مالك عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ
الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى قبل الخطبة
مالك وأنه بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذلك
وعن بن شهاب عن أبي عبيد مولى بن أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْنَا الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فَصَلَّى ثُمَّ (...)
 
مالك عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ
الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى قبل الخطبة
مالك وأنه بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذلك
وعن بن شهاب عن أبي عبيد مولى بن أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْنَا الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ
مِنْ نُسُكِكُمْ
وَفِيهِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَلَّى ثُمَّ انصرف فخطب
ورواه معمر عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ثُمَّ خَطَبَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَلَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي التَّمْهِيدِ مَعَانِي
هَذَا الْحَدِيثِ
فَأَمَّا حَدِيثُ بن شِهَابٍ الْمُرْسَلُ فَيَتَّصِلُ مَعْنَاهُ وَيَسْتَنِدُ مِنْ وُجُوهٍ من حديث بن عباس
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380
وحديث جابر بن عبد الله وحديث بن عُمَرَ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ كُلُّهُمْ رَوَوْا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ فِي
الْعِيدَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ والأسانيد فِي التَّمْهِيدِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ
قَالَ وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عن
بن عباس قال شهدت العيد مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
فَبَدَأُوا بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الخطبة
قال وحدثنا بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى بن أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ
مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ ثُمَّ شَهِدْنَا الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ فَبَدَأَ
بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ وَشَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيٍّ فَبَدَأَ بالصلاة قبل الخطبة
قال وحدثنا بن إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ جَمِيلَةَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيٍّ
فَلَمَّا صَلَّى خَطَبَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ يَفْعَلُهُ
قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي الْعِيدَيْنِ قَبْلَ
الْخُطْبَةِ
فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
الْمَهْدِيِّينَ بَعْدَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ
وَعَلَى هَذَا فَتْوَى جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَعُثْمَانَ
الْبَتِّيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381
وَدَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ كُلُّهِمْ لَا يَرَوْنَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَذَانًا وَلَا إِقَامَةً وَيُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقِيلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَهُوَ
الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ عُثْمَانَ لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
قَالَ حَدَّثَنَا الْخُشَنِيُّ قَالَ حدثنا بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ كَانَتِ الصَّلَاةُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا كَانَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ كَثُرَ النَّاسُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَرَادَ أَلَّا يَفْتَرِقَ النَّاسُ وَأَنْ
يَجْتَمِعُوا
فَإِنْ قيل قد روى مالك وغيره عن بن شهاب عن أبي عبيد مولى بن أَزْهَرَ أَنَّهُ قَالَ
شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ فَقَالَ إِنِ اجْتَمَعَ
لَكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عِيدَانِ الْحَدِيثَ
قِيلَ لَهُ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَيُصَحِّحُ مَعْنَاهُمَا أَنَّ عُثْمَانَ صَلَّى سِتَّ سِنِينَ أَوْ سَبْعًا كَمَا
فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ ثُمَّ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي
إِتْمَامِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ بَعْدَ قَصْرِهَا
وَمِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ يَخْطُبُونَ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَرَأَى النَّاسَ يَجِيئُونَ بَعْدَ
الصَّلَاةِ قَالَ لَوْ حَبَسْنَاهُمْ بِالْخُطْبَةِ فَخَطَبَ ثُمَّ صَلَّى
وَذَكَرَ عَبْدُ الرزاق عن بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَلَامٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ بن عفان
قال عبد الرزاق وأخبرنا بن جريج قال قال بن شِهَابٍ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ
الصَّلَاةِ مُعَاوِيَةُ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى مُعَاوِيَةُ
وَقَدْ بَلَغَنِي أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ ذَلِكَ وَكَانَ لَا يُدْرِكُ عَامَّتُهُمُ الصَّلَاةَ فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ
حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382
قال أبو عمر قد روى بن نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ فِي الْعِيدَيْنِ
قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ
قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ أَنَّ تُقَدَّمَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبِذَلِكَ عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ مَرْوَانُ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ
عَامِلٌ عَلَيْهَا لِمُعَاوِيَةَ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ مَرْوَانَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إِذْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَدْ تَرَكَ مَا هُنَالِكَ
يَا أَبَا سَعِيدٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي التَّمْهِيدِ
وَذَكَرْنَا هُنَاكَ اسْمَ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَنْ قَالَ فيه مولى بن أَزْهَرَ وَمَنْ قَالَ فِيهِ مَوْلَى عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
وَالصَّحِيحُ فِي الْأَذَانِ فِي الْعِيدَيْنِ قول سعيد بن المسيب وبن شِهَابٍ وَهُمَا مِنْ أَعْلَمِ
النَّاسِ بِالْفِقْهِ وَإِمَامَا النَّاسِ مُعَاوِيَةُ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا مَرْوَانُ وَزِيَادٌ مِنْ أُمَرَائِهِ
وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ زِيَادٌ يَعْنِي عِنْدَهُمْ بِالْبَصْرَةِ كَقَوْلِ مَنْ
قَالَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَرْوَانُ يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ
وَرَوَى اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامٌ عَنْ سَعْدٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ يَوْمًا إِلَى الْمُصَلَّى وَيَدُهُ فِي يَدِي
فَأَرَادَ أَنْ يَرْقَى الْمِنْبَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَذَبْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ صَلِّهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ
مَرْوَانُ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تُرِكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّا لَوْ فَعَلْنَا مَا تَقُولُ ذَهَبَ النَّاسُ وَتَرَكُونَا وَقَدْ
تُرِكَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ إِذًا لَا تَجِدُونَ خَيْرًا مِمَّا أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ
وأما قول بن عمر في حديث مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ إِنَّ
هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ صومهما يوم فطركم من صياتكم وَالْآخَرُ يَوْمَ
تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ
فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَمَا كَانَ مِثْلَهُ لَا لِنَاذِرِ صَوْمِهِمَا وَلَا لِمُتَطَوِّعٍ وَلَا لِقَاضٍ فِيهِمَا أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ قَبْلَ
يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ عَنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَكِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضَّحَايَا نُسُكٌ وَأَنَّ الْأَكْلَ مُبَاحٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ
إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الْحَجِّ 28 و
(الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الْحَجِّ 36
وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ
وَالْعِيدَ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ
فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ
ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عِيدَيْنِ
اجْتَمَعَا عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ اجْتَمَعَ فِيهِ عِيدَانِ وَنَحْنُ نُصَلِّيهِمَا
جَمِيعًا وَلَكُمْ رُخْصَةٌ أَيُّهَا النَّاسُ فَمَنْ شَاءَ جَاءَ وَمَنْ شاء قعد
وذكر علي بن المديني وبن أَبِي شَيْبَةَ جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلَّى بِهِمُ
الْعِيدَ ثُمَّ قَالَ إِنَّا مُجْمِعُونَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَشْهَدَ فَلْيَشْهَدِ اللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ
عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ فَلْيَجْمَعْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ
فَلْيَجْلِسْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَهَبَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إِذْنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا ذهب لأهل
العوالي إلى أنه عنده غيره معمول به
ذكر بن الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْجُمُعَةَ لَازِمَةً لِمَنْ كَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَالْعَوَالِي
عِنْدَهُمْ أَكْثَرُهَا كَذَلِكَ فَمِنْ هُنَا لَمْ يَرَ الْعَمَلَ عَلَى إِذْنِ عُثْمَانَ وَرَأَى أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ
خِلَافَهُ بِاجْتِهَادِهِ إِلَى رُؤَى الْجَمَاعَةِ الْعَامِلِينَ بِالْمَدِينَةِ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ إِذْنَ عُثْمَانَ كَانَ لِمَنْ لَا
تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبْ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ عِنْدَ
الكوفيين
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَتَجِبُ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ
وَلَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ بَالِغًا مِنَ الرِّجَالِ
الْأَحْرَارِ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ في هذا الباب عن بن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ قَوْلٌ مُنْكَرٌ أَنْكَرَهُ فُقَهَاءُ
الْأَمْصَارِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ
وَذَلِكَ أَنَّ عبد الرزاق روى عن بن جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ إِنِ اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
وَيَوْمُ الْفِطْرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلْيَجْمَعْهُمَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَلَا يُصَلِّي بَعْدَهَا حَتَّى
العصر
قال بن جُرَيْجٍ ثُمَّ أَخْبَرْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اجْتَمَعَ يَوْمُ فِطْرٍ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
في زمن بن الزبير فقال بن الزُّبَيْرِ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِكُرَةً صَلَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ عطاء يقول اجتمع عيدان على عهد
بن الزُّبَيْرِ فَصَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى العصر
قال أبو عمر أما فعل بن الزُّبَيْرِ وَمَا نَقَلَهُ عَطَاءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَفْتَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدِ
اخْتَلَفَ عَنْهُ فَلَا وَجْهَ فِيهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ خَطَأٌ إِنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ
لِأَنَّ الْفَرْضَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يَسْقُطُ بِإِقَامَةِ السُّنَّةِ فِي الْعِيدِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ
وَقَدْ رَوَى فِيهِ قَوْمٌ أَنَّ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّاهَا لِجَمَاعَةٍ ضُحَى يَوْمِ الْعِيدِ نَوَى بِهَا صَلَاةَ
الْجُمُعَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَوَقْتَ الْجُمُعَةِ وَاحِدٌ
وَقَدْ أَوْضَحْنَا فَسَادَ قَوْلِ مِنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ
وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يخرج إليهم لأن صَلَّاهَا فِي أَهْلِهِ ظُهْرًا أَرْبَعًا
وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ فِي الْخَبَرِ الْوَارِدِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْهُ
وَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ خَطَأٌ وَلَيْسَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَأْخُوذِ بِهِ
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ سَمِعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ رُفَيعٍ قَالَ حَدَّثَنِي ذَكْوَانُ أَبُو صَالِحٍ أَنَّ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ وقال إنكم قد
أصبتم ذكرا وخبرا وَنَحْنُ مُجْمِعُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْمَعَ فَلْيَجْمَعْ
وَمَنْ شَاءَ أَنْ يجلس فليجلس
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385
وقد روي حدث عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ مُسْنَدًا وَإِنْ كَانَ بن الْمَدِينِيِّ قَالَ إِنِ الْمُرْسَلَ
فِيهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدِيثٌ شَرِيفٌ فَالْمُسْنَدُ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَلِّي وَعَمْرُو بْنُ حَفْصٍ قَالَا حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ
حَدَّثْنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُغِيرَةِ الضَّبِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ
شَاءَ أَجَزَّأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجْمِعُونَ
وَأَسْنَدَهُ أَيْضًا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ العزيز بن رفيع عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عِيدٍ وَيَوْمِ جُمُعَةٍ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ عِيدُكُمْ هَذَا وَالْجُمُعَةُ وَإِنِّي مُجْمِعٌ فَمَنْ أَحَبَّ
أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ مِنْكُمْ فَلْيَشْهَدْهَا فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ
بِالنَّاسِ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي
رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ هَلْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ صَنَعَ قَالَ
صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَصِلْ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَ مَا حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ آثَارِ هَذَا الْبَابِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا وَمَا سَكَتْنَا عَنْهُ أَنَّ
صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُقِمْهَا الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُمْ أَقَامُوهَا بَعْدَ إِذْنِهِمُ
الْمَذْكُورِ عَنْهُمْ وَذَلِكَ عِنْدَنَا لِمَنْ قَصَدَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ أهل المصر والله أعلم
ذكر بن الْمَدِينِيِّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل
أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ قَرَأَ بِهِمَا فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا مُرْسَلُهَا وَمُسْنَدُهَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَ
صَلَاةِ الْعِيدِ شَيْئًا إِلَّا صَلَاةَ الْعَصْرِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَبُو الْبُحْتُرِيِّ الطَّائِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو
مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُثْبَتَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِنَ الْأَحْرَارِ
الْبَالِغِينَ
فقال بن عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْحَسَنُ البصري ونافع مولى بن عُمَرَ
تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ وَخَارِجًا عَنْهُ مِمَّنْ إِذَا شَهِدَ الْجُمُعَةَ أَمْكَنَهُ
الِانْصِرَافُ إِلَى أَهْلِهِ فَآوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ
وَبِهَذَا قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَرُوِيَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ مَا كَتَبْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَمِثْلَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ
وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ
وذكر معمر عن هشام بن عروة بن عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ كَانَ أَبِي
مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَرُبَّمَا شَهِدَ الْجُمُعَةَ وَرُبَّمَا لَمْ يَشْهَدْهَا
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يَنْزِلُ إِلَيْهَا مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ
وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وَخَرَجَ
مِنْ بَيْتِهِ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثٌ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ
أَمْيَالٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ مِمَّنْ
كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الله بن عمرو بن العاص وبن الْمُسَيَّبِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ وَلَيْسَتْ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَسْمَعُ
النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ وَلَا شَرِيقَ يَعْنِي الْعِيدَ إِلَّا فِي الْمِصْرِ الْجَامِعِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّ الصَّوْتَ النَّدِيَّ
قَدْ يُسْمَعُ مِنْ ثَلَاثَةِ أميال
وقد ذكره بن عَبْدُوسٍ عَنْ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عَزِيمَةُ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ كَانَ
بِمَوْضِعٍ يُسْمَعُ مِنْهُ النِّدَاءُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَمَنْ كَانَ أَبْعَدَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ إِلَّا أَنْ
يَرْغَبَ فِي شُهُودِهَا
وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ فِي هذه المسألة وأصحها والله أعلم
وأما قول بن عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَجَاءَ
يُصَلِّي ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ فَإِنَّ الْعِيدَ إِذَا كَانَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فِيهِ دُونَ
إِمَامٍ فَالْجُمُعَةُ أَحْرَى بِذَلِكَ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةَ الْعِيدِ مِمَّا يُقِيمُهُ السُّلْطَانُ لِلْعَامَّةِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ
قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَرْضِهِ عَلَى عِبَادِهِ فَرَائِضُ لَا يُسْقِطُهَا مَوْتُ
الْوَالِي يَعْنِي الْجُمُعَةَ
وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ إِنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ إِقَامَتُهَا بِغَيْرِ سُلْطَانٍ كَسَائِرِ صَلَوَاتِ الْجَمَاعَةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
وَالْجُمُعَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ كَالْحُدُودِ لَا يُقِيمُهَا إِلَّا السُّلْطَانُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَهْلَ مِصْرَ لَوْ مَاتَ وَالِيهِمْ لَجَازَ لَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا
رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمُ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ وَالٍ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُصَلُّونَ بِإِذْنِ الْوَالِي
وَقَالَ دُوَادُ الْجُمُعَةُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى وَالٍ وَلَا إِلَى إِمَامٍ وَلَا إِلَى خُطْبَةٍ وَلَا إِلَى مَكَانٍ
وَيَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ عِنْدَهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَجْمَعُ مَعَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَتَكُونُ جُمُعَةً
قَالَ وَلَا يُصَلِّي لِعِيدٍ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَقَوْلُ دَاوُدَ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ
الْإِمَامُ إِلَّا فِيمَا يَفْجَأَهُمْ مَوْتُ الْإِمَامِ فِيهِ وَأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ
وَجُمْهُورُهُمْ أَيْضًا يَقُولُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِخِطْبَةٍ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْوَالِي وَالْمَكَانِ اخْتِلَافٌ
كَثِيرٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْجُمُعَةَ يُقِيمُهَا السُّلْطَانُ وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَيْهِ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ وَإِنَّمَا
اخْتَلَفُوا عِنْدَ نُزُولِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَوْتِ الْإِمَامِ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ عَزْلِهِ وَالْجُمُعَةُ قَدْ حَانَتْ
فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ ظُهْرًا أَرْبَعًا
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ بَعْضُهُمْ بِخُطْبَةٍ وَيَجْزِئُهُمْ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قَالَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ
بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ أَتَرَى أَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَ مَنْ جَمَعَ بِالنَّاسِ وَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ صَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب وعثمان محصورا! ! وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي
التَّمْهِيدِ مِنْ طُرُقِ أَبِي قَتَادَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَهُوَ مَحْصُورٌ أَنْتَ إِمَامُ الْعَامَّةِ وَيُصَلِّي بِنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ قَالَ صَلَّيَا خَلْفَهُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ
أَحْسَنُ مَا صَنَعَ الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإن أساؤوا فاجتنب إساءتهم
وكان بن وَضَّاحٍ يَقُولُ إِنَّ الَّذِي عَنَى بِهِ إِمَامَ فِتْنَةٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ الُبَلَوِيُّ
وَهُوَ الَّذِي اخْتَلَفَ عَلَى عُثْمَانَ بِأَهْلِ مِصْرَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ
وَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ إِمَامُ فِتْنَةٍ أَيْ إِمَامٌ فِي فِتْنَةٍ لِأَنَّ الْجَمَاعَاتِ وَالْأَعْيَادَ نِظَامُهَا
وَتَمَامُهَا الْإِقَامَةُ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389
وَقَدْ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي حِينِ حِصَارِ عُثْمَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُضَلَاءِ الْجِلَّةِ مِنْهُمْ أَبُو أَيُّوبَ
الْأَنْصَارِيُّ وَطَلْحَةُ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ وَغَيْرُهُمْ وَصَلَّى بِهِمْ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَاةَ الْعِيدِ فَقَطْ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ صَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ بَعْدَ رَجُلٍ
وَذَكَرَ الْحَسَنُ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَسَنٍ الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ قَالَ سمعت بن
الْمُبَارَكِ يَقُولُ مَا صَلَّى عَلِيٌّ بِالنَّاسِ حِينَ حُوصِرَ عُثْمَانُ إِلَّا صَلَاةَ الْعِيدِ وَحْدَهَا فَقَطْ
وَفِي التَّمْهِيدِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى زِيَادَاتٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقِ
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ أَخْبَرَنَا بِهِ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْهُ سَمَاعًا مِنْهُ قَالَ حَدَّثْنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ الْحِمَّانِيِّ قَالَ لَمْ يَزَلْ طَلْحَةُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ
مَحْصُورٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ صَلَّى عَلِيٌّ بِالنَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ