وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ أَنَّهَا قَالَتْ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ (...) |
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ أَنَّهَا قَالَتْ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ (3) ثُمَّ لِتَنَضَحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ)) فَقَوْلُهُ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ غَلَطٌ لِأَنَّ أَصْحَابَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كُلُّهُمْ يَقُولُ فِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ وَهِيَ امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهَا أَبُوهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هِشَامٌ يَرْوِي عَنْهَا هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَلْتَقْرُصْهُ)) يَعْنِي تَعْرُكُهُ وَتَحُتُّهُ وَتُزِيلُهُ بِظُفْرِهَا ثُمَّ تَجْمَعُ عَلَيْهِ أَصَابِعَهَا فَتَغْسِلُ موضعه بالماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَقَوْلُهُ ((وَلْتَنْضَحْهُ)) يُرِيدُ وَلْتَغْسِلْهُ وَالنَّضْحُ الْغَسْلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالنَّضْحِ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مِنَ الثِّيَابِ لِأَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ إِذَا كَانَ مَسْفُوحًا وَمَعْنَى الْمَسْفُوحِ الْجَارِي الْكَثِيرُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ رِجْسٌ نَجِسٌ وَأَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الدَّمِ الَّذِي لَا يَكُونُ جَارِيًا مَسْفُوحًا مُتَجَاوَزٌ عَنْهُ وَلَيْسَ الدَّمُ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ الَّتِي قَلِيلُهَا رِجْسٌ مِثْلُ كَثِيرِهَا وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَنَا يَقُولُونَ مَا أَذْهَبَهُ الْحَكُّ مِنَ الدم فلا يضر وأما أَخْرَجَهُ الْفَتْلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْفِ فَلَا يَضُرُّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَمْ يَكُنْ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَى بِالْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنَ الدَّمِ بَأْسًا فِي الصلاة وتنخم بن أبي أوفى دما في الصلاة وعصر بن عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وذكر بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقْتُلُ الْقَمْلَةَ فِي الصَّلَاةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ دَمًا يَسِيرًا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْآثَارَ بِأَسَانِيدِهَا فِي التَّمْهِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَتْلِ سَالِمٍ لِمَا خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ مِنَ الرُّعَافِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى كِفَايَةٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا مِنَ الثِّيَابِ وَالْبَدَنِ وَأَلَّا يُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي الثِّيَابِ وَأَمَّا الْعَذِرَاتُ وَأَبْوَالُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَقَلِيلُ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ رِجْسٌ وَكَثِيرُهُ رِجْسٌ نَجِسٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ غَسْلُ النَّجَاسَاتِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ غَسْلُهَا فَرْضٌ وَاجِبٌ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَالِمًا كَانَ بِذَلِكَ أَوْ سَاهِيًا عَنْهُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَنْجَاسِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَرْضِ وَالْبَدَنِ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ أَسْمَاءَ فِي غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ مِنَ الثَّوْبِ وَلَمْ تَخُصَّ مِنْهُ مِقْدَارَ دِرْهَمٍ من غيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وَمِنْهَا أَمْرُهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ إِذَا بَالَ فِي حِجْرِهِ وَمِنْهَا أَمْرُهُ بِصَبِّ الذَّنُوبِ مِنَ الْمَاءِ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ إِذْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ)) وَاحْتَجُّوا بِإِجْمَاعِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ وَلَا يُعَدُّ خِلَافُهُمْ خِلَافًا عَلَيْهِمْ - أَنَّ مَنْ صَلَّى عَامِدًا بِالنَّجَاسَةِ يَعْلَمُهَا فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي صَلَّى عَلَيْهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِزَاحَتِهَا وَاجْتِنَابِهَا وَغَسْلِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ وَكَانَتْ كَثِيرَةً أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ بِغَسْلِ النَّجَاسَاتِ وَغَسْلِهَا لَهُ مِنْ ثَوْبِهِ عَلَى أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ فَرْضٌ وَاجِبٌ وَإِذَا كَانَ فَرْضًا غَسْلُهَا لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ غَسْلِهَا عَلَى مَنْ نَسِيَهُ وَصَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يُسْقِطُهَا النِّسْيَانُ كَمَا لَوْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ وُضُوئِهِ أَوْ صَلَاتِهِ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا إِلَّا مَا وَصَفْنَا مِنَ الدَّمِ الْيَسِيرِ نَحْوَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ ولما كَانَ مِثْلَهُ - الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ إِلَّا أَنَّهُمْ رَاعَوْا مَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي الاستنجاء وقد (روي عن بن عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ فَرْضٌ مَأْخُوذٌ) مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر 4 كما قال بن سِيرِينَ وَيَأْتِي ذَلِكَ بَعْدُ احْتِجَاجًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْفَرَجِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ آخَرُونَ غَسْلُ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَيْسَ بِفَرِيضَةٍ قَالُوا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ غسل الثياب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ مِنْ أَنَّهَا طَهَارَةُ الْقَلْبِ وَطَهَارَةُ الْجَيْبِ وَنَزَاهَةُ النَّفْسِ عَنِ الدَّنَايَا وَالْآثَامِ وَالذُّنُوبِ وَذَكَرُوا قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ اقْرَأْ عَلَيَّ آيَةً بِغَسْلِ الثِّيَابِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي شَيْخٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال اقرأ على آية بغسل الثياب قالوا وقول بن سِيرِينَ إِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَطْهِيرَ الثِّيَابِ - شُذُوذٌ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ وَقَدْ أَشْبَعْنَا هَذَا الْمَعْنَى بِأَقَاوِيلِ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي التَّمْهِيدِ بِالْآثَارِ وَالنَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَتَقَصَّيْنَا هُنَاكَ أَقَاوِيلَ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ كَانَتْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ تَيَمَّمَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ تَأَمَّلَهُ هُنَاكَ وَمِنَ الْحُجَّةِ لِمَنْ جَعَلَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ (سُنَّةً) حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ((بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ خَلَعُوا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ فَقَالُوا رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نِعَالَكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا)) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا مِنْ وُجُوهٍ وَذَكَرْنَا هناك بمثل ذلك حديث بن مسعود أيضا ذكره بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَلَعَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَعْلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَخَلَعَ مَنْ خَلْفَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى خَلْعِ نِعَالِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِي إِحْدَاهُمَا قَذَرًا فَإِنَّمَا خَلَعْتُهُمَا لِذَلِكَ فَلَا تَخْلَعُوا نِعَالَكُمْ)) وَلَمَّا بَنَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَا صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ لِذَلِكَ - عَلِمْنَا أَنَّ غَسَلَهَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا فَرْضًا لَمْ تَكُنْ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِهَا جَائِزَةً وَلَمَا تَمَادَى فِي صَلَاتِهِ إِذْ رَآهَا وَعَلِمَهَا فِي نعليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وقد روي عن بن عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ ومجاهد والشعبي والزهري يحيى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي الَّذِي يُصَلِّي بِالثَّوْبِ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَذْهَبُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَحْوَ مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْإِعَادَةَ إِلَّا فِي الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابٌ لِاسْتِدْرَاكِ فَضْلِ السُّنَّةِ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُسْتَدْرَكُ فَضْلُ السُّنَّةِ بَعْدَ الْوَقْتِ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَوَجَدَ قَوْمًا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً بَعْدَ الْوَقْتِ قَدْ فَاتَتْهُمْ تِلْكَ الصَّلَاةُ بِنَوْمٍ أَوْ عُذْرٍ - أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَعَهُمْ وَكُلُّهُمْ يَأْمُرُهُ لَوْ كَانَ فِي الْوَقْتِ - أَنْ يُعِيدَ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ هَذَا مَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْ هَا هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ وَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ وَلَيْسَتْ بِوُجُوبِ فَرْضٍ وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ إِلَّا أَبَا الْفَرَجِ فَإِنَّ غَسْلَهَا عِنْدَهُ فَرْضٌ وَاجِبٌ قَالُوا وَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَحُجَّةُ أَبِي الْفَرَجِ وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَى الْقَوْلِ بِهِ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سيرين عالما أهل البصرة وروي عن بن عَبَّاسٍ مَعْنَى ذَلِكَ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سعيد عن بن جريج عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قَالَ فِي كلام العرب أنقها إنها القلب وقال بن الْمُثَنَّى فِي حَدِيثِهِ أَنْقِ الثِّيَابَ فَالْحُجَّةُ لَهُمْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) وَالثِّيَابُ غَيْرُ الْقُلُوبِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ وَسُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَسْلِ الدِّمَاءِ وَالْأَنْجَاسِ مِنَ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَالنِّعَالِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ التَّمْهِيدِ وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى وَثَوْبُهُ الَّذِي يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ قَدِ امْتَلَأَ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً أَوْ دَمًا وَهُوَ عَامِدٌ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَاتِ فَرْضٌ وَاجِبٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَتُعَادُ مِنْ يَسِيرِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا يَسِيرًا - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ - مَضَى وَفِي الدَّمِ الْكَثِيرِ يَنْزِعُهُ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ فَإِنْ رَآهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَعَادَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الْبَوْلُ وَالرَّجِيعُ وَالْمَذْيُ وَالْمَنِيُّ وَخُرْءُ الطَّيْرِ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِيَفَ يُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ مَنْ صَلَّى وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّجَاسَةِ إِلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يُعِدْ وَمَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ بِالنَّجَاسَةِ أَعَادَ أَبَدًا هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ إِلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ الْمُتَعَمِّدُ عِنْدَهُ أَيْضًا إِلَّا فِي الْوَقْتِ وَقَدْ شَذَّ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنِ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَرُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَلِيلُ الدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَالْخَمْرِ وَكَثِيرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ أَبَدًا وَالْإِعَادَةُ وَاجِبَةٌ لَا يُسْقِطُهَا خُرُوجُ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي دَمِ الْحَيْضِ فَمَرَّةً جَعَلَهُ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عنه ومرة كالبول وهو قول بن وَهْبٍ إِلَّا مَا كَانَ نَحْوَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا يَتَعَافَاهُ النَّاسُ وَيَتَجَاوَزُونَهُ لِقِلَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الثَّوْبَ وَلَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنَّهُمَا يُخَالِفَانِهِ فِي الدَّمِ خَاصَّةً فَلَا يَرَيَانِ غَسْلَهُ حَتَّى يَتَفَاحَشَ وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ إِلَّا أَنَّ الطَّبَرِيَّ قَالَ إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَلَمْ يَحُدَّ أُولَئِكَ حَدًّا وَكُلُّهُمْ يَرْوِي غَسْلَ النَّجَاسَةِ فَرْضًا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ كَقَوْلِ الطَّبَرِيِّ فِي مُرَاعَاةِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنَ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ فَتَجِبُ مِنْهُ الْإِعَادَةُ أَبَدًا وَيَجِبُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ فَرْضًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ رُبْعَ الثَّوْبِ فَمَا دُونَ جَازَتِ الصَّلَاةُ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الدَّمِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَنَحْوِهَا إِنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ الرَّوْثُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الرَّوْثِ حَتَّى يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ حَتَّى يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الِاحْتِجَاجِ لِأَقْوَالِهِمْ فِي نَجَاسَةِ بَوْلِ الْإِبِلِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ زُفَرُ فِي الْبَوْلِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَفِي الدَّمِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فِي الدَّمِ فِي الثَّوْبِ يُعِيدُ إِذَا كَانَ مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ وَكَانَ يَقُولُ إِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ أَعَادَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ الدِّرْهَمِ وَقَالَ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِنْهُ إِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُغْسَلُ الرَّوْثُ وَالدَّمُ وَلَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْبَوْلِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ وَقَالَ فِي الْقَيْءِ يُصِيبُ الثَّوْبَ وَلَا يَعْلَمُ بِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ مَضَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ إِنَّمَا جَاءَتِ الْإِعَادَةُ فِي الرَّجِيعِ وَكَذَلِكَ فِي دَمِ الْحَيْضِ لَا يُعِيدُ وَقَالَ فِي الْبَوْلِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الْبَوْلِ وَالرَّوْثِ وَالدَّمِ وَرَوْثِ الدَّابَّةِ وَدَمِ الْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ يُعِيدُ فَاتَ الْوَقْتُ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَقَالَ فِي يَسِيرِ الدَّمِ فِي الثَّوْبِ لَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ قَالَ وَسَمِعْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ فِي يَسِيرِ الدَّمِ يُصَلَّى بِهِ وَهُوَ فِي الثَّوْبِ - بَأْسًا وَيَرَوْنَ أَنْ تُعَادَ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ مِنَ الدَّمِ الْكَثِيرِ قَالَ وَالْقَيْحُ مِثْلُ الدَّمِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا عَنِ اللَّيْثِ أَصَحُّ مِمَّا تقدم عنه رواه بن وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ هَذَا حَسَنٌ جِدًّا وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَقَاوِيلَ الْفُقَهَاءِ وَالسَّلَفِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 |