وَكَذَلِكَ أَعْلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ فَلْيُصَلِّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَهَذَا بَيّنٌ فَمَنْ وَجَدَ ثَوْبَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِمَا وَقَدِ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ (...) |
وَكَذَلِكَ أَعْلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ فَلْيُصَلِّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَهَذَا بَيّنٌ فَمَنْ وَجَدَ ثَوْبَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِمَا وَقَدِ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يُجْزِيهِ إِذَا سَتَرَ مِنْهُ عَوْرَتَهُ وَالِاخْتِيَارُ التَّجَمُّلُ بِالثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ فَهِيَ مِنَ الزِّينَةِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ امْرُؤٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ فِي قَمِيصٍ وَإِزَارٍ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَإِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَوَسِّعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَتَهْذِيبُ آثَارِ هَذَا الْبَابِ عَلَى كَثْرَتِهِ حَمْلُهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا وَكَانَ مَالِكٌ (رَحِمَهُ اللَّهُ) مَعَ اسْتِحْبَابِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى عَاتِقِ الْمُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ ثَوْبٌ قَدْ خُصَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْقَمِيصِ مَحْلُولَ الْأَزْرَارِ لَيْسَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَلَا إِزَارٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَكَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي مَحْلُولَ الْأَزْرَارِ وَقَالَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ إِذَا كَانَ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا يُزِرُّهُ أَوْ يُخَلِّلُهُ بِشَيْءٍ لِئَلَّا يَتَجَافَى الْقَمِيصُ فَيُرَى مِنَ الْجَيْبِ عَوْرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَرَأَى عَوْرَتَهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ وَاجِبٌ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ مِنَ الثِّيَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ عَوْرَتَهُ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى سَتْرِهَا لَمْ تُجِزْهِ صَلَاتُهُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ سَتْرُهَا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو الْفَرَجِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَالِكِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) قَرَنَ أَخْذَ الزِّينَةِ بِإِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ يَعْنِي بِالصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الْأَعْرَافِ 31 هِيَ الثِّيَابُ السَّاتِرَةُ لِلْعَوْرَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وروي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ وَتَقُولُ (الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أَحِلُّهُ) فَنَزَلَتْ (يبنى ءادم خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الْأَعْرَافِ 31 وَقَدْ أَوْرَدْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَاسْتَدَلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِتَارِ بِهِ وَأَنَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَعَلَيْهِ إِعَادَةُ مَا صَلَّى عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَهَذَا سُنَّةٌ وَإِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَنَّ الْآيَةَ فِي أَخْذِ الزِّينَةِ نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى أَنْ لَا يَحُجُّ هَذَا الْعَامَ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْإِسْنَادَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ قَالَ أَبُو عُمَرَ اسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ سَتْرَ الْعَوْرَةَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِفْسَادِ مَنْ تَرَكَ ثَوْبَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِتَارِ بِهِ وَصَلَّى عُرْيَانًا وَقَالَ آخَرُونَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فُرِضَ عَنْ أَعْيُنِ الْمَخْلُوقِينَ لَا مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمَنْ تَرَكَ الِاسْتِتَارَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ تَرَكَ الْجَلْسَةَ الْوُسْطَى عَامِدًا وَإِنْ كَانَتْ مَسْنُونَةً وَلِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ اعْتِلَالٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَأَصَحُّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَوْرَةِ مِنَ الرَّجُلِ مَا هِيَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مَا دُونَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَتِ السُّرَّةُ وَلَا الرُّكْبَتَانِ مِنَ الْعَوْرَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ وَكَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ وحكى بن حَامِدٍ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي السُّرَّةِ قَوْلَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى ذَيْنِكَ الْقَوْلَيْنِ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَالَتْ السُّرَّةُ مِنَ الْعَوْرَةِ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ السُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ قَالَ وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكْشِفَ فَخِذَهُ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قاله غيره وقال بن أَبِي ذِئْبٍ الْعَوْرَةُ مِنَ الرَّجُلِ الدُّبُرُ وَالْقُبُلُ دُونَ غَيْرِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وقول بن علية والطبري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 فَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجَهٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بن أبي طالب ومن حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ وَحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ وَحَدِيثِ جُرْهُمٍ الْأَسْلَمِيِّ وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَبَّلَ سُرَّةَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ سَأَلَهُ كَشْفَ ذَلِكَ فَكَشَفَ لَهُ عَنْ بَدَنِهِ فَقَبَّلَهَا وَقَالَ أُقَبِّلُ مِنْكَ مَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ مِنْهُ فَلَوْ كَانَتِ السُّرَّةُ عَوْرَةً مَا قَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا مَكَّنَهُ الْحَسَنُ مِنْهَا وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُمَا وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي أَلْفَاظِهِ اضْطِرَابٌ |