وَذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ ثُمَّ أَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبَجَانِيَّةً لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ فَقَالَ ((إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ)) وَقَدْ رَوَى (...) |
وَذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَبِسَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ ثُمَّ أَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبَجَانِيَّةً لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ فَقَالَ ((إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ)) وَقَدْ رَوَى هَذَا الحديث بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا عَلَمٌ فَقَالَ ((شَغَلَنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأَتُونِي بِأَنْبَجَانِيَّةٍ)) هَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِالتَّذْكِيرِ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَنْبَجَانِيَّةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ كِسَاءٌ أَنْبَجَانِيٌّ وَالْكِسَاءُ لَا يُؤَنَّثُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ خَمِيصَةً أَوْ شَمْلَةً أَوْ نَحْوَ هَذَا وَالْخَمِيصَةُ كِسَاءُ صُوفٍ رَقِيقٌ بِعَلَمِ أَكْثَرِ شَيْءٍ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ عَلَمٍ وَالْخَمَائِصُ مِنْ لِبْسِ الْأَشْرَافِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَلَمُ فِيهَا أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَأَمَّا الْأَنْبَجَانِيُّ فَكِسَاءُ صُوفٍ غَلِيظٌ لَا علم فيه وقال بن قُتَيْبَةَ إِنَّمَا هُوَ كِسَاءٌ مَنْبَجَانِيٌّ قَالَ وَلَا يُقَالُ أَنْبَجَانِيٌّ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبَجَ قَالَ وَفُتِحَتْ بَاؤُهُ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ منظراني ومخبراني وقال ثعلب أنبجانية بكسر الْبَاءِ وَكَسْرِهَا كُلُّ مَا كَثُفَ وَالْتَفَّ قَالُوا شَاةٌ أَنْبَجَانِيَّةٌ أَيْ كَثِيرَةُ الصُّوفِ مُلْتَفَّتُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وغير بن قُتَيْبَةَ يَقُولُ جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ أَنْبَجَانِيٌّ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ رُوَاتَهُ عَرَبٌ فُصَحَاءُ وَمِنَ الْأَنْسَابِ مَا يَجْرِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْمُوعٌ وَهَذَا لَوْ صَحَّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبَجَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ قَبُولُ الْهَدَايَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَأْكُلُهَا وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُسْلِمِينَ الْكُرَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْفُضَلَاءِ وَيَسْتَحِبُّهَا الْعُلَمَاءُ مَا لَمْ يَسْلُكْ بِهَا سَبِيلَ الرِّشْوَةِ لِدَفْعِ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقِ بَاطِلٍ أَوْ أَخْذٍ عَلَى حَقٍّ يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَا يَجِبُ مِنَ الْهَدَايَا لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالِهِ وَسَائِرِ النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ قِبَلِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيِّينَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ((نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي)) فَإِنَّ قَوْلَهُ كَادَ يَفْتِنُنِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ لَمْ تَقَعْ وَكَادَ فِي اللُّغَةِ تُوجِبُ الْقُرْبَ وتدفع والوقوع وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يَخْطَفُ الْبَرْقُ بَصَرَ أَحَدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أبصارهم) الْبَقَرَةِ 20 وَالْفِتْنَةُ الَّتِي خَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْخَمِيصَةِ وَنَظَرِهِ إِلَى عَلَمِهَا - هُوَ الشُّغْلُ عَنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ بِمَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ خُشُوعٍ وَعَمَلٍ وَفِكْرُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ لِأَنَّهُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا محمد بن عبد السلام حدثنا بن أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَالِهِ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ لِمَ دَعَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَ قَالَ ((إِنِّي رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الْبَيْتِ فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا (2) فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ مُصَلِّيًا وَسُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ مُصَلِّيًا وَسُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ مُعَلَّقٌ مُصْحَفٌ أَوْ سَيْفٌ أَوْ نَحْوُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وَسُفْيَانُ عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ تَقَدَّمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ بِحِمْصَ فَرَأَى فِي الْقِبْلَةِ عَرَقَةً فَقَالَ غَطُّوا عَنَّا هَذِهِ الْعَرَقَةَ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إِنَّمَا رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ لِأَنَّهُ كَرِهَهَا إِذْ كَانَتْ سَبَبَ غَفْلَةٍ وَشُغْلٍ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا قَالَ ((اخْرُجُوا عَنْ هَذَا الْوَادِي الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ فَإِنَّهُ وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ (2) قَالَ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ إِلَى غَيْرِهِ مَا يَكْرَهُهُ لِنَفْسِهِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ ((لَا تَتَصَدَّقِي مِمَّا لَا تَأْكُلِينَ)) قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَى خَلْقِ اللَّهِ عَلَى دَفْعِ الْوَسْوَسَةِ وَلَكِنْ كَرِهَهَا لِلْغَفْلَةِ عن الذكر هذا كله قول بن عُيَيْنَةَ وَمِمَّا قَدَّمْتُهُ فِيمَا ظَهَرَ إِلَيَّ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا رَدَّ الْخَمِيصَةَ إِلَى مُهْدِيهَا بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُمْ وَأَعْلَمَهُ بِمَا نَابَهُ فِيهَا - كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ لِبَاسَهَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا مَحَالَةَ أَحْرَى بِأَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الشُّغْلِ بِهَا فِي صَلَاتِهِ فَوْقَ مَا خَشِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - كَانَ إِخْبَارُهُمْ لَهُ بِمَا عَرَضَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِعْلَامُهُ بِمَا نَابَهُ فِي الْخَمِيصَةِ عِنْدَ رَدِّهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ لِتَطِيبَ نَفْسُهُ وَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ مَا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ مِنْهُ مَنْ رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ وَالْمُهْدِي إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَطِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ فِيهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا وَأَمَّا قوله ((وأتوني بِأَنْبَجَانِيَّةٍ لَهُ)) أَوْ بِأَنْبَجَانِيَّةٍ)) عَلَى الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ - فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ هَدِيَّتُهُ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ أَنَسَهُ رسول الله بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كِسَاءً آخَرَ لَا عَلَمَ فِيهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَلَا قَلًى لَهُ وَلَا كَرَاهِيَةً لِكَسْبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَشْغَلُ الْمَرْءَ فِي صَلَاتِهِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ إِقَامَةِ فَرَائِضِهَا وَأَرْكَانِهَا لَا يُفْسِدُهَا وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ حَدِيثَ أَنَسٍ قَالَ كَانَ لِعَائِشَةَ قِرَامٌ قَدْ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَمِيطِي (3) عَنَّا قِرَامَكِ فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 تَعْرِضُ لِي تَصَاوِيرُهُ فِي صَلَاتِي وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ الْمَدَنِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاذًا الْقَارِئَ يَسْأَلُ أَبِي زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَالرَّجُلُ فِي قِبْلَتِهِ مُسْتَقْبِلَهُ بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنِّي مَا أُبَالِي أَعَمُودٌ مِنْ عَمَدِ الْمَسْجِدِ اسْتَقْبَلَنِي فِي صَلَاتِي أَوِ اسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا كَرِهَهُ مَنْ كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَشْغَلَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَرُبَّمَا كَانَ مِنْهُ مَا يَشْغَلُ الْمُصَلِّي الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ |