وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ (...) |
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ((لِتَنْظُرَ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَّفَتْ (2) ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّيَ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي إِسْنَادِ أَلْفَاظِهِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَأَدْخَلَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَجُلًا لَمْ يُسَمِّهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ فِيهِ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي اسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ عَنِ اسْتِحَاضَتِهَا هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة عَلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ قَدْرَ إِقْرَائِهَا أَوْ قَدْرَ حَيْضَتِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ بِثَوْبٍ وَصَلَّتْ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَنَذْكُرُهَا هُنَا مَا يُوجِبُ الْقَوْلَ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ هَذَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا حَدِيثٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ هِشَامٍ فِي امْرَأَةٍ عَرَفَتْ إِقْبَالَ حَيْضَتِهَا مِنْ إِدْبَارِهَا فَأَجَابَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ وَحَدِيثُ نَافِعٍ فِي امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ فَزَادَهَا الدَّمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَأَطْبَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ تُمَيِّزْ إِقْبَالَ دَمِ الْحَيْضَةِ مِنْ إِدْبَارِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَإِقْبَالَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَلَمْ تَذْكُرْ لَهَا أَيْضًا اسْتِطْهَارًا وَالْقَوْلُ فِي الِاسْتِطْهَارِ هُنَا كَالْقَوْلِ الَّذِي مَضَى فِي حَدِيثِ هِشَامٍ سَوَاءٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ اثْنَانِ لَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُمَا شَيْءٌ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَالثَّانِي حَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَمَّا الثَّالِثُ الَّذِي فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ فَحَدِيثُ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ فَجَعَلَ أَحْمَدُ حَدِيثَ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ غَيْرَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ مَعَ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّهُمَا حَدِيثَانِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَا يَنْقَطِعُ دَمُهَا وَلَا يَنْفَصِلُ وَلَا تَرَى مِنْهُ طُهْرًا وَقَدْ زَادَهَا - عَلَى ذَلِكَ - عَلَى أَيَّامٍ كَانَتْ لَهَا مَعْرُوفَةً وَتَمَادَى بِهَا فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ هَلْ حُكْمُ ذَلِكَ الدَّمِ كَحُكْمِ دَمِ الْحَيْضِ إِذَا كَانَتْ عِنْدَهَا وَعِنْدَ غَيْرِهَا عَادَةُ دَمِ الْحَيْضِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ فَأَجَابَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهَا إِذَا انْقَضَتْ أَيَّامُهَا أَوْ عَدَدُ أَيَّامِهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَسْتَثْفِرَ وَتُصَلِّيَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلدِّمَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الْأَرْحَامِ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا دَمُ الْحَيْضِ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ مَعَ وُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ لَهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَالثَّانِي دَمُ النِّفَاسِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَحُكْمُهُ فِي الصَّلَاةِ كَحُكْمِ دَمِ الْحَيْضِ بِإِجْمَاعٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِهِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْحَيْضِ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَالدَّمُ الثَّالِثُ دَمٌ لَيْسَ بِعَادَةٍ وَلَا طَبْعٍ لِلنِّسَاءِ وَلَا خِلْقَهٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ انْقَطَعَ وَسَالَ دَمُهُ فَهَذَا حُكْمُهُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يَنُوبُهَا فِيهَا طَاهِرَةٌ وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا يُوقَفُ عَلَى دَمِ الْعِرْقِ مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْحَيْضِ بِإِجْمَاعٍ أَوْ مَا نَقَصَ عَنْهُ بِاخْتِلَافٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَقُولُونَ إِنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَجَائِزٌ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَ وَمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَهُوَ دَمُ الْعِرْقِ الْمُنْقَطِعِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا وَقْتَ لِقَلِيلِ الْحَيْضِ وَلَا لِكَثِيرِهِ إِلَّا مَا يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ وَأَكْثَرُ مَا بَلَغَهُ أَنَّهُ وَجَدَ فِي النِّسَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالدُّفْعَةُ عِنْدَهُ مِنَ الدَّمِ حَيْضٌ تَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّ الدُّفْعَةَ وَمَا كَانَ مِثْلُهَا لَا تُحْسَبُ قُرْءًا في العدة (هذا مذهب) بن القاسم وأكثر المصريين والمدنيين عنه وقال بن الْمَاجِشُونِ عَنْهُ أَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّ الطهر خمسة أيام وهو قول بن الْمَاجِشُونِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا أَقَلُّ الطُّهْرِ فَقَدِ اضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَرَوَى بن الْقَاسِمِ عَنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا أقل الطهر ثمانية أيام وهو قول سجنون وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَإِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَالثَّوْرِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ عِدَّةَ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَجَعَلَ عِدَّةَ مَنْ لَا تَحِيضُ مِنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَكَانَ كُلُّ قُرْءٍ عِوَضًا مِنْ شَهْرٍ وَالشَّهْرُ يَجْمَعُ الطُّهْرَ وَالْحَيْضَ فَإِذَا قَلَّ الْحَيْضُ كَثُرَ الطُّهْرُ وَإِذَا كَثُرَ الْحَيْضُ قَلَّ الطُّهْرُ فَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِيَكْمُلَ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ كَثْرَةِ النِّسَاءِ وَجِبِلَّتِهِنَّ مَعَ دَلَائِلِ الْقُرْآنِ والسنة على ذلك كما ذكرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وقال بن أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَقَلُّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّهْرَ جُعِلَ عِدْلَ كُلِّ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ فِي الْعِدَّةِ وَالْحَيْضُ فِي الْعَادَةِ أَقَلُّ مِنَ الطُّهْرِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ النَّاسَ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَلَمَّا لَمْ تَصِحَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنَ الطُّهْرِ صَحَّتِ الْعَشْرَةُ الْأَيَّامِ وَإِذَا صَحَّتِ الْعَشْرَةُ حَيْضًا كَانَ مَا بَقِيَ طُهْرًا وَهُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ مُجْمَلًا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ فَكَانَ مَالِكٌ لَا يُوَقِّتُ فِي قَلِيلِ الْحَيْضِ وَلَا فِي كَثِيرِهِ وَقَالَ أَقَلُّهُ دَفْقَةٌ مِنْ دَمٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِهَا مِنْ طَلَاقٍ ثُمَّ قَالَ أَكْثَرُهُ الْحَيْضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِيمَا بَلَغَنَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ الشافعي أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يَوْمًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ إِلَى عُرْفِ النِّسَاءِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَزَادَهَا قَضَتْ صَلَاةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِذَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَقْصَى مَا سَمِعْنَا سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكَانَ نِسَاءُ الْمَاجِشُونِ يَحِضْنَ سَبْعَةَ عَشَرَ يوما وبه قال بن نَافِعٍ صَاحِبُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ قَالَ وَعِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ غُدْوَةً وَتَطْهُرُ عَشِيَّةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا نَقَصَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا يُمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا عِنْدَ ظُهُورِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُ مُدَّتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 ثُمَّ عَلَى الْمَرْأَةِ قَضَاءُ صَلَاةِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ إِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ وَاعْتَبَرُوا فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَجَعَلُوا مَا دُونَهَا كَدَمٍ مُتَّصِلٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ خِلَافٍ لَيْسَ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى ذِكْرِهِ فَهَذِهِ أُصُولُهُمْ فَقِفْ عَلَيْهَا فِي مِقْدَارِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ فَلَا غِنَى عَنْهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَيْضَةِ الْمُنْقَطِعَةِ وَفِي الْعِدَّةِ فَمَنْ قَادَ أَصْلُهُ فِيهَا كَانَ أَسْعَدَ بِالصَّوَابِ وَالْمَسْأَلَةُ امْرَأَةٌ حَاضَتْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ طَهُرَتْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَتَمَادَى بِهَا الْأَمْرُ أَيَّامًا فَأَمَّا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا تَجْمَعُ أَيَّامَ الدَّمِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ وَتُلْغِي أَيَّامَ الطُّهْرِ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ تَرَى فِيهِ الطُّهْرَ أَوَّلَ مَا تَرَاهُ وَتُصَلِّي مَا دَامَتْ طَاهِرَةً وَتَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ الدَّمِ وَتُحْصِي ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَ لَهَا مِنَ الدَّمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَعَلِمْنَا أَنَّهَا حَيْضَةٌ انْقَطَعَتْ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ هَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ سَاعَةً أَوْ نَحْوَهَا - أَنَّهُ كَدَمٍ مُتَّصِلٍ فَكَذَلِكَ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَلَيْسَ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ كَالْيَوْمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ محمد بن مسلمة وروى بن الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ عَنْهُ أَنَّهَا تَضُمُّ أَيَّامَ الدَّمِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ فَإِنْ دَامَ ذَلِكَ بِهَا أَيَّامَ عَادَتِهَا اسْتَطْهَرَتْ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى أَيَّامِ حَيْضَتِهَا وَإِنْ رَأَتْ فِي أَيَّامِ الْاسْتِطْهَارِ طُهْرًا أَلْغَتْهُ أَيْضًا حَتَّى تَحْصُلَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنَ الدَّمِ لِلِاسْتِطْهَارِ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَتَكُونُ مَا جَمَعَتْهُ مِنَ الدَّمِ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَلَا تَعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ وَتَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ طُهْرِهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي لَعَلَّ الدَّمَ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِذَا كَانَ طُهْرُهَا يَوْمًا وَحَيْضَتُهَا يَوْمًا فَطُهْرُهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ وَحَيْضَتُهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُ طُهْرَهَا وَحَيْضَهَا فَكَأَنَّهَا قَدْ حاضت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً فَحَالُ الْحَيْضَةِ لَا يَضُرُّهَا وَاجْتِمَاعُ الْأَيَّامِ وَافْتِرَاقُهَا سَوَاءٌ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ مُسْتَحَاضَةً فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِتَلْفِيقِ الطُّهْرِ إِلَى الطُّهْرِ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ وَسَائِرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِنَّمَا يَقُولُونَ بِتَلْفِيقِ الدَّمِ إِلَى الدَّمِ فَقَطْ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ لَيْسَ بِنَكِيرٍ أَنْ تَحِيضَ يَوْمًا وَتَطْهُرَ يَوْمًا وَتَنْقَطِعَ الْحَيْضَةُ عَلَيْهَا كَمَا لَا يُنْكَرُ أَنْ يَتَأَخَّرَ حَيْضُهَا عَنْ وَقْتِهِ لِأَنَّ تَأَخُّرَ بَعْضِهِ عَنِ اتِّصَالِهِ كَتَأَخُّرِهِ كُلِّهِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَتْ عِنْدَنَا بِالْقَلِيلِ حَائِضًا وَلَمْ يَكُنِ الْقَلِيلُ حَيْضَةً لِأَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِأَنْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ حَيْضٍ تَامٍّ وَطُهْرٍ تَامٍّ أَقَلُّهُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَلَوْ أَنَّ قِلَّةَ الدَّمِ تُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ (حَيْضًا لَأُخْرِجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ لِأَنَّ دَمَ الْعِرْقِ هُوَ) اسْتِحَاضَةٌ دُونَ دَمِ الْعِرْقِ الْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى مَا يُعْرَفُ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَاعَى عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا أَصْلَاهُ فِي أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَرَاعَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَأْتِي مِنَ الدَّمِ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ مُضَافًا إِلَى الدَّمِ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ عِرْقًا وَلَا تُتْرَكُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ يُلْزِمُ كُلَّ مَنْ أَصَّلَ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ وَأَقَلِّ الْحَيْضِ أَصْلًا بِعِدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَنْ يَكُونَ مَا خَرَجَ عَنْهَا فِي النقصان والزيادة استحاضة وقد جعل بن مَسْلَمَةَ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا دُونَهُ عِنْدَهُ دَمَ عِرْقٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَأَمَّا مذهب بن الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ فَعَلَى مَا احْتَجَّ لَهُ أَبُو الْفَرَجِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَسِيرَ حَيْضًا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ حَيْضَةً يُعْتَدُّ بِهَا مِنْ طَلَاقٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ يَقُولُ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَقَدِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَالْكَلَامُ فِي الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَمِقْدَارِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ كَثِيرٌ جِدًّا طَوِيلٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَذَاهِبَهُمْ وَأُصُولَ أَقْوَالِهِمْ وَأَضْرَبْنَا عَنِ الِاعْتِلَالِ لَهُمْ بِمَا ذَكَرُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ وَالتَّشْغِيبِ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ وَمِقْدَارَهُ وَالنِّفَاسَ ومدته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 مَأْخُوذٌ أَصْلُهُمَا مِنَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ وَالْآرَاءِ وَالِاجْتِهَادِ فَلِذَلِكَ كَثُرَ بَيْنَهُمْ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَالتَّشْغِيبُ وَفِيمَا لَوَّحْنَا بِهِ مَا يُبَيِّنُ لَكَ الْمُرَادَ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْقَوْلَ وَبَسَطْنَاهُ فِي حُكْمِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَمَهَّدْنَاهُ فِي بَابِ نَافِعٍ وَبَابِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مِنَ التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَقَطُّعِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ فَهِيَ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا نَاقِضَةٌ لِمَا أَصَّلُوهُ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَكْثَرِهِمَا فَتَدَبَّرْهَا تَجِدْهَا كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ آنَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ الدَّمُ فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ المتسحاضة قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ سُئِلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَيُصِيبُ الْمُسْتَحَاضَةَ زَوْجُهَا فَقَالَ إِنَّمَا سَمِعْتُ بِالرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ مَعْمَرٌ وَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ أَيُصِيبُ الْمُسْتَحَاضَةَ زَوْجُهَا قَالَ إِنَّمَا سَمِعْنَا بِالصَّلَاةِ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ لَا تَصُومُ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا تَمَسَّ الْمُصْحَفَ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَبِهِ قال بن عُلَيَّةَ وَذَكَرَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ حُرَيْثٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مثله وهو قول الحكم وبن سِيرِينَ وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْحَيْضَ أَذًى وَأَمَرَ بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ دَمٌ خَارِجٌ مِنَ الْفَرْجِ وَأَجْمَعُوا عَلَى نَجَاسَتِهِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ مِنْهُ فَكُلُّ دَمٍ يَجِبُ غَسْلُهُ وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ - فَحُكْمُهُ حُكْمُ دَمِ الْحَيْضِ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ إِذَا وُجِدَ فِي مَوْضِعِ الْوَطْءِ وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُصْعَبٌ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَكَانَ مِنْ أَعْلَى أَصْحَابِ مَالِكٍ - يَقُولُ قَوْلُنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ - إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا - أَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ ذَلِكَ انْتِقَالٌ مِنْ دَمِ حَيْضِهَا إِلَى أَيَّامٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 أَكْثَرَ مِنْهَا أَمْ ذَلِكَ اسْتِحَاضَةٌ فَنَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا انْتَقَلَتْ مِنْ أَيَّامٍ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا - عَمِلَتْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ عَلَى الْأَيَّامِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهَا وَلَمْ يَضُرَّهَا مَا كَانَتِ احْتَاطَتْ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ الَّذِي اسْتَمَرَّ بِهَا اسْتِحَاضَةً كَانَتْ قَدِ احْتَاطَتْ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ هَذَا قَوْلُنَا وَبِهِ نَقْضِي وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إِجَازَةُ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ - عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يَطَأَهَا إلا أن يطول ذلك وذكر بن المبارك عن الأجلح عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُجَامِعَهَا زَوْجُهَا وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ شَرُوسٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ وَإِنْ سَالَ الدَّمُ عَلَى عَقِبَيْهَا وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُمَيٍّ عن بن الْمُسَيَّبِ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَيُجَامِعُهَا زَوْجُهَا وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَتُجَامِعُ فقال الصلاة أعظم من الجماع وذكر بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ الْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَيَطَؤُهَا زَوْجُهَا قَالَ بن وَهْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ أَمْرُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ دَمُهَا كَثِيرًا وَقَالَ مَالِكٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ)) فَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَيْضَةً فَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يُصِيبَهَا وَهِيَ تُصَلِّي وَتَصُومُ قَالَ أَبُو عُمَرَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَتَعَبَّدُ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 بِعِبَادَةٍ غَيْرِ عِبَادَةِ الْحَيْضِ لِذَلِكَ وَجَبَ أَلَّا يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحَيْضِ إِلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْءٍ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى غَسْلِهِ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ الدَّمُ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي مُدَّةِ دَمِ النِّفَاسِ الْمُمْسِكِ لِلنِّسَاءِ عَنِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ أَقْصَى ذَلِكَ شَهْرَانِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ النِّسَاءُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ أَقْصَى مُدَّةِ النِّفَاسِ شَهْرَانِ سِتُّونَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَجْلِسُ كَامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِسَاءٌ كَأُمَّهَاتِهَا وَأَخَوَاتِهَا فَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَقْصَى مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِذِ بْنِ عُمَرَ وَالْمُزَنِيِّ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَحَابَةٌ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِيهِ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو حنيفة وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَدَاوُدُ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ سَبْعُونَ يَوْمًا وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَكَادُ النِّفَاسُ يُجَاوِزُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنْ جَاوَزَ خَمْسِينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَحَكَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَهْلِ دِمَشْقَ أَنَّ أَجَلَ النِّفَاسِ مِنَ الْغُلَامِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَمِنَ الْجَارِيَةِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلٌ شَاذٌّ أَيْضًا أَنَّ النُّفَسَاءَ تَنْتَظِرُ سَبْعَ لَيَالٍ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ وَأَمَّا أَقَلُّ النِّفَاسِ فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَرَ دَمًا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَلَمْ يَحِدَّ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي أَقَلِّ النِّفَاسِ حَدًّا وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عِشْرِينَ يَوْمًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 قال أبو عمر التحديد في ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ مَوْضِعٌ لِلِاتِّبَاعِ وَالتَّقْلِيدِ إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ جَاءَتْ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا الْخِلَافُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَالنَّفْسُ تَسْكُنُ إِلَيْهِمْ فَأَيْنَ الْمَهْرَبُ عَنْهُمْ دُونَ سُنَّةٍ وَلَا أَصْلٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ |