فَرَوَى مالك عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُهَرْوِلُ إِلَى الصَّلَاةِ وفي إسناده لين وضعف وعن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَرَأْتُ (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ (...) |
فَرَوَى مالك عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ
الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُهَرْوِلُ إِلَى الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وفي إسناده لين وضعف وعن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَرَأْتُ (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الْجُمْعَةِ 9 لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي وَكَانَ يَقْرَأُ (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) وَهِيَ قراءة عمر أيضا وعن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ أَحَقُّ مَا سَعَيْنَا إِلَيْهِ الصَّلَاةُ وَعَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُهَرْوِلُونَ إِلَى الصَّلَاةِ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَنْ خَافَ الْفَوْتَ سَعَى وَمَنْ لَمْ يَخَفْ مَشَى عَلَى هِينَتِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ رَوَى عَنْهُ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَإِنَّا لَنُقَارِبُ بَيْنَ الْخُطَا وَرَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ فَحَبَسَنِي وَعَنْ أَبِي ذَرٍ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَامْشِ إِلَيْهَا كَمَا كُنْتَ تَمْشِي فَصَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ وَهَذِهِ الْآثَارُ مَذْكُورَةٌ بِطُرُقِهَا كُلِّهَا فِي التَّمْهِيدِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا تَرَى عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هذا إلا أن في سماع بن الْقَاسِمِ قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا أُقِيمَتْ قَالَ مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا مَا لَمْ يَسْعَ أَوْ يَخَفْ فَوْتَ الرَّكْعَةِ قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى الْحَرَسِ فَيَسْمَعُ مُؤَذِّنَ الْمَغْرِبِ فِي الْحَرَسِ فَيُحَرِّكُ فَرَسَهُ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِذَا خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْعَى قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا زَجَرَ عَنِ السَّعْيِ مَنْ خَافَ الْفَوْتَ لِقَوْلِهِ ((إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)) وَ ((إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ)) وَقَالَ ((فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا)) فَالْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ الصَّلَاةَ مَنْ خَافَ فَوْتَهَا وَمَنْ لَمْ يَخَفْ بِالْوَقَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَالسَّكِينَةِ وَتَرْكِ السَّعْيِ وَتَقْرِيبِ الْخُطَا لِأَمْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ وَهُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وقد قال بعض أصحابنا إن بن عُمَرَ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَيْئَةِ مِشْيَتِهِ الْمَعْهُودَةِ لَأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ وَيَقُولُ هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الزَّهْوِ وَهَذَا عِنْدِي خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ عَنْهُ لِأَنَّ نَافِعًا مَوْلَاهُ قَدْ عَرَّفَ مَشْيَهُ وَحَالَهُ فِيهِ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَسْرَعَ الْمَشْيَ وَهَذَا بين وقد روى بن عُيَيْنَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قال كان بن عُمَرَ إِذَا مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ لَوْ مَشَتْ مَعَهُ نَمْلَةٌ مَا سَبَقَهَا وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْرَعَ إِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ عَنْهُ فِي حَالٍ لَا يَخَافُ فِيهَا أَنْ يَفُوتَ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَكَانَتْ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ ((وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)) عَلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَ الْمُصَلِّي مَعَ إِمَامِهِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مَنْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((مَا فَاتَكُمْ فأَتِمُّوا)) وَمَنْ قَالَ ((مَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا)) وَهَذَانَ اللَّفْظَانِ تَأَوَّلَهُمَا الْعُلَمَاءُ فِيمَا يُدْرِكُهُ الْمُصَلِّي مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ أَوْ آخِرُهَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهَا فَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ - منهم بن الْقَاسِمِ - أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ قَالَ بن خواز مَنْدَادَ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ وَهُوَ الذي ذكره بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنِ بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ والثوري والحسن بن حي هكذا ذكره بن خواز مَنْدَادَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الَّذِي يَقْضِي أَوَّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 صَلَاتِهِ وَكَذَلِكَ يَقْرَأُ فِيهَا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَصَحُّ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَ مَنْ قَالَ يَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَمَنْ قَالَ يَجْعَلُهُ آخِرَ صَلَاتِهِ أَيُّ شَيْءٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ مِنْ أَجْلِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا يَقْضِي قُلْتُ لَهُ فَحَدِيثُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَيِّ الْقَوْلَيْنِ هُوَ عِنْدَكَ قَالَ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((صَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ)) قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ - أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا كَمَا يَقْرَأُ إِمَامُهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يَقُومُ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَيَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِيمَا يَقْضِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهَكَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْهُمْ إِنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ عَلَى مَا رَوَى أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْقِرَاءَةِ كَقَوْلِ مَالِكٍ سَوَاءً وَكَذَلِكَ صَرَّحَ الْأَوْزَاعِيُّ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَأَظُنُّهُمْ رَاعَوْا الْإِحْرَامَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدُ وَالتَّسْلِيمُ لَا يكون إلا في آخرها فمن ها هنا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَصْنَعُ فِيمَا يَقْضِي مِثْلَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ فِيهِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ أَوَّلُ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِكَ وَآخِرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِكَ إِذَا فَاتَكَ بَعْضُ صَلَاتِكِ وَأُمَّا الْمُزَنِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالُوا مَا أَدْرَكَهُ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ يَقْرَأُ فِيهِ الْحَمْدُ وَسُورَةً إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ وَإِذَا قَامَ إِلَى الْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدَهَا فِيمَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ فَهَؤُلَاءِ اطَّرَدَ عَلَى أَصْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ وَأَمَّا السَّلَفُ قَبْلَهُمْ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مَا أَدْرَكْتَ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِكَ وَلَيْسَتِ الْأَسَانِيدُ عنهم بالقوية في ذلك وعن بن عمر ومجاهد وبن سِيرِينَ مِثْلُ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا أَدْرَكْتَ فَاجْعَلْهُ أَوَّلَ صَلَاتِكَ وَالَّذِي يَجِيءُ عَلَى أُصُولِ هَؤُلَاءِ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ وَإِسْحَاقُ وَلَيْسَ عِنْدِي عَنْهُمْ نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)) قَالُوا وَالتَّمَامُ هُوَ الْآخِرُ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ ((وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا)) قَالُوا فَالَّذِي يَقْضِيهِ هُوَ الْفَائِتُ وَالْحُجَجُ مُتَسَاوِيَةٌ لِكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ إِلَّا أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى ((فَأَتِمُّوا)) أَكْثَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ مَنْ قَالَ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ إِلَّا مَا قَالَ بن أَبِي سَلَمَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَالْمُزَنِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - أَسْقَطَ الْجَهْرَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَسُنَّةَ السُّورَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الْأُولَيَيْنِ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ إِمَامِهِ وَالْإِنْصَاتِ مَعَهُ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ فِي أُولَى لَهُ وَيَقُومُ فِي ثَانِيةٍ وَتَنْتَقِصُ رُتْبَةُ صَلَاتِهِ مَعَهُ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ سَائِرُ ذَلِكَ) أَلَا تَرَى إِلَى إِجْمَاعِهِمْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا كَبَّرَ وَانْحَطَّ وَلَا يُقَالُ لَهُ أَسْقَطْتَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ وَفَرْضَ الْوُقُوفِ لِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ اتِّبَاعِ إِمَامِهِ وَقَدِ احْتَجَّ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ بِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي التَّشَهُّدِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ - بِهَذَا الْحَدِيثِ ((مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا)) أَوْ فَأَتِمُّوا)) قَالُوا وَالَّذِي فَاتَهُ رَكْعَتَانِ لَا أَرْبَعٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا مَا فَاتَهُ وَذَلِكَ رَكْعَتَانِ وَلَعَمْرِي إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُعَارِضُهُ وَيَنْقُضُ تَأْوِيلَ قَوْلِ داود فيه وذلك قوله - عليه - ((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَفِي هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ كَالنَّصِّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ (يُدْرِكْ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَلَمْ يُدْرِكِ الصَّلَاةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ) الْجُمُعَةَ صَلَّى أَرْبَعًا عَلَى أَنَّ دَاوُدَ قَدْ جَعَلَ هَذَا الدَّلِيلَ أَصْلًا لِأَحْكَامٍ يَرُدُّ بِهَا كَثِيرًا مِنَ الْأُصُولِ الْجِسَامِ وَتَرَكَ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ)) فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاشِيَ إِلَى الصَّلَاةِ كَالْمُنْتَظِرِ لَهَا وَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ فِيمَا فِيهِ الْمُصَلِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الْآثَارِ وَهَذَا يَسِيرٌ فِي فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ كَمَا أَنَّهُ مَنْ غَلَبَهُ نَوْمٌ عَلَى صَلَاةٍ كَانَتْ لَهُ عَادَةً - كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً وَكَذَلِكَ مَنْ نَوَى الْجِهَادَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَطَعَهُ عَنْهُ عَائِقٌ عَجَّزَهُ وَفَضْلُ اللَّهِ عَظِيمٌ يَمُنُّ بِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَيْسَ فَضَائِلُ الْأَعْمَالِ مِمَّا فِيهِ لِلْمَقَايِيسِ مَدْخَلٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ |