وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ المغيرة بن حكيم أنه رأى بن
عُمَرَ يَرْجِعُ فِي سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ
فَقَالَ لَهُ إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي
فَفِيهِ أن بن عُمَرَ (...)
 
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ المغيرة بن حكيم أنه رأى بن
عُمَرَ يَرْجِعُ فِي سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ
فَقَالَ لَهُ إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي
فَفِيهِ أن بن عُمَرَ قَالَ فِي انْصِرَافِ الْمُصَلِّي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ إِنَّهَا
لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةُ إِذَا أُطْلِقَتْ فَهِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى تُضَافَ إِلَى غَيْرِهِ
كَمَا قِيلَ سُنَّةُ العمرين ونحو هذا
وهذا الذي يعني بن عمر أن تكون سنة الصلاة هو الإقعاء المنهي عَنْهُ عِنْدَ جَمَاعَةِ
الْعُلَمَاءِ
وَمَنْ جَعَلَ الْإِقْعَاءَ انصراف المصلي بين السجدتين على صدور قدميه مِنَ الْعُلَمَاءِ
فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى أَنْ يُقْعِيَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ كَمَا يُقْعِيَ
الْكَلْبُ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ
((لَا تَقَعِيَنَّ عَلَى عَقِبَيْكَ فِي الصَّلَاةِ))
وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَارِثَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ غَيْرَ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ وَلَيْسَ
هَذَا مِنْهَا وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْحَارِثِ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ وَثَّقَهُ آخَرُونَ
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الْإِقْعَاءَ
وَعَنْ قَتَادَةَ مِثْلُهُ
وَكَرِهَ الْإِقْعَاءَ فِي الصَّلَاةِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ
إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ قَالَ الْإِقْعَاءُ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتِهِ نَاصِبًا فَخْذَيْهِ مِثْلَ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ
وَالسَّبُعِ
وَهَذَا إِقْعَاءٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْفِقْهِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَمَّا أَهْلُ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِقْعَاءَ أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَهُ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنَ الْفُقَهَاءِ
وَأَمَّا الَّذِينَ أَجَازُوا رُجُوعَ الْمُصَلِّي عَلَى عَقِبَيْهِ وَجُلُوسَهُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ فجماعة
قال طاوس رأيت العبادلة يقعون بن الزبير وبن عباس وبن عُمَرَ
وَكَذَلِكَ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قال رأيت العبادلة يقعون في الصلاة بن
عباس وبن عمر وبن الزبير
قال أبو عمر أما بن عُمَرَ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ نَقَلَهَا مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّهُ لَمْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ اشْتَكَى وَأَنَّ رِجْلَيْهِ كَانَتَا لَا تَحْمِلَانِهِ وَقَدْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَتْ سُنَّةَ
الصَّلَاةِ وَكَفَى هَذَا فَهُوَ يَخْرُجُ فِي الْمُسْنَدِ
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ فَدَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَلَمْ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481
تَعُدْ كَمَا كَانَتْ فَكَانَ يَشْتَكِي مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَكَانَتْ رِجْلَاهُ لَا تَحْمِلَانِهِ فَكَانَ يَتَرَبَّعُ
وقال حبيب بن أبي ثابت إن بن عُمَرَ كَانَ يُقْعِي بَعْدَ مَا كَبُرَ
وَأَمَّا بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ بن طاوس عن أبيه أنه رأى بن
عمر وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ يُقْعُونَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا حجاج بن محمد عن بن جُرَيْجٍ
قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ الْإِقْعَاءُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ
فِي السُّجُودِ قَالَ هِيَ السُّنَّةُ قَالَ قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال بن عَبَّاسٍ هِيَ سُنَّةُ
نَبِيِّكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَقَالَ إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال سمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ
عَقِبَيْكَ أليتك
فهذا بن عَبَّاسٍ يُثْبِتُ هَذَا الْمَعْنَى سُنَّةً وَهُوَ الَّذِي نفاه بن عُمَرَ عَنِ السُّنَّةِ وَالْمُثْبِتُ
أُولَى مِنَ النَّافِي مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَمِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ إِنَّمَا فِيهِ
أَنْ يُقْعِيَ الرَّجُلُ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ وَالْكَلْبُ إِنَّمَا يَقْعُدُ عَلَى أَلْيَتِهِ وَرِجْلَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى هَذَا هُوَ الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ ((يَا بُنَيَّ
إِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ كَفَّيْكَ وَجَبْهَتَكَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَنْقُرْ نَقْرَ الدِّيكِ وَلَا تُقْعِ إِقْعَاءَ
الْكَلْبِ وَلَا تَلْتَفِتِ الْتِفَاتَ الثَّعْلَبِ))
فَالَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْإِقْعَاءَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى أُولَى عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ
يُقَالُ أَقْعَى الْكَلْبُ وَلَا يُقَالُ قَعَدَ وَقُعُودُهُ إِقْعَاؤُهُ وَيُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَكُونُ إِذَا قَامَ
أَقْصَرَ مِنْهُ إِذَا قَعَدَ إِلَّا الْكَلْبَ إِذَا أَقْعَى فَمَنِ انْصَرَفَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْحَالِ
وَقَعَدَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ فَهُوَ الْإِقْعَاءُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ
يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتِهِ وَيَنْصُبَ رِجْلَيْهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ
أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَمَنْ أَوْجَبَ الْإِعَادَةَ عَلَى فَاعِلِ هَذَا لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّ فِعْلَهُ طَابَقَ النَّهْيَ فَفَسَدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482
وَمَنْ لَمْ يَرَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ إِعَادَةً فَلِأَنَّهَا هَيْئَةُ عَمَلٍ قَدْ حَصَلَ مَعَهَا الْجُلُوسُ وَهَيْئَةُ
الْعَمَلِ لَا يُعْدَمُ مَعَهَا الْعَمَلُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ