مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ
الصَّلَاةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّمَا ذَلِكَ (3) عِرْقٌ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ
الصَّلَاةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّمَا ذَلِكَ (3) عِرْقٌ وَلَيْسَتْ
بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ
وَصَلِّي))
وَلَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي إِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ
قَالَ سُفْيَانُ وَتَفْسِيرُهُ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ مَا تَغْسِلُ الدَّمَ فَقَطْ
وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ بِإِسْنَادِهِ فَجَوَّدَ لَفْظَهُ قَالَ فَإِذَا أَدْبَرَتِ الْحَيْضَةُ
فَاغْسِلِي عَنْكِ أَثَرَ الدَّمِ وَتَوَضَّئِي فَقِيلَ لِحَمَّادٍ فَالْغُسْلُ قَالَ وَمَنْ يَشُكُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ
غُسْلًا وَاحِدًا بَعْدَ الْحَيْضَةِ
وَقَالَ حَمَّادٌ قَالَ أَيُّوبُ أَرَأَيْتَ لَوْ خَرَجَ مَنْ جَنْبِهَا دَمٌ أَتَغْتَسِلُ
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامٍ بِإِسْنَادِهِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي لِطُهْرِكِ
وَقَالَ فِيهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ بِإِسْنَادِهِ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي
قَالَ هِشَامٌ قَالَ أَبِي ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ
وكان بن عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِيهِ عَنْ هِشَامٍ مَرَّةً فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَمَرَّةً قَالَ
اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي وَمَرَّةً قَالَ كَذَا أَوْ كَذَا
وَقَالَ فِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ بِإِسْنَادِهِ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ
وتطهري وصلي
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337
قَالَ حَمَّادٌ قَالَ هِشَامٌ كَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ الْغُسْلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الطُّهْرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ
وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ هَاشِمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِإِسْنَادِهِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ
وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمُتُونَهَا فِي التَّمْهِيدِ وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ عَلَى الزُّهْرِيِّ
فِيهِ فِي قِصَّةِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَاسْتِحَاضَتِهَا
وَكُلُّهُمْ يَقُولُ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة إِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ
وَهَذَا نَصٌّ ثَابِتٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ
وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَتْهُ الْكَافَّةُ كَمَا نَقَلَتْهُ الْآحَادُ الْعُدُولُ وَلَا مُخَالِفَ فِيهِ
إِلَّا طَوَائِفُ مِنَ الْخَوَارِجِ يَرَوْنَ عَلَى الْحَائِضِ الصَّلَاةَ
وَأَمَّا عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَهْلُ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ فَكُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي
وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا إِلَّا أَنَّ مِنَ السَّلَفِ مَنْ كَانَ يَرَى لِلْحَائِضِ وَيَأْمُرُهَا
أَنْ تَتَوَضَّأَ عِنْدَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَتَذْكُرَ اللَّهَ وَتَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ذَاكِرَةً لِلَّهِ جَالِسَةً
وَرَوَى خَالِدٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمَكْحُولٍ قَالَ مَكْحُولٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِ نِسَاءِ
الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ قَالَ مَعْمَرٌ بَلَغَنِي أَنَّ الْحَائِضَ كَانَتْ تُؤْمَرُ بِذَلِكَ عِنْدَ وَقْتِ كل
صلاة
وبن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ أَمْرٌ مَتْرُوكٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ بَلْ يَكْرَهُونَهُ
ذَكَرَ دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ سُئِلَ أَبُو
قِلَابَةَ عَنِ الْحَائِضِ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ أَتَتَوَضَّأُ وَتَذْكُرُ اللَّهَ فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ قَدْ سَأَلْنَا
عَنْهُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا
قَالَ دُحَيْمٌ وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْحَائِضِ أَنَّهَا
إِذَا كَانَ وَقْتُ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ تَوَضَّأَتْ وَاسْتَقْبَلَتِ الْقِبْلَةَ فَذَكَرَتِ اللَّهَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا
رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ قَالَ مَا نَعْرِفُ هَذَا وَلَكِنَّا نَكْرَهُهُ
وَقَالَ مَعْمَرٌ قُلْتُ لِابْنِ طَاوُسٍ أَكَانَ أَبُوكَ يَأْمُرُ الْحَائِضَ عِنْدَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِطُهْرٍ
وَذِكْرٍ قَالَ لَا
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ الْيَوْمَ فِي الْأَمْصَارِ
قَالَ دُحَيْمٌ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338
الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا أَتَقْضِي الْمَرْأَةُ صَلَاةَ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا
قَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كَانَتْ إِحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ تَحِيضُ فَلَا تُؤْمَرُ بِقَضَاءِ
الصَّلَاةِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ سَأَلْتُ
عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ
قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ قَدْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ
وَرَوَى قَتَادَةُ وَأَبُو قِلَابَةَ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ
رَوَاهُ شُعْبَةُ وَسَعِيدٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ قَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ معاذة عن عائشة مثله
وذكر بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ قُلْتُ أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ قَالَ لَا ذَلِكَ بِدْعَةٌ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ قُلْتُ عَمَّنْ
قَالَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ تَجِدُ الْإِسْنَادَ
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ يَأْمُرِ
امْرَأَةً مِنَّا أَنْ تَقْضِيَ الصَّلَاةَ
وَقَالَ دُحَيْمٌ وَحَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَمَا يَأْمُرُ امْرَأَةً مِنَّا بِرَدِّ الصَّلَاةِ
وَقَالَ عَجْلَانُ أَبُو غَالِبٍ سألت بن عَبَّاسٍ عَنِ النُّفَسَاءِ وَالْحَائِضِ هَلْ تَقْضِيَانِ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339
الصَّلَاةَ إِذَا طَهُرَتَا قَالَ هَؤُلَاءِ نِسَاءُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ فَعَلْنَ ذَلِكَ أَمَرْنَا
نِسَاءَنَا بِهِ
وَرُوِّينَا عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَيَكُونَنَّ قَوْمٌ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُكَذِّبُونَ أُولَاهُمْ وَيَلْعَنُونَهُمْ
وَيَقُولُونَ جَلَدُوا فِي الْخَمْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمُوا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ وَمَنَعُوا الْحَائِضَ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ غَالِيَةِ الْخَوَارِجِ عَلَى أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا وَكُلُّهُمْ أَهْلُ
زَيْغٍ وَضَلَالٍ أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا
يَلْزَمُهَا غَيْرُ ذَلِكَ الْغُسْلِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَأْمُرْهَا بِغَيْرِهِ وَلَوْ لَزِمَهَا غَيْرُهُ لَأَمَرَهَا بِهِ
وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ رَأَى عَلَيْهَا الْغُسْلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِقَوْلِ مَنْ رَأَى عَلَيْهَا أَنْ
تَجْمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيِ النَّهَارِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَصَلَاتَيِ اللَّيْلِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَأْمُرْهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ
هَذَا وَلَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ فِي غَيْرِهِ
وَحَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ
يَدْفَعُ الْغُسْلَ الَّذِي وَصَفْنَا
وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِالِاسْتِطْهَارِ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا إِذَا
عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَتَهَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَذَهَبَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَلَمْ يَأْمُرْهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِانْتِظَارِ حَيْضٍ يَجِيءُ أَوْ لَا يَجِيءُ
وَالِاحْتِيَاطُ إِنَّمَا يَجِبُ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ لَا فِي تَرْكِهَا
وَلَا يَخْلُو قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَيْضَةِ إِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ انْقِضَاءَ أَيَّامِ
حَيْضَتِهَا لِمَنْ تَعْرِفُ الْحَيْضَةَ وَأَيَّامَهَا أَوْ يَكُونَ أَرَادَ انْفِصَالَ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ
الِاسْتِحَاضَةِ لِمَنْ تُمَيِّزُهُ فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَقَدْ أَمَرَهَا عِنْدَ ذَهَابِ حَيْضَتِهَا أَنْ تَغْتَسِلَ
وَتُصَلِّيَ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِاسْتِطْهَارٍ
وَقَالَ أَيْضًا مَنْ نَفَى الْاسْتِطْهَارِ السُّنَّةُ تَنْفِي الْاسْتِطْهَارَ لِأَنَّ أَيَّامَ دَمِهَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ
اسْتِحَاضَةً وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَدَعَهَا حَتَّى
تَسْتَيْقِنَ أَنَّهَا حَائِضٌ
وَذَكَرُوا أَنَّ مَالِكًا وَغَيْرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا لَأَنْ تُصَلِّيَ الْمُسْتَحَاضَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ
خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّلَاةِ فَلَا تُتْرَكُ
إِلَّا بِيَقِينٍ لَا بِالشَّكِّ فِيهِ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْاسْتِطْهَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340
السَّلَامُ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا - يَعْنِي الْحَيْضَ - لِأَنَّ قَدْرَ الْحَيْضِ قَدْ يَزِيدُ
مَرَّةً وَيَنْقُصُ أُخْرَى فَلِهَذَا رَأَى مَالِكٌ الِاسْتِطْهَارَ لِأَنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ أَلَّا تُصَلِّيَ حَتَّى
تَسْتَيْقِنَ زَوَالَهُ وَالْأَصْلُ فِي الدَّمِ الظَّاهِرِ مِنَ الرَّحِمِ أَنَّهُ حَيْضٌ
وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنْ يَأْمُرُوا الْمُبْتَدَأَةَ بِالدَّمِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ مَا تَرَى الدَّمَ
وَكَانَ أَقْصَى الْحَيْضِ عِنْدَ مَالِكٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ يَقُولُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَفِي الَّتِي
أَيَّامُهَا مَعْرُوفَةٌ فَيَزِيدُ حَيْضُهَا إِنَّهُمَا تَقْعُدَانِ إِلَى كَمَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذَا زَادَ فَهُوَ
اسْتِحَاضَةٌ ثُمَّ رَجَعَ فِي الَّتِي لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ - أَنْ تَسْتَطْهِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى عَادَتِهَا
مَا لَمْ تُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا احْتِيَاطِيًّا لِلصَّلَاةِ ثُمَّ تَغْتَسِلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُصَلِّيَ
وَكَذَلِكَ تَسْتَطْهِرُ الْمُبْتَدَأَةُ عَلَى أَيَّامِ لَدَاتِهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ
تَغْتَسِلُ أَيْضًا وَتُصَلِّي لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ دَمُ اسْتِحَاضَةِ وَهُوَ عِرْقٌ - كَمَا قَالَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ - لَا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ
وَلَا اسْتِطْهَارَ عِنْدَ مَالِكٍ إِلَّا لِهَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَجَعَلَ الْاسْتِطْهَارَ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَسْتَبِينَ فِيهَا انْفِصَالُ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ
الْمُصَرَّاةِ إِذْ حَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أَيَّامٍ فِي انْفِصَالِ اللَّبَنِ
لَبَنِ التَّصْرِيَةِ مِنَ اللَّبَنِ الطَّارِئِ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ عَنِ ابْنَيْ جَابِرٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ
مُرْشِدٍ الْحَارِثِيَّةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا
النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((اقْعُدِي أَيَّامَكِ الَّتِي كُنْتِ تَقْعُدِينَ ثُمَّ اسْتَطْهِرِي بِثَلَاثٍ ثُمَّ
اغْتَسِلِي وَصَلِّي
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ مُرْشِدٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَذَكَرَ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا
وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَحَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مُجْتَمَعٌ عَلَى طَرْحِهِ لِضَعْفِهِ وَنَكَارَةِ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341
حَدِيثِهِ حَتَّى لَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ حَرَامٌ
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ فَقَالَ لَيْسَ ثِقَةً
وَقَدْ مَضَى اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ هَلْ تَسْتَطْهِرُ أَمْ لَا فِي
صَدْرِ هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِذَا أَدْبَرَتِ الْحَيْضَةُ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ
وَمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ مَا يُفَسِّرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ إِدْبَارِ
الْحَيْضَةِ وَإِقْبَالِ اسْتِحَاضَتِهَا كَمَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ عِنْدَ رُؤْيَةِ طُهْرِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ
طَاهِرٌ وَدَمُهَا دَمُ عِرْقٍ كَدَمِ الْجُرْحِ السَّائِلِ وَالْخُرَّاجِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ طَهَارَةً إِذْ لَا يَمْنَعُ
مِنْ صَلَاةٍ وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي امْرَأَةٍ تَعْرِفُ دَمَ حَيْضَتِهَا مِنْ دَمِ اسْتِحَاضَتِهَا
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا ذِكْرُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ عِنْدَهُ فَلِذَلِكَ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّهُ لَهَا وَلَا يُوجِبُهُ عَلَيْهَا كَمَا لَا يُوجِبُهُ عَلَى مَنْ
سَلِسَ بَوْلُهُ فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ
وَمِمَّنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وَمَالِكٌ مَعَهُمْ
لَا يَرَوْنَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ غُسْلًا غَيْرَ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ إِدْبَارِ حَيْضَتِهَا وَإِقْبَالِ
اسْتِحَاضَتِهَا ثُمَّ تَغْسِلُ عَنْهَا الدَّمَ وَتُصَلِّي وَلَا تَتَوَضَّأُ إِلَّا عِنْدَ الْحَدَثِ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ
قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ
وَكَذَلِكَ الَّتِي تَقْعُدُ أَيَّامَهَا الْمَعْرُوفَةَ ثُمَّ تَسْتَطْهِرُ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ لَا تَسْتَطْهِرُ عِنْدَ غَيْرِهِ
وَتَغْتَسِلُ أَيْضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِهَا وَاسْتِطْهَارِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تُحْدِثَ حَدَثًا
يُوجِبُ الْغُسْلَ أَوِ الْوُضُوءَ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا
عَنْهُمْ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا فِي سَلَسِ الْبَوْلِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِأَحَادِيثَ رَوَوْهَا بِذَلِكَ قَدْ
ذَكَرْنَاهَا فِي التَّمْهِيدِ
قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَّا وَهِيَ فِيهِ شَاكَّةٌ هَلْ هِيَ حَائِضٌ أَوْ طَاهِرٌ
مُسْتَحَاضَةٌ أَوْ هَلْ طَهُرَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِانْقِطَاعِ دَمِ حَيْضَتِهَا أَمْ لَا فَوَاجِبٌ عَلَيْهَا
الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ
قَالُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَابْتَلَاهَا بِأَشَدَّ مِنْ هَذَا
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342
ورووا هذا عن علي وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ