قوله : (وحبيب رب العالمين)
 
ش : ثبت له صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المحبة ، وهي الخلة ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً . وقال : ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صاحبكم خليل الرحمن . والحديثان في الصحيح وهما يبطلان قول من قال : الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد ، فإبراهيم خليل الله ومحمد حبيبه . وفي الصحيح أيضاً : إني أبرأ الى كل خليل من خلته . والمحبة قد ثبتت لغيره . قال تعالى : والله يحب المحسنين . فإن الله يحب المتقين . إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين . فبطل قول من خص الخلة بإبراهيم والمحبة بمحمد ، بل الخلة خاصة بهما ، والمحبة عامة . وحديث ابن عباس رضي الله عنهم الذي رواه الترمذي الذي فيه : إن إبراهيم خليل الله ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر - : لم يثبت .
والمحبة مراتب : أولها : العلاقة ، وهي تعلق القلب بالمحبوب . والثانية : الإرادة ، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له . الثالثة : الصبابة ، وهي انصباب القلب إليه بحيث لا يملكه صاحبه ، كانصباب الماء في الحدور . الرابعة : الغرام ، وهي الحب اللازم للقلب ، ومنه الغريم ، لملازمته ، ومنه : إن عذابها كان غراماً . الخامسة : المودة ، والود ، وهي صفو المحبة وخالصها ولبها ، قال تعالى : سيجعل لهم الرحمن وداً . السادسة : الشغف ، وهي وصول المحبة إلى شغاف القلب . السابعة : العشق : وهو الحب المفرط الذي يخاف على صاحبه منه ، ولكن لا يوصف به الرب تعالى ولا العبد في محبة ربه ، وإن كان قد أطلقه بعضهم . واختلف في سبب المنع ، فقيل : عدم التوقيف ، وقيل غير ذلك . ولعل امتناع إطلاقه : أن العشق محبة مع شهوة . الثامنة : التيم ، وهو بمعنى التعبد . التاسعة : التعبد . العاشرة : الخلة ، وهي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه . وقيل في ترتيبها غير ذلك . وهذا الترتيب تقريب حسن ، [لا] يعرف حسنه [إلا] بالتأمل في معانيه .
واعلم أن وصف الله تعالى بالمحبة والخلة هو كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته ، كسائر صفاته تعالى ، وإنما يوصف الله تعالى من هذه الأنواع بالإرادة والود والمحبة والخلة ، حسبما ورد النص .
وقد اختلف في تحديد المحبة على أقوال ، نحو ثلاثين قولاً . ولا تحد المحبة بحد أوضح منها ، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء . وهذه الاشياء الواضحة لا تحتاج الى تحديد ، كالماء والهواء والتراب والجوع ونحو ذلك .