ذَكَرَ مَالِكٌ في الموطأ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ
فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إِذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَنَسِيَ (...)
 
ذَكَرَ مَالِكٌ في الموطأ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ
فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إِذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ حَتَّى
صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَلَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَكَبَّرَ فِي
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ يَبْتَدِئُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَوْ سَهَا مَعَ الْإِمَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ
وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ إِذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ بن شِهَابٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ نَوَى
بِتَكْبِيرَتِهِ تِلْكَ الِافْتِتَاحَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي تَرْكِ إِيجَابِ التَّكْبِيرِ لِلِافْتِتَاحِ فَرْضًا
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ إِذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ كَأَنَّهُ قَالَ
وَذَلِكَ إِذَا نَوَى بِهِ عِنْدَنَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ
وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الدَّاخِلَ الْمُدْرِكَ لِلْإِمَامِ رَاكِعًا إِذَا كَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً يَنْوِي بِهَا افْتِتَاحَ
الصَّلَاةِ وَرَكَعَ بِهَا أَغْنَتْهُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ
وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِيمَا عَدَا الْإِحْرَامَ سُنَّةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ
الْعُلَمَاءِ يُكَبِّرُ الدَّاخِلُ تَكْبِيرَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا لِلِافْتِتَاحِ وَالْأُخْرَى لِلرُّكُوعِ - أَرَادَ الْكَمَالَ
وَالْإِتْيَانَ بِالْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا أَجْزَأَهُ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فَيَنْسَى تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ حَتَّى صَلَّى
رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إِنَّهُ اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ
فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ كَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَوَى بِالتَّكْبِيرَةِ
تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ أَوْ لَمْ يَنْوِ بِهَا إِلَّا تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِهَا الِافْتِتَاحَ -
وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ - فَوَجْهُ الِاسْتِحْبَابِ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ يَعْنِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -
بِالْإِقَامَةِ وَالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ رَاعَى فِيهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّهُ لَوْ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423
تَمَادَى فِي صَلَاتِهِ أَجَزْتُهُ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَرَى عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْأَخْذِ بِالْأَوْثَقِ
وَالِاحْتِيَاطِ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ
فَوَجْهُ اسْتِحْبَابِهِ أَنْ يَقْطَعَ وَيَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ - رُجُوعُهُ إِلَى أَصْلِهِ فِي إِيجَابِ تَكْبِيرَةِ
الْإِحْرَامِ وَتَرَكَ مُرَاعَاةَ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَرَأَى لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ فَيُصَلِّي مَا أَدْرَكَ وَيَقْضِي
مَا فَاتَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَأْتِي لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِحْبَابٌ فِي مَوْضِعِ الْوُجُوبِ
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ بِهَا الِافْتِتَاحَ وَإِنَّمَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ دُونَ نِيَّةِ الِافْتِتَاحِ وَذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ (فَذَلِكَ أَحْرَى) أَنْ يَقْطَعَ وَيَبْتَدِئَ صلاته كما قد روى عنه بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ
وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ - مِنْ بَابِ اسْتِحْبَابِ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ فَإِنَّهُ قَدْ
يَأْتِي لَهُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْوَاجِبِ أَحْيَانًا
وَقَدِ اضْطَرَبَ أَصْحَابُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا يَنْقُضُ بَعْضُهُ مَا قَدْ أَصَّلُوهُ
فِي إِيجَابِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ كَمَا لَمْ
يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَمَّنْ خَلْفَهُ
فَقِفْ على هذا كله من أصولهم بين لَكَ وَجْهُ الصَّوَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَمِنَ اضْطِرَابِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْرِقَتُهُمْ بَيْنَ تَكْبِيرِ الدَّاخِلِ لِلرُّكُوعِ دُونَ الْإِحْرَامِ فِي
الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى وَبَيْنَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا لَا مَعْنَى لِإِيرَادِهِ وَلَا
لِلِاشْتِغَالِ بِهِ
كَمَا أَنَّهُ مَنْ رَاعَى فِي أَجْوِبَتِهِ قَوْلًا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ وَلَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ فَسَادٌ دَاخِلٌ
عَلَيْهِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَاعِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ
مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَلَا الصَّلَاةِ وَلَا الصِّيَامِ وَأَكْثَرِ أَبْوَابِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
لَا شَرِيكَ لَهُ
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا يَبِينُ لَكَ بِهِ أَنْ مَنْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَمَنْ لَيْسَ فِي
صَلَاةٍ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الْقَطْعِ بِسَلَامٍ
وَهَذَا مَوْضِعٌ قَدِ اضْطَرَبَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا وَذَلِكَ لِمُرَاعَاتِهِمُ الِاخْتِلَافَ فِيمَا لَا
تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يُوجِبُ حُكْمًا إِنَّمَا يُوجِبُهُ الْإِجْمَاعُ أَوِ الدَّلِيلُ مِنَ
الْكِتَابِ وَالسُّنَةِ وَبِذَلِكَ أُمِرْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ
وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَقَالَ إِذَا وَجَدْتَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبِّرْ تَكْبِيرَةً تَنْوِي بِهَا الِافْتِتَاحَ وَكِبِّرْ أُخْرَى
لِلرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ إِذَا وَجَدْتَهُ سَاجِدًا كَبِّرْ تَكْبِيرَةً لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ كبر أخرى
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424
للسجود ولا تحسب لَهَا فَإِنْ وَجَدْتَهُ جَالِسًا فَكَبِّرْ لِلِافْتِتَاحِ وَاجْلِسْ بِغَيْرِ تَكْبِيرَةٍ وَإِذَا
قُمْتَ فَقُمْ بِتَكْبِيرٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً نَوَى بِهَا الِافْتِتَاحَ أَجَزَأَتْهُ وَكَانَ
دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ نَوَى بِهَا غَيْرَ الِافْتِتَاحِ أَوْ نَوَى بِهَا الِافْتِتَاحَ وَالرُّكُوعَ جَمِيعًا لَمْ
يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدِ النِّيَّةَ لَهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ إِذَا نَوَى بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ تَكْبِيرَةَ
الِافْتِتَاحِ أَوْ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ مَعًا أَجَزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ
عندنا لما قدمنا عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ غُسْلًا وَاحِدًا