذَلِكَ
فَيَكُونُ مِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ تُشْبِهَ الْأَنْبِيَاءَ كَمَا جَاءَ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
أَنَّهُ قَالَ يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً كُلُّهُمْ كَالْأَنْبِيَاءِ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي فَقَالَ تِلْكَ أَمَةُ أَحْمَدَ فِي حَدِيثٍ
فِيهِ طُولٌ
وَقَدْ رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ أَنَّهُ
رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ النَّاسَ جُمِعُوا لِلْحِسَابِ ثُمَّ دُعِيَ الْأَنْبِيَاءُ مَعَ كُلِّ نَبِيِّ أُمَّتُهُ وَأَنَّهُ
رَأَى لِكُلِّ نَبِيٍّ نُورَيْنِ يَمْشِي بَيْنَهُمَا وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ نُورٌ وَاحِدٌ يَمْشِي بِهِ حَتَّى
دُعِيَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا شَعْرُ رأسه ووجه نُورٌ كُلُّهُ يَرَاهُ كُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ وَإِذَا
لِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ نُورَانِ كَنُورِ الْأَنْبِيَاءِ
فَقَالَ كَعْبٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ أَنَّهَا رُؤْيَا مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا عِلْمُكَ بِهِ فَأَخْبَرَهُ
أَنَّهَا رُؤْيَا فَنَاشَدَهُ كَعْبٌ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ رَأَيْتَ مَا تَقُولُ فِي مَنَامِكَ فَقَالَ
نَعَمْ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فَقَالَ كَعْبٌ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَوْ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا
بِالْحَقِّ إِنَّ هَذِهِ لَصِفَةُ أَحْمَدَ وَأُمَّتِهِ وَصِفَةُ الْأَنْبِيَاءِ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ مَا قَرَأْتُهُ فِي
التَّوْرَاةِ وَإِسْنَادُ هَذَا الْخَبَرِ فِي التَّمْهِيدِ وَقَدْ قيل إن سائر الأمم كانوا يتوضؤون وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
وَهَذَا لَا أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ((هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ
قَبْلِي)) فَلَمْ يَأْتِ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ يَدُورُ عَلَى زَيْدِ بْنِ
الْحَوَارِيِّ الْعَمِّيِّ وَالِدِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ انْفَرَدَ بِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا عِنْدَ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضًا فَمَرَّةً يَجْعَلُهُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمَرَّةً يَجْعَلُهُ مِنْ
حَدِيثِ بن عُمَرَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ فِي التَّمْهِيدِ
وَهُوَ أَيْضًا مُنْكَرٌ لِأَنَّ فِيهِ لَمَّا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ ((هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ خَلِيلِ اللَّهِ
إِبْرَاهِيمَ وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193
وَقَدْ تَوَضَّأَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمُحَالٌ أَنْ يُقَصِّرَ عَنْ ثَلَاثٍ لَوْ
كَانَتْ وُضُوءَ إِبْرَاهِيمَ وَالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
غُرٌّ مِنَ السُّجُودِ وَمُحَجَّلُونَ مِنَ الْوُضُوءِ))
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((تردون علي غرا
محجلين من الوضوء سيمى أُمَّتِي لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهَا))
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّهُ
أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ فِي السُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ فَأَنْظُرُ بَيْنَ
يَدَيَّ فَأَعْرِفُ أُمَّتِي بَيْنَ الْأُمَمِ وَأَنْظُرُ عَنْ يَمِينِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي بَيْنَ الْأُمَمِ وَأَنْظُرُ عَنْ
شَمَالِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي بَيْنَ الْأُمَمِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ
الْأُمَمِ مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ قَالَ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَلَا يَكُونُ مِنَ الْأُمَمِ
كَذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ))
وَمِنْ حديث بن مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ تَرَ مِنْ أُمَّتِكَ
قَالَ ((غُرٌّ مُحَجَّلُونَ بُلْقٌ مِنَ الْوُضُوءِ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي التَّمْهِيدِ
وَكُلُّهَا تَدَلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ مِنْ
سَائِرِ الْأُمَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَسُحْقًا)) فَمَعْنَاهُ فَبُعْدًا وَالسُّحْقُ وَالْبُعْدُ وَالْإِسْحَاقُ وَالْإِبْعَادُ وَالتَّسْحِيقُ
وَالتَّبْعِيدُ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ النَّأْيُ وَالْبُعْدُ لَفْظَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ إِلَّا أَنَّ سُحْقًا وَبُعْدًا هَكَذَا إِنَّمَا
يَجِيءُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ كَمَا نَقُولُ أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ وَسَحَقَهُ اللَّهُ وَمَحَقَهُ
اللَّهُ أَيْضًا
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى (فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) الْحَجِّ 31 يَعْنِي مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194
وَكُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَلَمْ يَأْذَنْ بِهِ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ
الْحَوْضِ وَالْمُبْعَدِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَشَدُّهُمْ طَرْدًا مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَفَارَقَ سَبِيلَهُمْ مِثْلُ الْخَوَارِجِ عَلَى اخْتِلَافِ
فِرَقِهَا وَالرَّوَافِضِ عَلَى تَبَايُنِ ضَلَالِهَا وَالْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَصْنَافِ أَهْوَائِهَا وَجَمِيعِ أَهْلِ
الزَّيْغِ وَالْبِدَعِ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُبَدِّلُونَ
وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَتَطْمِيسِ الْحَقِّ وَقَتْلِ أَهْلِهِ وَإِذْلَالِهِمْ كُلُّهُمْ
مُبَدِّلٌ يَظْهَرُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ تَغْيِيرِ سُنَنِ الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ فالناس على دين الملوك
ورحم الله بن الْمُبَارَكِ فَإِنَّهُ الْقَائِلُ
(وَهَلْ بَدَّلَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا)
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلَحَا صَلُحَ
النَّاسُ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ))
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ اللَّهَ فَأَخْطَأَ أَقَلُّ فَسَادًا مِمَّا جَاهَرَ بِتَرْكِ
الْحَقِّ الْمُعْلِنِينَ بِالْكَبَائِرِ الْمُسْتَخِفِّينَ بِهَا
كُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا عُنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ
وقد قال بن الْقَاسِمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَنْ هُوَ شَرُّ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ
وَصَدَقَ بن الْقَاسِمِ
وَلَا يُعْتَبَرُ أَعْظَمُ مِمَّا وَصَفْنَا عَنْ أَئِمَّةِ الْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ إِلَّا كَافِرٌ
جَاحِدٌ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَيَغْفِرُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ
مَنْ يَشَاءُ وَلَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ