ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقَيْنِ عن أيوب عن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى بن أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِمَا جَمِيعًا قوله - عليه وسلم - ((أصدق ذو اليدين)) وذكر الحديث عن بن (...) |
ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مُسْنَدًا مِنْ
طَرِيقَيْنِ عن أيوب عن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى بن أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِمَا جَمِيعًا قوله - عليه وسلم - ((أصدق ذو اليدين)) وذكر الحديث عن بن شِهَابٍ بِإِسْنَادَيْنِ مُرْسَلَيْنِ وَقَالَ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَفِيهِ فَقَالَ ((أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ)) أَيْضًا وَلَيْسَ يَأْتِي ذِكْرُ ذِي الشمالين في هذا الحديث إلا عن بن شِهَابٍ وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَائِرُ الْآثَارِ إِنَّمَا فِيهَا ذُو الْيَدَيْنِ لَيْسَ فِيهَا ذو الشمالين قال بن وَضَّاحٍ قَدْ قِيلَ إِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ كَمَا قَالَ بن وَضَّاحٍ إِلَّا أَنَّ الَّذِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ لَا ذُو الْيَدَيْنِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْعِلْمِ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي إِصْلَاحِ صَلَاتِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ لِإِحْيَاءِ نَفْسٍ أَوْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْجِسَامِ - لَمْ تَفْسَدْ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ وَمَضَى عَلَيْهَا وَذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ مَزِيدٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ لَوْ نَظَرَ الْمُصَلِّي إِلَى غُلَامٍ يُرِيدُ أَنْ يَسْقُطَ فِي بِئْرٍ أَوْ مَكَانٍ فَصَاحَ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَأْسٌ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى ذِئْبًا يَثِبُ عَلَى غَنَمِهِ فَصَاحَ بِهِ أَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ تَرُدُّهُ السُّنَنُ وَالْأُصُولُ قال الله تعالى (وقوموا لله قانتين) الْبَقَرَةِ 238 قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وقال بن مَسْعُودٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ((إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ ما شاء وإن مما أحدث ألا تكلموا فِي الصَّلَاةِ)) وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ سمعت رسول الله يَقُولُ ((إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامٍ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي التَّمْهِيدِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ جُمْلَةٌ إِلَّا مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَيْسَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ بِشَيْءٍ لِأَنَّ إِغَاثَةَ الْمَلْهُوفِ وَمَا أَشْبَهَهُ ليس تمنع من استئناف الصلاة ولا يوجب الْبِنَاءَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا إِذْ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُبَايِنٌ لَهَا مُفْسِدٌ قَاطِعٌ فَإِنَّهُ يُطَابِقُ النَّهْيَ وَفِي مُوَافَقَةِ الْأَوْزَاعِيِّ لِلْجَمَاعَةِ فِيمَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي صَلَاتِهِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ أَنَّهَا قَدْ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا - مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهَا عَامٌّ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِالدَّلِيلِ الْوَاضِحِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا اخْتِلَافُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَقَدْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا فَإِنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَرَوَى سَحْنُونٌ عن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا صَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ سَاهِيًا فَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَفْقَهْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ إِنَّكَ لَمْ تُتِمَّ فَأَتِمَّ صَلَاتَكَ فَالْتَفَتَ إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ هَذَا فَقَالُوا نَعَمْ - قَالَ يُصَلِّي بِهِمُ الْإِمَامُ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَيُصَلُّونَ مَعَهُ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ مَنْ تَكَلَّمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَيَفْعَلُونَ فِي ذَلِكَ مَا فَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السلام - يوم ذي اليدين هذا قول بن الْقَاسِمِ فِي كُتُبِهِ ((الْأَسَدِيَّةِ)) وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَاحْتَجَّ لَهُ فِي كِتَابٍ رَدَّهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَكَذَلِكَ رَوَى عيسى عن بن القاسم قال عيسى سألت بن الْقَاسِمِ عَنْ إِمَامٍ فَعَلَ الْيَوْمَ كَفِعْلِ النَّبِيِّ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُهُ عَلَى نَحْوِ مَا تَكَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ ذي اليدين فقال بن الْقَاسِمِ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَا يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا سُنَّةً سَنَّهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ زَادَ الْعُتْبِيُّ فِي هَذِهِ عَنْ عِيسَى عَنِ بن الْقَاسِمِ قَالَ وَلِيَرْجِعِ الْإِمَامُ فِيمَا شَكَّ فِيهِ إِلَيْهِمْ وَيُتِمُّ مَعَهُمْ وَتَجْزِيهِمْ قَالَ عِيسَى قَالَ بن الْقَاسِمِ لَوْ أَنَّ إِمَامًا قَامَ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ جَلَسَ فِي ثَالِثَةٍ فَسُبِّحَ بِهِ فَلَمْ يَفْقَهْ فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلْفَهُ كَانَ مُحْسِنًا وأجزته صلاته قال عيسى وقال بن كِنَانَةَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْيَوْمَ مَا جَازَ لِمَنْ كَانَ يَوْمئِذٍ مَعَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ ظَنَّ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ قُصِرَتْ فَاسْتَفْهَمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ الْيَوْمَ أَنَّ قَصْرَهَا لَا يَنْزِلُ فَعَلَى مَنْ تكلم الإعادة قال عيسى فقرأته على بن الْقَاسِمِ فَقَالَ مَا أَرَى فِي هَذَا حُجَّةً وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالُوا لَهُ بَلَى فَقَدْ كَلَّمُوهُ عَمْدًا بُعْدَ عِلْمِهِمْ أَنَّهَا لم تقصر قال عيسى وقال لي بن وَهْبٍ إِنَّمَا ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَلَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ الْيَوْمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا كَلَامُ الْقَوْمِ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ أَنْ سَمِعُوهُ يَقُولُ ((لَمْ تَقْصُرِ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَنْسَ)) فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ نَزَعَ بِهِ لِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ - هُوَ أَثْبُتُ النَّاسِ فِي أَيُّوبَ - رَوَى حَدِيثَ ذي اليدين عن أيوب عن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَحَقٌّ ما يقول ذو اليدين)) فأومؤوا إِي نَعَمْ فَبَانَ بِهَذَا أَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بَعْدَ أَنْ سَمِعُوا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ ((لم تقصر الصلاة ولم أنس)) ولكنهم أومؤوا أي نعم فعبر المحدث عن الإيمان بِالْقَوْلِ وَالْعَرَبُ قَدْ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقَوْلُ فَالْإِيمَاءُ بِذَلِكَ أَحْرَى مِمَّنْ يَصِحُّ قَوْلُهُ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْكَلَامِ وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يُبَاحُ بِرِوَايَةٍ مُخْتَلِفٍ فِيهَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عن بن نَافِعٍ لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ آمُرْهُ أَنْ يستأنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 وَرَوَى أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ عَنْ مالك مثل قول بن نافع خلاف رواية بن الْقَاسِمِ قَالَ أَبُو قُرَّةَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَسْتَحِبُّ إِذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَعُودَ لَهَا وَلَا يَبْنِيَ قَالَ وَقَالَ لَنَا مَالِكٌ إِنَّمَا تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ قَصُرَتْ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ الْيَوْمَ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَبْلَغَكَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَلَّى خَلَفَ إِمَامٍ فَأَطَالَ التَّشَهُّدَ فَخَافَ رَبِيعَةُ أَنْ يُسَلِّمَ - وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودُ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ - فَكَلَّمَهُ رَبِيعَةُ فَقَالَ إِنَّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ فَقَالَ مَا بَلَغَنِي وَلَوْ بَلَغَنِي مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ أَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ وُجُوهَ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ وأصحابه في هذا الباب وروى بن وَضَّاحٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ قَالَ أَصْحَابُ مالك كلهم على خلاف ما رواه بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ ذِي الْيَدَيْنِ ولم يقل بقوله إلا بن الْقَاسِمِ وَحْدَهُ وَغَيْرُهُ يَأْبَوْنَهُ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْآنُ فَقَدْ عَرَفَ النَّاسُ الصَّلَاةَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَعَادَهَا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَنْصَرِفْ إِلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ وَظَنَّ ذُو الْيَدَيْنِ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ قَصُرَتْ بِحَادِثٍ مِنَ اللَّهِ وَلَمْ يَقْبَلْ رسول الله مِنْ ذِي الْيَدَيْنِ إِذْ سَأَلَ غَيْرَهُ وَلَمَّا سَأَلَ غَيْرَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ ذِي الْيَدَيْنِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ وَلَمْ يَسْمَعِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهُ عَلَيْهِ كَانَ فِي مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِ أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيَ فَأَجَابَهُ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِمْ جَوَابُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَخْبَرُوهُ فَقَبِلَ قولهم - لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا حَتَّى بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ قَالَ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَنَاهَتِ الْفَرَائِضُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا أَبَدًا قَالَ فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا إِمَامًا الْيَوْمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِمْ جَوَابُهُ فَمَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصْلِي فَنَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ حَتَّى قَضَيْتُ صَلَاتِي فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي)) قُلْتُ كُنْتُ أَصْلِي قَالَ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دعاكم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 وَهُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَفِيهِ أَنَّ مُجَاوَبَةَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاجِبَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ وَأَصْحَابَهُ مَخْصُوصُونَ بِذَلِكَ مَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيَّا فِيهِمْ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِجَابَتُهُ فِي الصَّلَاةِ إِشَارَةً كَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السلام - يضع فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ بِالْأَنْصَارِ إِذْ دَخَلُوا فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَكَانَ يُشِيرُ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْخِلَافُ بَيْنَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ مالكا يقول في رواية بن الْقَاسِمِ عَنْهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ تَعَمُّدُ الْكَلَامِ فِيهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي صَلَاحِهَا وَشَأْنِهَا وهو قول ربيعة وبن الْقَاسِمِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا تَعَمَّدَ الْكَلَامَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ عَالِمًا أَنَّهُ لَمْ يُتِمْهَا فَقَدْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ فَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا أَوْ تَكَلَّمَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ صَلَاتَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ عِنْدَ نَفْسِهِ فَهَذَا يَبْنِي وَلَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا حَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي صَلَاتِهِ لِإِصْلَاحِهَا لَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَإِنَّ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ إِنَّمَا تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ قَصُرَتْ وَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ دَافِعٌ لِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ وَكَلَّمَ الْقَوْمَ فَأَجَابُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يجيبوه قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا نَحْوَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الَّذِي تَحْصَّلَ عَلَيْهِ - قَوْلُهُ فِيمَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِلَّا الْإِمَامَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ لِيُصْلِحَ صَلَاتَهُ لَمْ تُبْطِلْ صَلَاتَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَا مَضَى وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِإِمَامِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ إِنَّهَا الْعَصْرُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 قَالَ أَبُو عُمَرَ لَوْ كَانَ هَذَا مَا احْتَاجَ أَحَدٌ إِلَى التَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ نَابُهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ)) وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ)) وَكَلَامُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهْمٌ وَخَطَأٌ لَيْسَ بِصَوَابٍ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ تَمَامِهَا عَمْدًا يُفْسِدُهَا فَالْكَلَامُ بِذَلِكَ أَحْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَهَوًا كَانَ أَوْ عَمْدًا لِصَلَاحٍ كَانَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّلَامِ فِيهَا سَاهِيًا قَبْلَ تَمَامِهَا فَبَعْضُهُمْ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ فِيهَا سَاهِيًا وَجَعْلَهُ كَالْمُتَكَلِّمِ عَامِدًا وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُفْسِدْهَا بِالسَّلَامِ سَاهِيًا وَكُلُّهُمْ يُفْسِدُهَا بِالْكَلَامِ عَامِدًا وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةَ وَزَعَمَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ بحديث زيد بن أرقم وبن مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَا قَالُوا وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بن أرقم وبن مَسْعُودٍ بَيَانُ أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ نُسِخَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 قَالُوا فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخٌ فِي قِصَّةِ ذي اليدين بما جاء في حديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ أَرْسَلَ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَا سَمِعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لِلصَّاحِبِ إِذَا حَدَّثَهُ صَاحِبٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَا سَمِعَهُ من رسول الله - أن يحدث به عن رسول الله إذا لم يقل سمعت واحتجوا بأن بن عَبَّاسٍ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ قَدْ حَدَّثُوا عَنْ رسول الله بِمَا أَخْبَرُوا عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدَ الْجَمِيعِ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ ((إِنَّهُ لَا صَوْمَ لَهُ)) فَلَمَّا وُقِفَ عَلَيْهِ سُئِلَ هَلْ سَمِعْتَهُ من رسول الله قَالَ لَا عِلْمَ لِي إِنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ وَقَالَ أَنَسٌ مَا كَلَّ مَا نُحَدِّثُكُمْ بِهِ عن رسول الله سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَلَكِنَّ مِنْهُ مَا سَمِعْنَا وَمِنْهُ مَا أَخْبَرْنَا أَصْحَابُنَا وَكُلُّ حَدِيثِ الصَّحَابَةِ مَقْبُولٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالُوا فَغَيْرُ نَكِيرٍ أَنْ يُحَدِّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهَا قَالُوا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بدر واحتجوا بما رواه بن وهب عن العمري عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ ذِي الْيَدَيْنِ قَالُوا وَهَذَا الزُّهْرِيُّ مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَثَرِ وَالسِّيَرِ وَهُوَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ بِالْأَثَرِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ إِنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ حَكَاهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ اسْتَحْكَمَتِ الْأُمُورُ بَعْدُ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا مَا ادَّعَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ في قصة ذي اليدين منسوخ بحديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَغَيْرُ مُسَلَّمِ لَهُمْ مَا ادَّعَوْا مِنْ نَسْخِهِ وَلَكِنَّهُ خَصَّ مِنْ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ مَعْنَى مَا تَضَمَّنَهُ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَقَدْ شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِسْلَامُهُ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ هَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بحديث بن مَسْعُودٍ فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَقُولُ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 صَاحِبَهُ فِي الْحَاجَةِ حَتَّى نَزَلَتْ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الْبَقَرَةِ 238 فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ ومعلوم أن سورة البقرة مدينة فالجواب أن بن مَسْعُودٍ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي جَمَاعَةِ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ مِنَ الْجَمَاعَةِ الْمُنْصَرِفِينَ مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ حِينَ بَلَغَهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ الْخَبَرُ كَاذِبًا فَأَقْبَلُوا إِلَى مَكَّةَ فِي حِينِ كَوْنِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِي الشِّعْبِ وَوَجَدُوا قُرَيْشًا أَشُدَّ مَا كانوا على النبي وأصحابه ثم أمره رسول الله فِيمَنْ أَمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ (فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ) ثُمَّ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ إِلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وائل عنه أن رسول الله لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّةَ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ لَهُ ((إِنَّ اللَّهَ أَحْدَثَ أَلَّا تُكَلِّمُوا فِي الصَّلَاةِ)) قَدْ وَهِمَ فِي أَلْفَاظِهِ عَاصِمٌ وَكَانَ سَيِّئَ الْحِفْظِ عِنْدَهُمْ كَثِيرَ الْخَطَأِ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فِيمَا خُولِفَ فِيهِ وَحَدِيثُهُ حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النُّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَاتَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَلَّمْتُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي فَلَمْ تَرُدَّ عَلِيَّ فَقَالَ ((إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَلَّا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ)) قَالَ سُفْيَانُ هَذَا أَجْوَدُ مَا وَجَدْنَا عِنْدَ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَلَى خِلَافِ مَعْنَى حَدِيثِ بن عُيَيْنَةَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي حِينِ انْصِرَافِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ بَلْ ظَاهِرُهُ وَمَسَاقُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ بن أَرْقَمَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ ((إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ ما شاء وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 فَلَمْ يَذْكُرْ شُعْبَةَ أَنَّ كَلَامَهُ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ بِمَكَّةَ وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وائل عن بن مَسْعُودٍ فَذَكَرَ انْصِرَافَهُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ سَلَامَهُ عَلَى رَسُولِ الله فِي الصَّلَاةِ كَانَ بِمَكَّةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَعْنَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ لَنَا ((إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشَغَلًا)) وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا فِيهِ كَرَاهِيَةُ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ كُلْثُومُ بن المصطلق الخزاعي عن بن مَسْعُودٍ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي حِينِ انْصِرَافِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ أَخْبَرْنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ قَالَ أَخْبَرْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الموصلي قال أخبرنا بن أَبِي عُيَيْنَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَيْدٍ الْجَرَمِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ كُلْثُومٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ لِلْقَاسِمِ قَالَ كُنْتُ آتِي النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ يُصَلِّي فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ عَلِيَّ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ فَلَمَّا سَلَّمَ أَشَارَ إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ ((إِنَّ اللَّهَ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ أَلَّا تُكَلِّمُوا فِيهَا إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)) وَهَذَا حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ صَحِيحٌ فِي مَعْنَى حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالِفُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كَانَ أَحَدُنَا يُكَلِّمُ الرَّجُلَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الْبَقَرَةِ 238 ثُمَّ أُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهَيْنَا عَنِ الْكَلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 قَالَ أَبُو عُمَرَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنْصَارِيٌّ وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْحَاجَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى نَزَلَتْ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الْبَقَرَةِ 238 فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَكِنَّهُ قَدْ شَهِدَ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَحَضَرَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَبْلَ بَدْرٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ وَلَيْسَ تَقْصِيرُ مَنْ قَصَّرَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ حَفِظَهُ وَذَكَرَهُ |