وعن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جُزْءًا وفي حديث بن عُمَرَ دَرَجَةً (...) |
وعن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جُزْءًا وفي حديث بن عُمَرَ دَرَجَةً وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مَعْنًى وَاحِدًا كُلَّهُ يُرِيدُ تَضْعِيفَ ثَوَابِ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ عَلَى ثَوَابِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَفَضْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ عَلَى أَجْرِ الْمُنْفَرِدِ فِي صَلَاتِهِ بِالْأَجْزَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ قَالَ فِيهِ هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ الْحَسَنَةُ بعشر أمثالها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَوْطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ قَالَ الْحَوْطِيُّ حَدَّثْتُ بِهِ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فِي الْمَنَامِ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ صَدَقَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْأَفْضَلِ لِكَثِيرِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَلِيلِهَا وَبِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا أَلَّا يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِعَادَةَ الْفَذِّ لِمَا صَلَّى وَحْدَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ إِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَإِذَا لَمْ يُعِدْ مَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ مَرْفُوعَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ وَكُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَزْكَى وَأَطْيَبَ وَهِيَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ فِي الْقُوَّةِ وَالثُّبُوتِ وَالصِّحَّةِ كَآثَارِ هَذَا الْبَابِ وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ الْفَضَائِلَ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهَا بِمَا صَحَّ التَّوْقِيفُ بِهِ وَاللَّهُ يَتَفَضَّلُ بِمَا شَاءَ مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْفَذِّ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلَ وَإِذَا جَازَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ وَحْدَهُ بَطُلَ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرْضًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمْ تُجْزِ لِلْفَذِّ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لَهَا كَمَا أَنَّ الْفَذَّ لَا يُجْزِئُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْإِمَامِ ظُهْرًا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ قَدِ احْتَجَّ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ حُضُورَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ فَضِيلَةٌ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا فَرْضٌ على الكفاية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ شُهُودُهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا وَأَتَى بِهَا فِي بَيْتِهِ جَزَتْ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ مَنْ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ دَلَائِلُ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَقَالَ دَاوُدُ وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ حُضُورُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الرِّجَالِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا كَالْجُمُعَةِ وَقَالُوا لَا تُجْزِئُ الْفَذَّ صَلَاتُهُ إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ النَّاسِ وَبَعْدَ أَلَّا يَجِدَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ وَاحْتَجُّوا فِي إِيجَابِ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ فَرْضًا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْرَاقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَقَالُوا لَا يَحْرِقُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِظَوَاهِرِ آثَارٍ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ وَلِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي التَّخَلُّفِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَقَوْلُهُ فَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلَمْ يَجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى شُهُودِ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ قوله لعتبان بن مالك وبن أُمِّ مَكْتُومٍ هَذَا لَوْ صَحَّ الْأَثَرُ بِمَا ذَكَرُوا فَكَيْفَ وَهِيَ آثَارٌ فِيهَا عِلَلٌ وَهِيَ محتملة للتأويل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا وَلَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ الْكَمَالَ كَمَا قَالَ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَخْلُو قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ من غير عُذْرٍ أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ صَلَاةَ النَّافِلَةِ لِأَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ فِي بَيْتِهِ وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ كُتِبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَغَلَ الْعَبْدَ عَنْ عَمَلٍ كَانَ يَعْمَلُهُ مَرَضٌ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ الْعَمَلِ مَا دَامَ فِي وِثَاقِ مَرَضِهِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ عَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ عُذْرٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَإِذَا بَطُلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ هُوَ الْمُتَخَلِّفُ عَمَّا نُدِبَ إِلَيْهِ وَجَبَ وُجُوبَ سُنَّةٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَعَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَاضِلْ بَيْنَهُمَا إِلَّا وَهُمَا جَائِزَانِ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 |