وَذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أن أبا مرة لمولى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ (...) |
وَذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أن أبا مرة لمولى
عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أُمُّ هَانِئِ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زعم بن أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي أَبِي مُرَّةَ أَنَّهُ مَوْلَى عَقِيلٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَلَكِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَاسْمُهُ يَزِيدُ وَاسْمُ أُمِّ هَانِئٍ فَاخِتَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ بِمَا يَنْبَغِي مِنْ ذكرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْكُوفِيُّونَ فِي جَوَازِ صَلَاةِ النَّهَارِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ بِلَا فَصْلٍ مِنْ سَلَامٍ وَهَذَا الَّذِي نَزَعُوا بِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَقَدْ روى بن وَهْبٍ عَنْ عِيَاضٍ الْفِهْرِيِّ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى أَنَّهُ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ الْأَثْرَمُ قِيلَ لِأَحْمَدَ أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فَقَالَ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى ثَمَانِيًا فَتَرَاهُ لَمْ يُسَلِّمْ فِيهَا وذكر حديث بن وهب هذا بإسناده عن بن عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّى الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَمَضَى تَفْسِيرُ الِالْتِفَافِ وَالِالْتِفَاعِ وَالِالْتِحَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي مُرَّةَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ الِاغْتِسَالُ بِالْعَرَاءِ إِلَى سُتْرَةٍ لِأَنَّ اغْتِسَالَهُ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْأَبْطُحِ وَفِيهِ كَانَ يَوْمئِذٍ نُزُولُهُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحُسَيْنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ قَالَ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ أَتَانِي يَوْمَ (الْفَتْحِ حَمَوَانِ) لِي فَأَجَرْتُهُمَا فَجَاءَ عَلِيٌّ يُرِيدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 قَتْلَهُمَا فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي قُبَّتِهِ بِالْأَبْطُحِ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَوَجَدْتُ (فَاطِمَةَ فَأَخْبَرْتُهَا) فَكَانَتْ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ فَقَالَتْ تُؤَمِّنِينَ الْمُشْرِكِينَ وَتُجِيرِينَهُمْ فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهَا إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى وَجْهِهِ وَهَجُ الْغُبَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَمَّنْتُ حَمَوَيْنِ لِي وإن بن أُمِّي عَلِيًّا يُرِيدُ قَتْلَهُمَا فَقَالَ مَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ ثُمَّ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَسْكُبَ لَهُ غُسْلًا فَسَكَبَتْ لَهُ فِي جَفْنَةٍ إِنِّي لِأَرَى فِيهَا أَثَرَ الْعَجِينِ ثُمَّ سَتَرَتْ عَلَيْهِ (فَاغْتَسَلَ فَقَامَ) فَصَلَّى الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ لَمْ أَرَهُ صَلَّاهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَفِيهِ أَنَّ سَتْرَ ذَوِي الْمَحَارِمِ عِنْدَ (الِاغْتِسَالِ) مُبَاحٌ حَسَنٌ وَفِيهِ جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ يَغْتَسِلُ وَفِي حُكْمِ ذَلِكَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَتَوَضَّأُ وَرَدُّ الْمُتَوَضِّئِ وَالْمُغْتَسِلِ السَّلَامَ فِي ذَلِكَ كَرَدِّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ ذَلِكَ حَالَتُهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عز وجل وإذا حييتم بتحية فحيو بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النِّسَاءِ 86 وَلَمْ يَخُصَّ حَالًا مِنْ حَالٍ إِلَّا حَالًا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْكَلَامُ وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُمَيِّزْ صَوْتَ أُمِّ هَانِئٍ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا حَتَّى قَالَ لَهَا مَنْ هَذِهِ فَقَالَتْ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ فَلَمْ يَعْرِفْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا وَكُلُّ مَنْ لَا يَرَى فَذَلِكَ أَحْرَى وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ الْحَسَنَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَطِيبِ الْكَلَامِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ وَيُرْوَى مَرْحَبًا يَا أُمَّ هَانِئٍ وَالرَّحْبُ وَالتَّسْهِيلُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى فرح المرور بِالزَّائِرِ وَفَرَحِ الْمَقْصُودِ إِلَيْهِ بِالْقَاصِدِ وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَالَ شَاعِرُهُمْ (فَقُلْتُ لَهُ أَهْلًا وَسَهْلًا وَمَرْحَبًا ... فَهَذَا مَبِيتٌ صَالِحٌ وَصَدِيقُ) وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ أَبْيَاتٍ حِسَانٍ لِعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَهُ مَدَحَ الزِّبْرِقَانَ بْنَ برد ثم ذمه لم يتناقص فِي قَوْلِهِ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَقَدْ ذَكَرْتُ الشِّعْرَ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ الثَّمَانِي رَكَعَاتٍ وَأَمَّا قولها زعم بن أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلُ رَجُلٍ أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تسمية كل شقيق بابن أم دون بن أب عند الدعاء لهم والخبر عندهم يدلك بذلك عَلَى قُرْبِ الْمَحَلِّ مِنَ الْقَلْبِ وَالْمَنْزِلَةِ مِنَ النَّفْسِ إِذْ جَمِيعُهُمْ بَطْنٌ وَاحِدٌ وَنَحْوَ هَذَا وَبِهَذَا نَطَقَ الْقُرْآنُ عَلَى لُغَتِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَاكِيًا عَنْ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ أخي موسى بن عمران (يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني) طه 94 ويا (بن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) الْأَعْرَافِ 150 وَهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَمَانِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّهَا إِذَا أَمَّنَتْ مَنْ أَمَّنَتْ حَرُمَ قَتْلُهُ وَحُقِنَ دَمُهُ وَأَنَّهَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَاتُلٌ وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ أَمَانُ الْمَرْأَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى جَوَازِ الْإِمَامِ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يُقَاتِلُ وَلَا مِمَّنْ لَهَا سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ بِأَنَّ أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ لَوْ كَانَ جَائِزًا عَلَى كُلِّ حَالٍ دُونَ إِذْنِ الْإِمَامِ مَا كَانَ عَلِيٌّ لِيُرِيدَ قَتْلَ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَمَانِ مَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ فَلَوْ كَانَ أَمَانُهَا جَائِزًا لَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَمَّنْتِهِ أَنْتِ أَوْ غَيْرُكِ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَلَمَّا قَالَ لَهَا قَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ وَأَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْإِمَامِ أَوْ رَدِّهِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِلْمِ دينه ألا ترى إلى قول بن عُمَرَ بُعِثَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ أَيْ فِي حكمنا وسنتنا إجازة مَنْ أَجَرْتِهِ أَنْتَ وَمِثْلُكِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَوْلِهِ لَهَا أَوْ مِثْلُكِ مِنَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ كان على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 خُلُقٍ عَظِيمٍ وَأَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِإِسْعَافِهَا فِي رَغْبَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَادَفَتْ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يُرِيدُ أَنَّ شَرِيفَهُمْ يُقْتَلُ بِوَضِيعِهِمْ إِذَا شَمِلَهُمُ الْإِسْلَامُ وَجَمَعَهُمُ الْإِيمَانُ وَالْحُرِّيَّةُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ لِقَوْلِهِ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَمَّنَ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ أَحَدًا جَازَ أَمَانُهُ دَنِيئًا كَانَ أَوْ شَرِيفًا رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً عَبْدَا كَانَ أَوْ حُرًّا وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُجِزْ أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَأَمَانَ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ يُرِيدُ السَّرِيَّةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الْعَسْكَرِ فَغَنِمَتْ أَبْعَدَتْ فِي خُرُوجِهَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ تَبْعُدْ تَرُدُّ مَا غَنِمَتْ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعَسْكَرِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ لِأَنَّ بِهِ وَصَلَتْ إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إِذَا نَزَلُوا بِمَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْمُسْلِمِينَ فَوَاجِبٌ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى الْكُفَّارِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ بِهِمْ قُوَّةً عَلَى مُدَافَعَتِهِمْ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُدَافَعَتُهُمْ نَدْبًا وَفَضْلًا لَا وَاجِبَ فَرْضٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ أَمَانِ الْمَرْأَةِ مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هانئ هذا من رواية الحميدي عن بن عيينة عن بن عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُرَّةَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أجرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 (حموين لي) وإن بن أُمِّي عَلِيًّا أَرَادَ قَتْلَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ وَفِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ جَارَتْ عَلَيْهِمْ جَارِيَةٌ فَلَا تُخْفِرُوهَا فَإِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي التَّمْهِيدِ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ أَيْضًا فِي التَّمْهِيدِ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعِدٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ أَمَانُهُ جَائِزٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَمَانُهُ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَعْنَاهُ وَالْحُجَّةُ فِيمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَوْرَدْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ هَانِئٍ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ ضُحًى فَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى وَلَيْسَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ |