وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ (...)
 
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ
غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْحُجَرِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي
وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا
ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411
الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ
الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ
فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ القبر
وكذلك رواه بن شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ أَصَحِّ مَا يُرْوَى فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَتِ الْآثَارُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عَنْهُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهَا
فِي التَّمْهِيدِ
فَأَمَّا أَحَادِيثُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا تَضَمَّنَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
رُكُوعَانِ
وَبِذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ
فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ الثَّانِي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ
فِيهَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ دُونَ
الْأَوَّلِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَكُونُ الرَّكْعَةُ الْأَوْلَى قِيَامُهَا وَحْدَهُ أَطْوَلُ مِنْ قِيَامِ سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ وَكَذَلِكَ رُكُوعُهَا الْأَوَّلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُونَ الْأَوَّلِ فِيهَا وَكَذَلِكَ رُكُوعُهَا
الثَّانِي دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ فِيهَا وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَلَا حَرَجَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي التَّمْهِيدِ
وَفِيمَا ذَكَرْنَا بَعْدُ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا يُبَيِّنُ مَذْهَبَهُمَا فِي ذَلِكَ
وَقَالَ مَالِكٌ لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ السُّجُودَ يَطُولُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَرَأَتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَطْوِيلَ السجود ورواية عن بن عُمَرَ
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ صَلَاةُ الْكُسُوفِ كَهَيْئَةِ
صَلَاتِنَا رَكْعَتَانِ نَحْوَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ الدُّعَاءُ حَتَّى يَنْجَلِيَ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
وَرَوَى مُحَمَّدٌ قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَقَبِيصَةَ
الْهِلَالِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412
وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي التَّمْهِيدِ وَهِيَ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ صِحَاحٌ إِلَّا أَنَّ الْمَصِيرَ إِلَى زِيَادَةِ
مَنْ حَفِظَ أَوْلَى
فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَثَمَانِي رَكَعَاتٍ فِي
رَكْعَةٍ وَسِتِّ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ فَهَلَّا صِرْتَ إِلَى زِيَادَةِ مَنْ
زَادَ فِي ذَلِكَ قِيلَ لَهُ تِلْكَ آثَارٌ مَعْلُولَةٌ ضَعِيفَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا عِلَلَهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَمِنْ أَحْسَنِ حَدِيثٍ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ حَدِيثُ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوفِ نَحْوَ صَلَاتِكُمْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ
رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ حَتَّى تَجَلَّتْ
رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ
وَقَالَ قَبِيصَةُ الْهِلَالِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوِ الْقَمَرُ
فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مَكْتُوبَةً
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ
وَإِنَّمَا يَصِيرُ كُلُّ عَالِمٍ إِلَى مَا رَوَى عَنْ شُيُوخِهِ وَرَأَى عَلَيْهِ أَهْلَ بَلَدِهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا بِإِبَاحَةٍ وَتَوْسِعَةٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ
الْكُسُوفِ مِرَارًا فَحَكَى كُلٌّ مَا رَأَى كُلٌّ صَادِقٌ قَدْ جَعَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَالنُّجُومِ فَكُلُّهُمْ فِي النَّقْلِ مَنِ اقْتَدَى بِهِ اهْتَدَى
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْعَلَمِ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا ظَنُّ مَنْ ظَنَّ مِنَ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ركوعه
ركوعتين فِي رَكْعَةٍ إِلَّا لِرَفْعِهِ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ لِيَعْلَمَ هَلْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ أَمْ لَا فَلَيْسَ
ذَلِكَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فِي
صَحْرَاءَ قَطُّ فِيمَا عَلِمْتُ وَإِنَّمَا صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي
الْآثَارِ الصحاح
وقد ذكر بن أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ عَنْ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413
حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عُرْوَةَ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوِ الْقَمَرُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ
عَلَيْكُمْ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ لَيْسَ فِيهَا أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ
لَوْ نَادَى مُنَادٍ لِصَلَاةٍ لِيَخْرُجَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ
سَعْدٍ الْقِرَاءَةُ فِيهَا سرا
وفي حديث بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ نَحْوٌ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْقِرَاءَةَ كَانَتْ سِرًّا
وَرَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ قَالَ فَقَامَ
لَنَا كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا قَطُّ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ
فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ فَحَزَرْتُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ قَالَ
وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ آل عمران
وقد روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ كُنْتُ جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَرْفًا
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ حَزَرُوا قِرَاءَتَهُ بِالرُّومِ ويسن أَوِ الْعَنْكَبُوتِ
وَالَّذِي اسْتَحَبَّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأَوْلَى بِالْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِآلِ عِمْرَانَ
وَفِي الثَّالِثَةِ بِقَدْرِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ آيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ بِقَدْرِ خَمْسِينَ آيَةً مِنَ
الْبَقَرَةِ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ أُمَّ الْقُرْآنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
وَرَوَوْا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ جَهَرَ
ذَكَرَهُ وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ حَنَشٍ الْكِنَانِيِّ أَنَّ عَلِيًّا
جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ في الكسوف
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414
قَالَ وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى
فِي كُسُوفٍ رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ فِي إِحْدَاهُمَا بِالنَّجْمِ
قَالَ وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَجْمَعٍ عَنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَانَ بْنَ
عُثْمَانَ قَرَأَ فِي الْكُسُوفِ (سَأَلَ سَائِلٌ) الْمَعَارِجِ 1
قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عِيسَى قَالَ صَلَّى بِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى حِينَ انْكَسَفَ الْقَمَرُ مِثْلَ صِلَاتِنَا هَذِهِ
فِي رَمَضَانَ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ بِ يس
وَرَوَوْا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ أَنَّهُمْ جَهَرُوا
بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي
صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ
وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ
وَكُلُّهُمْ لَيِّنُ الْحَدِيثِ فِي الزُّهْرِيِّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ حديث بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ بِمَا يُعَارِضُ حَدِيثَ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَيَدْفَعُهُ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ بِالْجَهْرِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ
سُنَّتُهَا أَنْ تُصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَاتِ فَسُنَّتُهَا الْجَهْرُ كَالْعِيدَيْنِ
وَالِاسْتِسْقَاءِ قَالُوا فَكَذَلِكَ الْكُسُوفُ
قَالَ الطَّبَرِيُّ إِنْ شَاءَ جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَإِنْ شَاءَ أَسَرَّ وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ وَرَكَعَ فِيهَا رُكُوعَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعَ قِرَاءَاتٍ وَرَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَإِنْ
شَاءَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْسَنَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَهَلْ تُصَلَّى فِي كُلِّ النهار أم لا
فروى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَا تُصَلَّى الْكُسُوفُ إِلَّا فِي حِينٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ
النَّافِلَةُ فَإِنْ كَسَفَتْ فِي غَيْرِ حِينِ صَلَاةٍ لَمْ يُصَلُّوا فَإِنَّ جَازَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَنْجَلِ
صَلَّوْا فَإِنْ تَجَلَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُصَلُّوا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْهُ قَالَ لَا أَرَى أَنْ تُصَلَّى الْكُسُوفُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنَّمَا سُنَّتُهَا أَنْ
تُصَلَّى ضَحًى إِلَى الزَّوَالِ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ تُصَلَّى الْكُسُوفُ نِصْفَ النَّهَارِ لِأَنَّ نِصْفَ النَّهَارِ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ
لِسُرْعَةِ الشَّمْسِ
قَالَ اللَّيْثُ حَجَجْتُ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَعَلَى الْمَوْسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ وَبِمَكَّةَ
عَطَاءُ بْنُ أَبِي رباح وبن أبي مليكة وبن شِهَابٍ وَعِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ
وَقَتَادَةُ وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَامُوا قِيَامًا
يَدْعُونَ اللَّهَ فِي الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ لِأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى مَا لَهُمْ لَا يُصَلُّونَ فَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوفِ فَقَالَ النَّهْيُ جَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلِذَلِكَ لَا
يُصَلُّونَ وَالنَّهْيُ يَقْطَعُ الْأَمْرَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالطَّبَرِيُّ لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْكُسُوفِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ
عَنْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُصَلَّى صَلَاةُ الْكُسُوفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ نِصْفَ النَّهَارِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ
قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ
وَحُجَّتُهُمَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ
وَالصُّبْحِ إِلَّا عَنِ النَّافِلَةِ الْمُبْتَدَأَةِ لَا عَنِ الْمَكْتُوبَاتِ وَلَا عَنِ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَاتِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَاضِحًا فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ تُصَلَّى صَلَاةُ الْكُسُوفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَّا فِي حِينِ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَغُرُوبِهَا
وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ إِنْ شَاءَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ سِتَّ
رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ كُلُّ ذَلِكَ مُؤْتَلَفٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَزِيدُ فِي
الرُّكُوعِ إِذَا لَمْ يَرَ الشَّمْسَ قَدْ تَجَلَّتْ فَإِذَا تَجَلَّتْ سَجَدَ
قَالَ وَلَا يُزَادُ عَلَى هَذِهِ الرَّكَعَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ
ذَلِكَ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يُجْمَعُ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ وَلَكِنْ يُصَلِّي
النَّاسُ أَفْرَادًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ
وَالْحُجَّةُ لَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ
وَخَصَّ صَلَاةَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416
كُسُوفِ الشَّمْسِ بِالْجَمْعِ لَهَا وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْقَمَرِ فَخَرَجَتْ صَلَاةُ كُسُوفِ
الشَّمْسِ بِدَلِيلِهَا وَمَا وَرَدَ مِنَ التَّوْقِيتِ فِيهَا وَبَقِيَتْ صَلَاةُ الْقَمَرِ عَلَى أَصْلِ مَا عَلَيْهِ
النَّوَافِلُ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُجْمَعُ فِي صَلَاةِ الْقَمَرِ وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا كَهَيْئَةِ الصَّلَاةِ فِي
كُسُوفِ الشَّمْسِ
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن أبي سلمة ذكره بن وَهْبٍ عَنْهُ وَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فادعوا إلى الصلاة
وقال الشافعي أَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ
فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ كَهِيَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ سَوَاءٌ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ
آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَانَ الذِّكْرُ الَّذِي فَزَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ هِيَ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ فَكَذَلِكَ خُسُوفُ الْقَمَرِ تُجْمَعُ الصَّلَاةُ لِخُسُوفِهِ
كَهِيَ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جمع بينهما في
الذكر وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ
لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَصَلُّوا حَتَّى
يُكْشَفَ مَا بِكُمْ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ
وَقَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ الصَّلَاةُ عِنْدَ إِحْدَاهُمَا فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ الْأُخْرَى
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا صَلَّيَا فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ
جَمَاعَةً رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالطَّبَرِيِّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْكُسُوفِ
كَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن عائشة فِي حَدِيثِ
الْكُسُوفِ وَفِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا
لِحَيَاتِهِ الْحَدِيثَ وَبِهِ احْتَجَّ كُلُّ مَنْ رَأَى الْخُطْبَةَ فِي الْكُسُوفِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا لَا خُطْبَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا خَطَبَ النَّاسَ
لِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبراهيم بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ
خَطَبَهُمْ يُعَرِّفُهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ
وَكَانَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَيَانِ الصَّلَاةَ عِنْدَ الزَّلْزَلَةِ وَلَا عِنْدَ الظُّلْمَةِ والريح الشديد
وَرَآهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وإسحاق وأبو ثور
وروي عن بن عباس أنه صلى في الزلزلة
وقال بن مَسْعُودٍ إِذَا سَمِعْتُمْ هَادًّا مِنَ السَّمَاءِ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةِ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ أَنَّ الزَّلْزَلَةَ
كَانَتْ فِي عَصْرِهِ وَلَا صَحَّتْ عَنْهُ فِيهَا سُنَّةٌ وَقَدْ كَانَتْ أَوَّلَ مَا كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ
عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ أَحْدَثْتُمْ وَاللَّهِ لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ أظهركم
رواه بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ قَالَتْ زُلْزِلَتِ الْمَدِينَةُ
عَلَى عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى اصْطَكَّتِ السُّورُ فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا أَسْرَعَ
مَا أَحْدَثْتُمْ وَاللَّهِ لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ بالبصرة فقال
بن عَبَّاسٍ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ أَمْ بِي أَرْضٌ فَقَامَ بِالنَّاسِ فَصَلَّى مِثْلَ
صَلَاةِ الْكُسُوفِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ
اللُّغَةِ احْتَبَسْتَ وَتَأَخَّرْتَ
وَقَالَ الْفُقَهَاءُ مَعْنَاهُ تَقَهْقَرْتَ
وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ مُتَقَارِبٌ
وَقَالَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ
(وَلَكِنَّنِي أَمْضِي عَلَى ذَاكَ مُقَدَّمًا ... إِذَا بَعْضُ مَنْ لَاقَى الرِّجَالَ تَكَعْكَعَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَرَأَيْتُ النَّارَ فَإِنَّ الْآثَارَ فِي رُؤْيَتِهِ
لَهُمَا كَثِيرَةٌ وَقَدْ رَآهُمَا مِرَارًا عَلَى مَا جَاءَتْ عَنْهُ الْآثَارُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ كَيْفِيَّةِ رُؤْيَتِهِ لَهُمَا
فَيُمْكِنُ أَنْ يَتَمَثَّلَا لَهُ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا بِعَيْنَيْ وَجْهِهِ كَمَا مَثَلَ لَهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ حِينَ كَذَّبَهُ
الْكُفَّارُ فِي الْإِسْرَاءِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ عَنْهُ
وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ الْقَلْبِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَكَذَلِكَ نرى إبراهيم ملكوت
السموت وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) الْأَنْعَامِ 75
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
فَقَالَ مُجَاهِدٌ فُرِجَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ فَنَظَرَ إِلَى مَا فِيهِنَّ حَتَّى انْتَهَى بَصَرُهُ إِلَى الْعَرْشِ
وَفُرِجَتْ لَهُ الْأَرْضُونَ السَّبْعُ فَنَظَرَ إِلَى مَا فِيهِنَّ
ذَكَرَهُ حَجَّاجٌ عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ
وَذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَمَلَكُوتُ الْأَرْضِ
الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالْبِحَارُ
وَالظَّاهِرُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ رَأَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ رُؤْيَةَ عَيْنٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَتَنَاوَلَ مِنَ الْجَنَّةِ عُنْقُودًا عَلَى حَسَبِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَلَمْ أَرَ
كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَحَقُّ النَّظَرِ إِذَا أَطْلَقُوا الرُّؤْيَةَ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى بِهِمَا رُؤْيَةَ الْعَيْنِ إِلَّا
بِدَلِيلٍ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ
وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي التَّمْهِيدِ مِنَ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ الشَّاهِدَةِ بِهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ
أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ وُجُوهٍ
شَتَّى مُتَوَاتِرَةٍ
مِنْهَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْتُ عَلَى بَابِ
الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ وَإِذَا أَصْحَابُ الْجِدِّ مَحْبُوسُونَ إِلَّا أَصْحَابَ النَّارِ
فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ
وَهَذَا أَثْبَتُ مَا يُرْوَى مِنَ الْآثَارِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419
وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ فِي التَّمْهِيدِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالُوا لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ
وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ
فَهَكَذَا رِوَايَةُ يَحْيَى وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ بِالْوَاوِ والمحفوظ فيه عن مالك من رواية بن
القاسم والقعنبي وبن وَهْبٍ وَعَامَّةِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ بِغَيْرِ وَاوٍ وَهُوَ
الصَّحِيحُ فِي الرِّوَايَةِ وَالظَّاهِرُ مِنَ الْمَعْنَى
وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى فَالْوَجْهُ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ لِمَا قَالَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ لَمْ
يُجِبْهُ عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ جَوَابًا مَكْشُوفًا لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ أَنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ كَمَا
مِنَ الرِّجَالِ مَنْ يَكْفُرُ بِاللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَمَعَ إِيمَانِهِنَّ بِاللَّهِ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَالْإِحْسَانَ وَلَمْ
يُجَاوِبْهُ عَنْ كُفْرِهِنَّ بِاللَّهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ
أَلَّا تَرَى قَوْلَهُ لِلنِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ فَالْعَشِيرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
الزَّوْجُ
وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ كُفْرُ النِّسَاءِ لِحُسْنِ مُعَاشَرَةِ الزَّوْجِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ
كُفْرَهُنَّ بِالْإِحْسَانِ جُمْلَةً فِي الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَلِيطُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ
وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) الْحَجِّ 13
قَالَ الشَّاعِرُ
(فَتِلْكَ الَّتِي لَمْ يشكها في خليفة ... عَشِيرٌ وَهَلْ يَشْكُو الْكَرِيمَ عَشِيرُ) وَقَالَ آخَرُ
(سَلَا هَلْ قَلَانِي مِنْ عَشِيرٍ صَحِبْتُهُ ... وَهَلْ ذَمَّ رَحْلِي فِي الرِّفَاقِ دَخِيلُ) وَقَدْ ذَكَرْنَا
في التمهيد من طرق قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى امْرَأَةٍ
لَا تَعْرِفُ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَا شُكْرَهُ وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ
عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَكَثِيرًا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُصَدِّقُونَ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ
الْقَبْرِ لِتَوَافُرِ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ أَثْبَتْنَا مِنْهَا فِي التَّمْهِيدِ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَالْخُسُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَهَابُ لَوْنِهَا
وَأَمَّا الْكُسُوفُ فَتَغَيُّرُ لَوْنِهَا
قَالُوا يُقَالُ بِئْرٌ خَسِيفٌ إِذَا ذَهَبَ مَاؤُهَا وَفُلَانٌ كَاسِفُ اللَّوْنِ أَيْ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ إِلَى
الصُّفْرَةِ
وَقَدْ قِيلَ الْكُسُوفُ وَالْخُسُوفُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ