وقوله : ( والعرش والكرسي حق )
 
ش : كما بين تعالى في كتابه ، قال تعالى : ذو العرش المجيد * فعال لما يريد . رفيع الدرجات ذو العرش . ثم استوى على العرش ، في غير ما آية من القرآن : الرحمن على العرش استوى . لا إله إلا هو رب العرش الكريم . الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم . الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا . ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية . وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم . وفي دعاء الكرب المروي في الصحيح : لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا هو رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم . وروى الإمام أحمد في حديث الأوعال عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تدرون كم بين السماء والأرض ؟ قال : قلنا الله ورسوله أعلم ، قال : بينهما مسيرة خمسمائة سنة ، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة ، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة ، وفوق السماء السابعة بحر [ بين ] أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ، [ ثم فوق ذلك ثمانية أوعال ، بين ركبهن وأظلافهن - كما بين السماء والأرض ] ، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ، والله فوق ذلك ، ليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء . ورواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجه . وروى أبو داود وغيره ، بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من حديث الأطيط ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : إن عرشه على سمواته لهكذا ، وقال بأصابعه ، مثل القبة . الحديث ، وفي صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وفوقه عرش الرحمن . يروى وفوقه بالنصب على الظرفية ، وبالرفع على الابتداء ، أي : وسقفه .
وذهب طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهة ، وربما سموه : الفلك الأطلس ، والفلك التاسع ! وهذا ليس بصحيح ، لأنه قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور . والعرش في اللغة : عبارة عن السرير الذي للملك ، كما قال تعالى عن بلقيس : ولها عرش عظيم . وليس هو فلكاً ، ولا تفهم منه العرب ذلك ، والقرآن إنما نزل بلغة العرب ، فهو : سرير ذو قوائم تحمله الملائكة ، وهو كالقبة على العالم ، وهو سقف المخلوقات . فمن شعر أمية ابن أبي الصلت :
‌ مجدوا الله فهو للمجد أهـل ربنــــا في السماء أمسى كبيراً
بالناء العالي الذي بهر النا س وسوى فوق السماء سريراً
شرجعاً لا يناله بصر العــ ـين ترى حوله المــــلائك صوراً
الصور هنا : جمع : أصور ، وهو : المائل العنق لنظره إلى العلو . والشرجع : هو العالي المنيف . والسرير : هو العرش في اللغة . ومن شعر عبد الله ابن رواحة رضي الله عنه ، الذي عرض به عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته :
شهدت بأن وعد الله حـــــــق [وأن] النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شــــــداد مــــلائكة الإله مسومينا
ذكره ابن عبد البر وغيره من الأئمة ، وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ، إن ما بين [شحمة] أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام . ورواه ابن أبي حاتم ولفظه : ثخفق الطير سبعمائة عام .
وأما من حرف كلام الله ، وجعل العرش عبارة عن الملك ، كيف يصنع بقوله تعالى : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية . وقوله : وكان عرشه على الماء . أيقول : ويحمل ملكه يومئذ ثمانية ؟! وكان ملكه على الماء ! ويكون موسى عليه السلام آخذاً من قوائم الملك ؟! هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول ؟ !
وأما الكرسي فقال تعالى : وسع كرسيه السماوات والأرض . وقد قيل : هو العرش ، والصحيح أنه غيره ، نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره . روى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش ، و الحاكم في مستدركه ، وقال : إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، في قوله تعالى : وسع كرسيه السماوات والأرض ، أنه قال : الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى . وقد روي مرفوعاً ، والصواب أنه موقوف على ابن عباس . وقال السدي : السماوات والأرض في جوف الكرسي بين يدي العرش . وقال ابن جرير : قال أبو ذر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض . وقيل : كرسيه علمه ، وينسب الى ابن عباس والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة ، كما تقدم . ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن . والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم ، كما قيل في العرش . وإنما هو- كما قال غير واحد من السلف : بين يدي العرش كالمرقاة إليه