وَأَمَّا حَدِيثُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عن بن أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم انصرف من صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ ((هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا)) فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى |
وَأَمَّا حَدِيثُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عن بن أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم انصرف من صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ ((هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا)) فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ)) فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد ذكرنا بن أُكَيْمَةَ بِمَا يَجِبُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهِ كَثِيرٌ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عَامِرٌ وَقِيلَ عُمَارَةٌ وَقِيلَ عُمَرُ وَقِيلَ عَمَّارٌ وَهُوَ مِنْ بَنِي لَيْثٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ فِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَقَالَ تُوُفِّيَ سنة إحدى ومائة وهو بن تسع وسبعين سنة روي عن بن شِهَابٍ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ وَإِنَّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وهو بن أَخِيهِ لَا هُوَ وَالَّذِي رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ الْحَدِيثَ والله أعلم قال بن شهاب كان بن أُكَيْمَةَ يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَيُصْغِي إِلَى حَدِيثِهِ وَحَسْبُكَ بِهَذَا فَخْرًا وَثَنَاءً وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ إِلَى آخَرِ الْحَدِيثِ فَأَكْثَرُ رُوَاةِ بن شهاب عنه لهذا الحديث يجعلونه كلام بن شِهَابٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي التَّمْهِيدِ وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ جِيءَ بِهِ هُوَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهُ إِذَا جَهَرَ لَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا بِغَيْرِهَا عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَعُمُومِهِ وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا جَهَرَ وَالثَّانِي لَا يَقْرَأُ مَعَهُ لَا فِيمَا أَسَرَّ وَلَا فِيمَا جَهَرَ وَالثَّالِثُ يَقْرَأُ مَعَهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً فِيمَا جَهَرَ وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِيمَا أَسَرَّ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَقَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُعِنْدَنَا أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَسَالِمِ بْنِ عبد الله بن عمر وبن شِهَابٍ وَقَتَادَةَ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ إِنْ سَمِعَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ لَمْ يَقْرَأْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ قَرَأَ وَمِنْ أَصْحَابِ دَاوُدَ مَنْ قَالَ لَا يَقْرَأُ فِيمَا قَرَأَ إِمَامُهُ وَجَهَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقْرَأُ وَأَوْجَبُوا كُلُّهُمُ الْقِرَاءَةَ إِذَا أَسَرَّ وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وبن مَسْعُودٍ فَرُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ وَرَاءَ الْإِمَامِ لَا فِيمَا أَسَرَّ وَلَا فِيمَا جَهَرَ كَقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَرُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيمَا أَسَرَّ وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا جَهَرَ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ كَانَ يقوله بالعراق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأنصتوا) الْأَعْرَافِ 304 وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ نَزَلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى دُونَ غَيْرِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ لِأَنَّ السِّرَّ لَا يُسْتَمَعُ إِلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) خَبَرَ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لِأَبِي عِيَاضٍ لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ أَلَّا يَسْمَعَ قَالَ لَا إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ شِئْتَ اسْتَمَعْتَ وَأَنْصَتَّ وَإِنْ شِئْتَ مَضَيْتَ وَلَمْ تَسْمَعْ وروى بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ مجاهدا يقول ما رأيت أحدا بعد بن عَبَّاسٍ أَفْقَهَ مِنْ أَبِي عِيَاضٍ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) قَالَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ أبي العالية والشعبي وبن شِهَابٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ مُجَاهِدًا زَادَ فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا بِالْأَسَانِيدِ وَالْأَقْوَالِ فِي كِتَابِ التمهيد وذكرنا فيه قول بن مَسْعُودٍ إِذَا كَنْتَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَأَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ أَتَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَا تَفْقَهُونَ مَا لَكَمَ لَا تَعْقِلُونَ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وَفِي قَوْلِهِ أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ وَنُزُوعِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْجَهْرَ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ الْكُوفِيُّونَ يَرَوْنَ عَنْهُ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَفِي إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) لَمْ يُرِدْ كُلَّ مَوْضِعٍ يُسْمَعُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الصَّلَاةَ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِمَامِ ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِالْأَسَانِيدِ وَالطَّرْقِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا اللَّفْظَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَنْ يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فَقَالَ حَدِيثُ بن عَجْلَانَ الَّذِي يَرْوِيهِ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنِ التَّيْمِيِّ وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ رَوَاهُ قُلْتُ نَعَمْ قَدْ رَوَاهُ الْمُعْتَمِرُ قَالَ فَأَيُّ شَيْءٍ تُرِيدُهُ فَقَدْ صَحَّحَ أَحْمَدُ هَذَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ وَلَوْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ مَنْ سَمِعَ دُونَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ قَالَ عَطَاءٌ إِذَا لَمْ يَسْمَعُ فَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَنْ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ بِمَا شَاءَ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا بِهِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَكَرَهَ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ وَلَا يُجِيزُ الْقِرَاءَةَ لِلْمَأْمُومِ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ سَمِعَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَتْرُكُ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ خَلْفَ إِمَامِهِ فِيمَا أَسَرَّ وَفِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)) عَامُّ لَا يَخُصُّهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ((كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ)) وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَهُوَ قَوْلُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمرو وبن عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ ((كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ)) فَهُوَ حَدِيثُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بفاتحة الكتاب)) فهو حديث بن شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ عن النبي - عليه السلام - رواه عن بن شِهَابٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وعقيل وبن عُيَيْنَةَ وَشُعَيْبٌ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَلَيْسَ عِنْدَ مالك عن بن شِهَابٍ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ عَنْ مَالِكٍ وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ كَأَنَّهُ قَالَ اسْتَمَعُوا وَأَنْصِتُوا بَعْدَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِهَا وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّ الْآيَةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْجَهْرِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ دُونَ السِّرِّ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ إِلَّا أَنَّ دَاوُدَ يَرَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فَرْضٌ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فِي ذَلِكَ دُونَ الْإِيجَابِ وَاخْتَلَفَ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزْنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي الْأُولَيَيْنِ وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ وَمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ لَا يَقْرَأُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ الْبُوَيْطِيُّ وَكَذَلِكَ يَقُولُ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَرَوَى الْمُزْنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيمَا أَسَرَ وَفِيمَا جَهَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ مَزِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا أَسَرَ وَفِيمَا جَهَرَ وَقَالَ إِذَا جَهَرَ فَأَنْصِتْ وَإِذَا قَرَأَ فَاقْرَأْ فِي سَكَتَاتِهِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ أَخَذَتُ الْقِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَمَكْحُولٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا تَنُوبُ قِرَاءَةُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ كَمَا لَا يَنُوبُ الرُّكُوعُ عَنِ السُّجُودِ وَمِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فلما انصرف قال ((إني لأراكم تقرؤون وَرَاءَ الْإِمَامِ)) قَالُوا نَعَمْ قَالَ ((فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِهَا)) وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال أتقرؤون وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ((فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)) إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ مُنْقَطِعٌ مُرْسَلٌ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي ((التَّمْهِيدِ)) قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى سَمُرَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ سَكَتَاتٌ فِي صَلَاتِهِ حِينَ يُكَبِّرُ وَيَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَحِينَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَسْكُتَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ السُّورَةِ لِئَلَّا يَتَّصِلُ التَّكْبِيرُ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَذَهَبَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةَ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْكُتُ سَكَتَاتٍ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ وَيَتَحَيَّنُ الْمَأْمُومُ تِلْكَ السَّكَتَاتِ مِنْ إِمَامِهِ فَيَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَسْكُتُ فِيهَا فِي سَائِرِ صَلَاةِ الْجَهْرِ فَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلسُّنَّةِ وَالْآيَةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ سَكْتَةً بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَوْلَى وَسَكْتَةً بَعْدَ فَرَاغِهِ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ بِالْقِرَاءَةِ لِيَقْرَأَ مَنْ خَلْفَهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ الْإِمَامُ فَاقْرَأْ مَعَهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا مَالِكٌ فَأَنْكَرَ السَّكَتَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْهَا قَالَ لَا يَقْرَأُ أَحَدٌ مَعَ الْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ لَا قِبَلَ الْقِرَاءَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا عِلَلَ حَدِيثِ السكتتين وعلة حديث بن إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ وَكَذَلِكَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ إِذَا كَبَّرَ وَلَا إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلَفَ إِمَامِهِ لَا فِيمَا أَسَرَّ وَلَا فِيمَا جَهَرَ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ علي وبن مسعود وبه قال الثوري وبن عيينة وبن أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بِالْعِرَاقِ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ)) وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ لَا حُجَّةَ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِسُوءِ مَذْهَبِهِ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ يُثْنِيَانِ عَلَيْهِ بالحفظ وأما بن عُيَيْنَةَ فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((كُلُّ رَكْعَةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ تُصَلَّ إِلَّا وَرَاءَ إِمَامٍ)) وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ واحتجوا أيضا بحديث بن مسعود قال كانوا يقرؤون خَلْفَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ ((خَلَطْتُمْ عَلِيَّ)) وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فِي الْجَهْرِ لِأَنَّ التَّخْلِيطَ لَا يَقَعُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ)) وَهَذَا فِي الْجَهْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنَا فَقَالَ ((قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا)) وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَجَمَاعَةٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ شُعْبَةُ قُلْتُ لِقَتَادَةَ أَلَسْتَ تَقُولُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ قَالَ ذَلِكَ إِذَا جَهَرَ قُلْتُ فَقَدْ كَرِهَهُ هُنَا قَالَ لَوْ كَرِهَهُ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)) خَاصٌّ بِهِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ كَانَ إِمَامًا وكذلك فسره بن عُيَيْنَةَ فَأَمَّا مَنْ صَلَّى وَرَاءَ إِمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ قِرَاءَةٌ لَهُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا لَمْ يَقْرَأْ مَنْ خَلْفَهُ لَمْ تَنْفَعْهُمْ قِرَاءَتُهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ الَّتِي تُرَاعَى وَأَنَّ قِرَاءَتَهُ - كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ - قِرَاءَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ وَرَوَوْا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا فَأَعَادَ بِهِمُ الصَّلَاةَ وَرَوَوْا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ وَهَذَا لَوْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَكَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْ عَلِيٍّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ خِلَافَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ مُنْكَرٌ لَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى فَسَادِ مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ وَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ حَجْرٌ - حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَا يَصِحُّ وَلَا نَقَلَهُ ثِقَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ فِي التَّمْهِيدِ وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ صَحَّ عَنْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ عَنْهُ إِلَّا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ ذَكَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَتَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ لَا وَأَمَّا جُمْلَةُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْكُوفِيِّينَ ذَهَبُوا إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَرَاهِيَةِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ فِيمَا أَسَرَّ وَفِيمَا جَهَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ بن مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسُفْيَانَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَحُجَّتُهُمْ مَا وَصَفْنَا وَقَالَ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ الْقِرَاءَةُ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ وَحُجَّتُهُمْ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ إِذَا أَسَرَّ الْإِمَامُ فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ وَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْقِرَاءَةُ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ تَرَكَهَا وَقَدْ أساء وقد ذكر بن خواز بنداد أَنَّ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ - مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ فَقَالَ إِنْ قَرَأْتَ فَلَكَ فِي رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ وَإِنْ لَمْ تَقْرَأْ فَلَكَ فِي رِجَالٍ مِنْ أصحاب رسول الله أُسْوَةٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَشْغَلَ نَفْسِي بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالثَّالِثَةِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْآخِرَتَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ الْقِرَاءَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ وَاجِبَةٌ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَقَلُّ شَيْءٍ إِذَا أَسَرَّ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ إِنَّمَا كَانَ لِلْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فاستمعوا له وأنصتوا) الْأَعْرَافِ 204 وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ)) وَقَدِ ارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَقْرَأَ لِنَفْسِهِ وَلَا تَنُوبُ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ عَنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ كَمَا لَا يَنُوبُ عَنْهُ إِحْرَامُهُ وَلَا رُكُوعُهُ وَلَا سُجُودُهُ وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى وَتَلْخِيصُ مَذْهَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي التَّمْهِيدِ |