مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ
يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ
يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَى فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ
يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ
يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَى فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ
غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَامُ شَهْرِ
رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ
يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جاء إلى
رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ
مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ قَالَ
صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا
أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَاللَّهِ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَاللَّهِ إِنْ صَدَقَ
قَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَبِيهِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ
وَذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ مَنْ طُرُقٍ
وَهَذَا الْأَعْرَابِيُّ النَّجْدِيُّ هُوَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ السَّعْدِيُّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ رَوَى
حَدِيثَهُ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ بِمَعَانٍ مُتَّفِقَةٍ وَأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ كُلُّهَا أَكْمَلُ مِنْ حَدِيثِ
طَلْحَةَ هَذَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِطُرُقِهَا فِي التَّمْهِيدِ وَفِيهَا ذِكْرُ الْحَجِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ
مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعُ الْإِسْلَامِ فِيهَا الْحَجُّ لَا شَكَّ فِيهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَصْفَ الْإِنْسَانِ بِبَعْضِ مَا فِيهِ مِنْ خِلْقَتِهِ وَإِنْ لَمْ
تَكُنْ مَحْمُودَةً فَلَيْسَ بِغَيْبَةٍ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الْوَاصِفُ عَيْبَهُ
وَفِيهَا أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ أَلَّا فَرْضَ مِنَ الصَّلَوَاتِ إِلَّا خَمْسَ وَفِي ذَلِكَ رَدُّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ
أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً إِلَى صَلَاتِكُمْ وَهِيَ الْوِتْرُ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَادَنَا فِي أَعْمَالِنَا الَّتِي نُؤْجَرُ عَلَيْهَا فَضِيلَةً
وَنَافِلَةً بِقَوْلِهِ زَادَكُمْ وَزَادَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ زَادَ عَلَيْكُمْ وَمَا لَنَا هُوَ خِلَافٌ لِمَا عَلَيْنَا
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (حفظوا على الصلوات والصلوة الْوُسْطَى) الْبَقَرَةِ
238 وَلَوْ كَانَتْ سِتًّا لَمْ تَكُنْ فيهن وسطا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370
وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ فِي سَفَرِهِ عَلَى
رَاحِلَتِهِ وَكَانَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ بِالْأَرْضِ
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَالْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ كَثِيرَةٌ
مِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَمَثَلِ نَهْرٍ الْحَدِيثَ
وَمِنْهَا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْحَدِيثَ
وَمِنْهَا حديث بن عَبَّاسٍ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَفِيهِ ذِكْرُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ سَنَّهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ ذكرنا الخبر عنه بذلك فيها سَلَفَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَطُرُقًا عَنْهُ فِي التَّمْهِيدِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ لَا فَرْضَ مِنَ الصِّيَامِ إِلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ وَهَذَا
أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ
وَفِيهِ أَنَّ الزَّكَاةَ فَرِيضَةٌ وَهُوَ أَمْرٌ أَيْضًا لَا اخْتِلَافَ فِي جُمْلَتِهِ لَكِنْ فِي تَفْصِيلِهِ
اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عبيد الله ذكر الحج وذكره بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ
فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِطُرُقِهِ فِي التَّمْهِيدِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى
خمس رواه بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَالْحَجُّ وَصَوْمُ رَمَضَانَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ بن عُمَرَ هَذَا فِي التَّمْهِيدِ
وَالْعُلَمَاءُ يُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَعْمِدَةَ الدِّينِ وَأَرْكَانَهُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا خمس على ما في
حديث بن عُمَرَ هَذَا وَهُوَ الدِّينُ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَمَا لِعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذَاهِبِ وَالتَّنَازُعِ
فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ
وَلَا أَعْلَمُ بِهَذَا الْمَعْنَى حَدِيثًا يخالف حديث بن عُمَرَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إِلَّا مَا
جاء عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ عُرَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثٌ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا مَنْ تَرَكَ مِنْهَا
وَاحِدَةً فَهُوَ حَلَالُ الدَّمِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله والصلاة وصوم رمضان
ثم قال بن عَبَّاسٍ تَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ وَلَا يُزَكِّي فَلَا نَرَاهُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَلَا يَحِلُّ بِذَلِكَ
دَمُهُ وَتَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ وَلَا يَحُجُّ فَلَا يَحِلُّ بِذَلِكَ دَمُهُ وَلَا نَرَاهُ بِذَلِكَ كَافِرًا
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٌّ الْعَامِرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ
شَعْبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ سَعِيدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ
حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ البكري
عن أبي الجوزاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ حَمَّادٌ وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا رَفَعَهُ قَالَ عُرَى الْإِسْلَامِ
فَذَكَرَهُ
وَجَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ الشَّهَادَةُ سَهْمٌ وَالصَّلَاةُ سَهْمٌ وَالزَّكَاةُ
سَهْمٌ وَحَجُّ الْبَيْتِ سَهْمٌ وَصَوْمُ رَمَضَانَ سَهْمٌ وَالْجِهَادُ سَهْمٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ
وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ وَقَدْ خَابَ من لا سهل لَهُ
رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ
وَأَمَّا فَرْضُ الْجِهَادِ وَتَقْسِيمُهُ عَلَى التَّعْيِينِ وَالْكِفَايَةِ فَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان وَاجِبًا فَإِنَّهُ لَيْسَ يَجْرِي مَجْرَى
الْخَمْسِ الَّتِي عَلَيْهَا بُنِيَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (يأيها الذين ءامنوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ
لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) الْمَائِدَةِ 105 وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَ
شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372
وروي عن بن مسعود جماعة مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ
فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُلْبِسَ النَّاسُ شِيَعًا وَأُذِيقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ وَكَانَ الْهَوَى مُتَّبَعًا
وَالشُّحُّ مُطَاعًا وَأُعْجِبَ ذُو الرَّأْيِ بِرَأْيِهِ
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْعَسْكَرِيُّ
وَقَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ ذَكَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ يَزِيدَ بِمَكَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن
عيسى أبو الحميدي عن هاشم بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَتَى لَا نَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا نَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ إِذَا كَانَ الْبُخْلُ فِي كِبَارِكُمْ
وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ وَالِادِّهَانُ فِي خِيَارِكُمْ وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ
وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْ طُرُقٍ فِي كِتَابِ جَامِعِ بَيَانِ الْعَلَمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا في قول الله تعالى (يأيها الذين
ءامنوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) الْمَائِدَةِ 105 قَالُوا أَقْبِلُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا عَلَى
قَدْرِ الطَّاقَةِ فَلَيْسَ يجري مجرى الخمسة المذكورة في حديث بن عُمَرَ لِأَنَّهَا مَا لَا
خِلَافَ فِي وُجُوبِ جُمْلَتِهَا
وَقَالَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ مُفْتَرَضًا
فِي حِينِ سُؤَالِ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَهَذَا
لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ هُوَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بن بكر وفي خبره من
رواية بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ ذِكْرُ الْحَجِّ وَكَانَ قُدُومُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ السِّيَرِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَيْسَ مَنْ قَصَّرَ عَنْ
حِفْظِ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ حَفِظَهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ
عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَالْآخِرُ عَلَى التَّرَاخِي
وَسَنُبَيِّنُ أَقْوَالَهُمْ وَوُجُوهَهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ نَدْبٌ إِلَى التَّطَوُّعِ كَأَنَّهُ قَالَ مَا عَلَيْكَ فَرْضٌ
إِلَّا الْخَمْسَ وَلَكِنْ إِنْ تَطَوَّعَتْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ
وَفِي فَضَائِلَ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا يَضِيقُ الْكِتَابُ عَنْ مَثَلِهِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373
وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَزِيدُ
عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدَّى فَرْضَ اللَّهِ وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَ اللَّهِ
عَلَيْهِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ قَدْ وَعَدَ اللَّهُ غُفْرَانَهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ
وَوَعَدَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ وَأَدُّوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَاجْتَنَبُوا كَبَائِرَ مَا يُنْهَوْنَ عَنْهُ أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنْ تجنبوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وندخلكم مدخلا
كريما والله لا يخلف الميعاد) النساء 31 آل عمران 3
أَتَى رَجُلٌ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَشْكُو إِلَيْكَ
أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ يَا أَخِي لَا تعصي اللَّهَ بِالنَّهَارِ تَسْتَعِينُ
عَلَى الْقِيَامِ بِاللَّيْلِ
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْفَضَائِلِ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ
وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ فَمَعْنَاهُ فَازَ بِالْبَقَاءِ الدَّائِمِ فِي الْخَيْرِ
وَالنَّعِيمِ وَهِيَ الْجَنَّةُ لَا يَبِيدُ نَعِيمُهَا
وَالْفَلَاحُ وَالْبَقَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى
الْفَلَاحِ
قَالَ الْأَضْبَطُ بْنُ قُرَيْعٍ
(لِكُلِّ ضِيقٍ مِنَ الْأُمُورِ سَعَهْ ... وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فلاح معه) أي لا بقاء معه
(لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكَ الْفَلَاحِ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ) وَقَالَ لَبِيَدٌ
(أَعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي ... فَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلْ)