مالك عن بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بحينة أنه قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ (...) |
مالك عن بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بحينة أنه
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ وَذَكَرَ عَنْ يَحْيَى بن سعيد عن الأعرج عن بن بحينة مثله بمعناه وقد ذكرنا بن بُحَيْنَةَ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنَ الْوَهْمِ وَالنِّسْيَانِ لِأَنَّهُ إِذَا اعْتَرَى ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ فَغَيْرُهُمْ بِذَلِكَ أَحْرَى وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَسُنَّ لِأُمَّتِهِ كَمَا جَاءَ عَنْهُ ((إِنِّي لِأَنْسَى أَوْ أُنَسَّي لَأَسُنَّ)) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي اثْنَتَيْنِ وَقَامَ وَاعْتَدَلَ قَائِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَإِنَّمَا قُلْنَا وَاعْتَدَلَ قَائِمًا لِأَنَّ النَّاهِضَ لَا يُسَمَّى قَائِمًا حَتَّى يَعْتَدِلَ فَالْقَائِمُ هُوَ الْمُعْتَدِلُ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ إِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْجُلُوسِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا لَا يَخْلُو أَمْرُهُ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُذَكِّرَهُ مَنْ خَلْفَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَلَا سِيَّمَا قَوْمًا قَدْ قِيلَ لَهُمْ ((مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْبَحْ)) وَهُمْ أُولُو النَّهْيِ وَأَوْلَى مَنْ عَمِلَ بِمَا حَفِظَ وَوَعَى وَأَيُّ الْحَالَيْنِ كَانَ فَلَمْ يَنْصَرِفْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الجلوس بعد قيامه ذلك فمن ها هنا قُلْنَا لَا يَنْبَغِي لِمَنِ اعْتَدَلَ قَائِمًا أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى الْجُلُوسِ وَقَدْ رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَاعْتَدَلَ فَسَبَحُوا بِهِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ وَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِسَهْوِهِ وَفَعَلَ ذَلِكَ الْمُغِيرَةُ وَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ لَهُمْ كَذَلِكَ صَنَعَ رَسُولُ الله وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلُ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِأَسَانِيدِهَا فِي التَّمْهِيدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْجُلُوسِ بَعْدَ قِيَامِهِ لَمْ تَفْسَدْ صَلَاتُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى أَصْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَسَهْوُهُ فِي قِيَامِهِ مُتَجَاوَزٌ عَنْهُ وَقَدْ بَانَ بِالسُّنَّةِ أَنَّ الزَّائِدَ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا غَيْرَ مُفْسِدٍ لَهَا وَالَّذِي يَقْصِدُ إِلَى عَمَلٍ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَهُ مِنْ صَلَاتِهِ أَحْرَى بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا وَجْهَ لَهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ تَمَادَى وَلَمْ يَجْلِسْ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حديث بن بِحَيْنَةٍ هَذَا فَإِنْ عَادَ إِلَى الْجُلُوسِ بَعْدَ قِيَامِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَتَجْزِيهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ قَالَ بن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يَسْجُدُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ الْقِيَامَ وَالِانْصِرَافَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ يَسْجُدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَقَدْ رَوَى عَنْ أَشْهَبَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي قِيَامِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَى الْجُلُوسِ زِيَادَةٌ فَكَأَنَّهُ زَادَ ونقص قال أبو عمر قول بن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ السُّجُودَ فِي الزِّيَادَةِ قَبْلَ السَّلَامِ قَدْ مَضَى مَا جَاءَ فِيهِ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا ذَكَرَ وَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِذَا رَجَعَ إِلَى الْجُلُوسِ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَالسُّجُودُ عِنْدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَفِي قَوْلِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ لَا يَسْجُدُ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْجُلُوسِ كَأَنَّهُمَا يَقُولَانِ لَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا فَيُجْبِرُهُ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَكْمَلَ صَلَاتَهُ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ وَسَجَدَ وَصَلَّى خَمْسًا وَسَجَدَ فَدَلَّ أَنَّ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ لَا لِلنُّقْصَانِ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ إِذَا تَجَافَتْ رُكْبَتَاهُ عَنِ الْأَرْضِ مَضَى وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَنْصَرِفُ وَيَقْعُدُ وَإِنْ قَرَأَ مَا لَمْ يَرْكَعْ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَجْلِسُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)) ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ لَيْسَ فِي كِتَابِي عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ قال أبو عمر في حديث بن بُحَيْنَةَ هَذَا وَحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي أَنَّ الْجِلْسَةَ الْوُسْطَى سُنَّةٌ لَا فَرِيضَةٌ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لَرَجَعَ السَّاهِي عَنْهَا إِلَيْهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً أَوْ رَكْعَةً وَلَرُوعِيَ فِيهَا مَا يُرَاعَى فِي السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَالرُّتْبَةِ وَقَدْ سُبِّحَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ وَفِي حديث بن بُحَيْنَةَ أَنَّهُ عَلِمَ بِهَا فَلَمْ يَقْضِهَا وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ عَنْهَا وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمْ يُسْقِطْهَا النِّسْيَانُ وَالسَّهْوُ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ فِي الصَّلَاةِ يَسْتَوِي فِي تَرْكِهَا السَّهْوُ وَالْعَمْدُ إِلَّا فِي الْمَأْثَمِ وقد ذهب آخرون إلى الْجِلْسَةَ الْوُسْطَى فَرْضٌ وَأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ فُرُوضِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَنُوبَ عَنْهَا السُّجُودُ كَالْعَرَايَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ وَكَسُقُوطٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِمَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَبِأَنَّهَا لَا يُقَاسِ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى خُصُوصِهَا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً مَا كَانَ الْعَامِدُ لِتَرْكِهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ سُنَنِ الصَّلَاةِ إِذَا أَتَى بِفَرَائِضِهَا وَبِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبَدَنِ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ وَمَا اخْتَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَعَ سَائِرِ مَعَانِي هَذَا الْبَابِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَشَذَّتْ فِرْقَةٌ فَأَوْجَبَتْهَا فَرْضًا وَأَوْجَبَتِ الرُّجُوعَ إِلَيْهَا مَا لَمْ يَعْمَلِ الْمُصَلِّي بَعْدَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ رَكْعَتِهِ الَّتِي قَامَ إِلَيْهَا بِرَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنْهَا وَقَوْلُهُمْ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ مِنْ عَمَلِ الْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ وَيُرَتَّبُ مَعَ مَا بَعْدَهُ وَلَا يُسَلِّمُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يُؤْتَى بِهِ مَعَ الذِّكْرِ وَهَذَا أيضا مردود بالسنة في حديث بن بُحَيْنَةَ وَغَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَيْضًا أَمْ لَا فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَاجِبٌ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا سَاهِيًا كَانَ أو عامدا إلا فرقة صغيرة منهم بن عُلَيَّةَ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْجِلْسَةَ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَاجِبٍ قِيَاسًا عَلَى الْجِلْسَةِ الْوُسْطَى واحتج بحديث بن بُحَيْنَةَ وَغَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)) وَهَذَا لَفْظٌ لَا يَصِحُّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا هَذَا الْحَدِيثُ يَصِحُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ الْإِفْرِيقِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا يَرْوِيهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ لِضَعْفِهِ فِي نَقْلِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ إِنَّمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ بِهِ طَائِفَةٌ وَالْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ الْإِفْرِيقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ ((إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)) وَهَذَا اللَّفْظُ إِنَّمَا يُسْقِطُ السَّلَامَ لَا الْجُلُوسَ وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ نَقْلًا وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ)) وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ لَا فِيمَا قَالَ وَالْجُمْهُورُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى جَمِيعِهِمْ جَهْلُ مَا عَلِمَهُ الشَّاذُّ الْمُنْفَرِدُ عَلَى أن بن عُلَيَّةَ يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِأَعْمَالِ الصَّلَاةِ سُنَنِهَا وَفَرَائِضِهَا وَكُلُّ مَا عَمِلَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ تَفْسُدُ الصلاة بتركه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وَلَهُ إِغْرَاقٌ فِي الْقِيَاسِ وَشُذُوذٌ عَنِ الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فقال بن شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ السُّجُودُ كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَرُوِيَ هَذَا القول عن بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالسَّائِبِ بْنِ السَّائِبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَالْحُجَّةُ لِقَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ سُجُودِ رسول الله حِينَ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَحِينَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ على اليقين من حديث أبي سعيد وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَبْلَ السَّلَامِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ لَيْسَ فِيهِ نُقْصَانٌ حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمَيْمُونِ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ أَخِيهِ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ السَّجْدَتَانِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَالَ لَهُ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَا زُهْرِيُّ وَحَدَّثَنَا خَلَفٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْمَيْمُونِ حَدَّثَنَا أَبُو زَرْعَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عجلان أن بن شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَلَّى لِلنَّاسِ الْمَغْرِبَ فَسَهَا فَنَهَضَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ فَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ ثم انصرف فسأل بن شِهَابٍ فَقَالَ أَصَبْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسُّنَّةُ عَلَى غَيْرِ الَّذِي صَنَعْتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَيْفَ قَالَ تَجْعَلُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ عُمَرُ إِنِّي قُلْتُ إِنَّهُ دَخَلَ عَلِيَّ وَلَمْ يَدْخُلْ عليهم فقال بن شِهَابٍ مَا دَخَلَ عَلَيْكَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ السُّجُودُ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عن علي وبن مَسْعُودٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصِينٍ وَالْمُغَيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو سلمة بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي وبن أبي ليلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 وَحُجَّتُهُمْ فِي الْقِيَامِ مِنَ اثْنَتَيْنِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بن شعبة أن رسول الله قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَحَدِيثُ بن مسعود أن رسول الله سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ إِذْ صَلَّى خَمْسًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ كُلُّ سَهْوٍ كَانَ نُقْصَانًا فِي الصَّلَاةِ فَالسُّجُودُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ على حديث بن بُحَيْنَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَكُلُّ سَهْوٍ كَانَ زِيَادَةً فَالسُّجُودُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَقَدْ ذكرنا قول بن حَنْبَلٍ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا وَقَوْلَ دَاوُدَ أيضا وحديث بن بحينة عند بن حَنْبَلٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَبِهِ يَقُولُ فِي الْقِيَامِ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ يَدُورُ على بن أَبِي لَيْلَى وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا خُولِفَ فِيهِ وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعَانِيَ هَذَا الْبَابِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَالسَّلَامِ مِنْهُمَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَشَهُّدَ فِيهِمَا وَلَا تَسْلِيمَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ عِنْدَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا وَجْهَ عِنْدَهُمَا لِإِعَادَةِ التَّشَهُّدِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ إِنْ شَاءَ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَيَرَى التَّشَهُّدَ فِيهِمَا وَاجِبًا حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَهُوَ مِمَّنْ يَقُولُ هُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَقَالَ آخَرُونَ يَتَشَهَّدُ فِيهِمَا وَلَا يُسَلِّمُ قَالَهُ يَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِمَا تشهد وتسليم روي ذلك عن بن مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَإِنَّ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ وَبِهَذَا قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَوْهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وقال بن سِيرِينَ يُسَلِّمُ مِنْهُمَا وَلَا يَتَشَهَّدُ فِيهِمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ رَأَى السَّلَامَ فِيهِمَا فَعَلَى أَصْلِهِ مِنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إِذْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَمَنْ رَأَى السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا لِأَنَّ السَّلَامَ مِنَ الصَّلَاةِ هُوَ السَّلَامُ على ما في حديث بن بُحَيْنَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَلَا أَحْفَظُهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فِي الخفض والرفع فمحفوظ ثابت في حديث بن بحينة من رواية بن شهاب وغيره وقد ذكرنا طرقة عن بن شِهَابٍ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَفِيمَا وَصَفْنَا مِنْ رِوَايَةِ الثقات من أصحاب بن شهاب عنه عن الأعرج عن بن بُحَيْنَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْجُلُوسِ الْآخِرِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ فَعَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْجِلْسَةَ الْآخِرَةَ فَرْضٌ وَالتَّشَهُّدَ فَرْضٌ وَالسَّلَامَ فَرْضٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُدُ وَكَذَلِكَ حَكَى أَبُو مُصْعَبٍ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ بَيَانَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرْضُهَا مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْبَيَانِ فَكُلُّ مَا عَمِلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهَا فَرْضٌ إِلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِيهَا وَالسُّجُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ بِبَيَانِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ بِفِعْلِهِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) وَبِأَشْيَاءَ يَطُولُ ذِكْرُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهَا فَرْضٌ وَالسَّلَامُ فَرْضٌ وَاجِبٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ بِوَاجِبٍ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ عَمَلَ الْيَدَيْنِ كُلَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَكَذَلِكَ كَلُّ عَمَلِ الْبَدَنِ إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَهُوَ الْجِلْسَةُ الْوُسْطَى وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يَخْرُجْ قَطُّ مِنْ صَلَاةٍ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَقَالَ ((تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ)) وَقَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ فَسَقَطَ التَّشَهُّدُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَا شَيْءَ مِنَ الذِّكْرِ وَاجِبٌ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْجُلُوسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ وَلَا التَّسْلِيمُ بِوَاجِبٍ فَرْضًا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَاحْتَجُّوا بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ عَمَلِ الصَّلَاةِ وَعَمَلِ الْبَدَنِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَافِعٍ وَبَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بن العاصي قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)) وهكذا رواه بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْإِفْرِيقِيِّ وَهُوَ أَثْبَتُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ وَاجِبَانِ وَلَيْسَ السَّلَامُ بِوَاجِبٍ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بن راهويه واحتج إسحاق بحديث بن مسعود حين علمه رسول الله التَّشَهُّدَ وَقَالَ لَهُ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فقد تسمت صَلَاتُكُ وَقَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ)) وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنْ لَيْسَ الْجُلُوسُ فِيهَا وَلَا التَّشَهُّدُ وَلَا السَّلَامُ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ وَهَذَا قول بعض البصريين وإليه ذهب بن عُلَيَّةَ وَصَرَّحَ بِقِيَاسِ الْجِلْسَةِ الْآخِرَةِ عَلَى الْأُولَى فَخَالَفَ الْجُمْهُورَ وَشَذَّ إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى فِي حَدِيثِ الْإِفْرِيقِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ ((إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَحْدَثَ وَلَمْ يَذْكُرْ جُلُوسًا)) وَهُوَ حَدِيثٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِهِ وَاخْتِلَافِهِمْ أَيْضًا فِي لَفْظِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَقَامَ بَعْدَ إِتْمَامِهِ الْأَرْبَعَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ رُكُوعِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ إِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَجْلِسُ وَلَا يَسْجُدُ وَلَوْ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ لَمْ أَرَ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى ثُمَّ إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ - فَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقَالَ رَجُلٌ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ((وَمَا ذَاكَ)) قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا قَالَ فَثَنَى رِجْلَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ مِنْ غَيْرِ الذِّكْرِ الْمُبَاحِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُصَحِّحُ لَكَ مَا قَالَهُ هُنَاكَ مَالِكٌ وَهَذَا أَصْلٌ وَإِجْمَاعٌ لَا مَدْخَلَ لِلْقَوْلِ فِيهِ وَالسُّجُودُ عِنْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَصْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ |