مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ
بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى
فِي هَذَا الْبَابِ وُجُوهٌ مِنَ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ
بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى
فِي هَذَا الْبَابِ وُجُوهٌ مِنَ الْفِقْهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا
مِنْهَا الرُّعَافُ هَلْ هُوَ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ أَمْ لَا
وَمِنْهَا بِنَاءُ الرَّاعِفِ عَلَى مَا قَدْ صَلَّى
وَمِنْهَا بِنَاءُ الْمُحْدِثِ أَيَّ حَدَثٍ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِالْمُصَلِّي بَعْدَ أَنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ
فَانْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ هَلْ يَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى أَمْ لَا
وَنَحْنُ نُورِدُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا فِي ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ مُخْتَصَرًا كَافِيًا بعون الله
فأول ذلك قوله عن بن عُمَرَ ((إِنَّهُ لَمَّا رَعَفَ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ)) حَمَلَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى
أَنَّهُ غَسَلَ الدَّمَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَبَنَى عَلَى مَا صَلَّى
قَالُوا وَغَسْلُ الدَّمِ يُسَمَّى وُضُوءًا لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ
قَالُوا فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لمن ادعى على بن عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فِي دَعْوَاهُ
ذَلِكَ - حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِهِ الْوَجْهَيْنِ
وَكَذَلِكَ تَأَوَّلُوا حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَعَفَ
فَمَسَحَهُ بِصُوفَةٍ ثُمَّ صَلَّى ولم يتوضأ
قالوا ويوضح ذلك فعل بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ غَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ وَصَلَّى
وَحَمْلُ أَفْعَالِهِمْ عَلَى الِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ أَوْلَى
وَخَالَفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ فَقَالُوا إِنَّ الْوُضُوءَ إِذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِغَسْلِ دَمٍ
وَغَيْرِهِ فَهُوَ الْوُضُوءُ الْمَعْلُومُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ
مَعَ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ مَذْهَبِ بن عُمَرَ وَمَذْهَبِ أَبِيهِ عُمَرَ إِيجَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعَافِ
وَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمَا حَدَثًا مِنَ الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ لِلْوُضُوءِ إِذَا كَانَ الرُّعَافُ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228
ظَاهِرًا سَائِلًا وَكَذَلِكَ كُلُّ دَمٍ سَالَ مِنَ الجسد وظهر
فذكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا بن أبي ليلى عن نافع عن بن عُمَرَ
قَالَ مَنْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ
تَكَلَّمَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ ((إِذَا رَعَفَ
الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَوْ وَجَدَ مَذْيًا فَإِنَّهُ ينصرف فيتوضأ))
ثم عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ مَنْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَرْجِعْ
فَيُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ الرُّعَافُ وَالْقَيْءُ سَوَاءٌ يُتَوَضَّأُ مِنْهُمَا وَيَبْنِي مَا لم تتكلم
وذكر عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ يَقُولُ إِنْ رَعَفْتَ فِي الصَّلَاةِ فَاسْدُدْ مَنْخَرَيْكَ وَصَلِّ كَمَا أَنْتَ فَإِنْ خَرَجَ مِنَ
الدَّمِ شَيْءٌ فَتَوَضَّأْ وَأَتِمَّ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ
قَالَ أبو عمر ذكر بن عُمَرَ لِلْمَذْيِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى أَنَّ فِيهِ الْوُضُوءَ مَعَ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ
يُوَضِّحُ مَذْهَبَهُ فِيمَا ذَكَرْنَا
وروي مثل ذلك عن علي وبن مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ كُلُّهُمْ يَرَى الرُّعَافَ
وَكُلَّ دَمٍ سَائِلٍ مِنَ الْجَسَدِ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي الرُّعَافِ وَالْفَصَادَةِ وَالْحِجَامَةِ وَكُلِّ نَجِسٍ خَارِجٍ مِنَ
الْجَسَدِ يَرَوْنَهُ حَدَثًا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُوجِبُهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ
فَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَسِيرًا غَيْرَ سَائِلٍ وَلَا خَارِجٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَلَا
أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ إِلَّا مُجَاهِدًا وَحْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدِ احْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ
فَفَتَلَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
قَالَ أَبُو عمر قد ذكرنا الخبر عن بن عمر وعن بن أَبِي أَوْفَى بِالْإِسْنَادِ عَنْهُمَا فِي
((التَّمْهِيدِ))
وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الدَّمِ الْيَسِيرِ الْخَارِجِ مِنَ
الْأَنْفِ إِذَا غَلَبَهُ بِالْفَتْلِ حَتَّى لَا يَقْطُرَ وَلَا يَسِيلَ - نَحْوُ ذَلِكَ
وَمَعْلُومٌ مِنْ مَذْهَبِ سَالِمٍ أَنَّهُ كَمَذْهَبِ أَبِيهِ فِي الرُّعَافِ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229
وذكر بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ سَالِمَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ثُمَّ رَعَفَ فَخَرَجَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَبَنَى عَلَى
مَا صَلَّى
وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الدَّمَ السَّائِلَ مِنَ الْجَسَدِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَا عِنْدَهُمْ لَهُ إِسْنَادٌ تَجِبُ بِهِ حُجَّةٌ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ ((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ
بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَتَوَضَّئِي
لِكُلِّ صَلَاةٍ))
قَالُوا فَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْوُضُوءَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ دَمِ الْعِرْقِ وَالسَّائِلِ
فَكَذَلِكَ كَلُّ دَمٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ لَفْظٌ قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ رُوَاةُ ذَلِكَ
الْحَدِيثِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ وَلَا قَيْءٍ
وَلَا قَيْحٍ وَلَا دَمٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ وَلَا يُتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ
أَوْ نَوْمٍ
هَذَا قَوْلُهُ فِي مُوَطَّئِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ
وَكَذَلِكَ الدَّمُ عِنْدَهُ يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ لَا وُضُوءَ فِيهِ
وَلَا وُضُوءَ عِنْدَهُ إِلَّا فِي الْمُعْتَادَاتِ مِنَ الْخَارِجِ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي
بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُدُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَسَائِرِ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ
مِنَ الْجَسَدِ كَقَوْلِ مَالِكٍ سَوَاءً إِلَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ
حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ مَاءً أَوْ حَصَاةً أَوْ دُودًا أَوْ بَوْلًا أَوْ رَجِيعًا عَلَى
مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ مَذْهَبِهِ فِي مَوْضِعِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ
وَمِنْ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ دَمَ الْعِرْقِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِنَّمَا وَجَبَ فِيهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230
خَرَجَ مِنَ الْمَخْرَجِ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ سَبِيلِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ قَالَ وَلَا
يَجُوزُ قِيَاسُ سَائِرِ الْجَسَدِ عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَخْصُوصَانِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ
وَبِأَنَّهُمَا سَبِيلَا الْأَحْدَاثِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا لَيْسَ سَائِرُ الْجَسَدِ يُشْبِهُهُمَا
وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى فِي الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجَيْنِ وُضُوءًا طَاوُسٌ وَيَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الزِّنَادِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَا أَعْلَمُ عَلَى الرَّاعِفِ وُضُوءًا
قَالَ وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ
وَالْحُجَّةُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ إِنَّ الْوُضُوءَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ
بِنَقْضِهِ إِلَّا بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَا مُعَارِضَ لِمِثْلِهَا أَوْ بِالْإِجْمَاعِ مِنَ الْأُمَّةِ وَذَلِكَ
مَعْدُومٌ فِيمَا وَصَفْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا بِنَاءُ الرَّاعِفِ عَلَى مَا قَدْ صَلَّى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فقد ثبت ذلك عن عمر وعلي وبن
عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا الْمِسْوَرَ
بْنَ مَخْرَمَةَ وَحْدَهُ
وَرُوِيَ أَيْضًا الْبِنَاءُ لِلرَّاعِفِ عَلَى مَا صَلَّى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ عَنْ جَمَاعَةِ التَّابِعِينَ بِالْحِجَازِ
وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَإِنَّهُ ذَهَبَ فِي
ذَلِكَ مَذْهَب الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَبْنِي مَنِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ فِي الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ
وَهُوَ أَحَدُ قولي الشافعي واستحب ذلك إبراهيم النخعي وبن سيرين
ذكر بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِذَا اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ
اسْتَقْبَلَ وَإِنِ الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ مَضَى فِي صَلَاتِهِ
قَالَ وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي الرُّعَافِ إِذَا
اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ
قَالَ بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عن بن سِيرِينَ قَالَ أَجْمَعُوا عَلَى
أَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ اسْتَأْنَفَ
قَالَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَسْتَأْنِفَ
وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ مِنْهَا رَكْعَةً تَامَّةً بِسَجْدَتَيْهَا فَإِنَّهُ
يَنْصَرِفُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَرْجِعُ فَيَبْتَدِئُ الْإِقَامَةَ وَالتَّكْبِيرَ وَالْقِرَاءَةَ
وَمَنْ أَصَابَهُ الرُّعَافَ فِي وَسَطِ صَلَاتِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْهَا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا
انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ وَبَنَى عَلَى مَا صَلَّى حَيْثُ شَاءَ إِلَّا الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّهَا إِلَّا
فِي الْجَامِعِ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231
قَالَ مَالِكٌ وَلَوْلَا خِلَافُ مَنْ مَضَى لَكَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ لِلرَّاعِفِ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ
مِنْ أَوَّلِهَا
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَبْنِي أَحَدٌ فِي الْقَيْءِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَلَا يَبْنِي إِلَّا الرَّاعِفُ
وَحْدَهُ
وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يَبْنِيَ الرَّاعِفُ عَلَى مَا مَضَى
قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الرَّاعِفِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا يَبْنِي وَالْأُخْرَى لَا يَبْنِي
وَأَمَّا الْبِنَاءُ فِي سَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ كُلُّ حَدَثٍ سَبَقَ الْمُصَلِّيَ فِي
صَلَاتِهِ بَوْلًا كان أو غائطا أو رعافا أوريحا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ
صلى
وهو قول بن أَبِي لَيْلَى وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ يَبْنِي فِي كُلِّ حَدَثٍ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَيْسَ
الرُّعَافُ وَلَا الْقَيْءُ عِنْدَهُ حَدَثًا
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الْمِصْرِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ يُعِيدُ مَا أَحْدَثَ فِيهِ وَلَا
يَعْتَدُّ بِهِ
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الرُّعَافِ إِذَا رَعَفَ قَبْلَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ بِسَجْدَتَيْهَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا وَلَمْ
يَبْنِ عَلَيْهَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا كَانَ حَدَثُهُ مِنْ رُعَافٍ أَوْ قَيْءٍ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ مِنْ بَوْلٍ
أَوْ رِيحٍ أَوْ ضَحِكٍ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةٍ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يَبْنِي فِي الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ خَاصَّةً بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَا يَبْنِي فِي سَائِرِ
الْأَحْدَاثِ
وَلَيْسَ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ حَدَثًا عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ حَدَثُهُ مِنْ قَيْءٍ أَوْ رِيحٍ تَوَضَّأَ أَوِ اسْتَقْبَلَ وَإِنْ كَانَ مِنْ
رُعَافٍ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَكَذَلِكَ الدَّمُ كُلُّهُ عِنْدَهُ مِثْلُ الرُّعَافِ
وَقَالَ بن شُبْرُمَةَ مَنْ أَحْدَثَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَإِنْ كَانَ إِمَامًا قَدَّمَ رَجُلًا فَصَلَّى بَقِيَّةَ
صَلَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مَا عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَالْإِمَامُ يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَقْبِلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّاعِفَ إِذَا تَكَلَّمَ لَمْ يَبْنِ فَقَضَى إِجْمَاعُهُمْ
بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ أَحْرَى أَلَّا يَبْنِيَ لِأَنَّ الْحَدَثَ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَالْكَلَامِ فِي مُبَايَنَتِهِ
لِلصَّلَاةِ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ الْكَلَامُ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232
وَهَذَا أَوْضَحُ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ هُدَاهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى الْكُوفِيُّونَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فِيمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ
مِنْ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ قَيْءٍ أَوْ رُعَافٍ أَوْ غَائِطٍ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ
إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ لَا غَيْرُ وَلَا
يَصِحُّ عَنْهُ الْبِنَاءُ إِلَّا فِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ
وَهُوَ قول بن شِهَابٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ بِحَدِيثِ شُعْبَةَ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ((لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً
مِنْ غُلُولٍ وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ))
وَبِحَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))
وَقَدْ نُوزِعُوا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ