ذَكَرَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ (...) |
ذَكَرَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ
بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْا فَاسْتَقْبَلُوهَا عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَقَدْ رَوَاهَا بَعْضُهُمْ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ وَمَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ بن عُمَرَ فَقَدْ أَخْطَأَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِي جَمِيعِ الْمُوطَّآتِ وَجَمَاعَةِ الرُّوَاةِ عَنْهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَإِيجَابِ الْحُكْمِ بِمَا صَحَّ مِنْهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدِ اسْتَعْمَلُوا خَبَرَهُ وَقَضَوْا بِهِ وَتَرَكُوا قِبْلَةً كَانُوا عَلَيْهَا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَحَسْبُكَ بِمِثْلِ هَذَا سُنَّةً وَعَمَلًا مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ وَفِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُخْبِرُ الَّذِي أَخْبَرَ خَيْرَ الْقُرُونِ أَهْلَ قُبَاءَ هُوَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ الْأَنْصَارِيُّ قَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ وَفِيهِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا بَعْدَ شَيْءٍ وَفِي حَالٍ بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 حَالٍ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ حَتَّى أَكْمَلَ اللَّهُ دِينَهُ وَقَبَضَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ كَانَ يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ نَجْمًا بَعْدَ نَجْمٍ وَحِينًا بَعْدَ حِينٍ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فلا أقسم بموقع النجوم) الْوَاقِعَةِ 75 قَالُوا الْقُرْآنُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَوُضِعَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي التَّمْهِيدِ وقال الله عز وجل (إنا أنزلنه في ليلة القدر وما أدرك ما ليلة القدر) القدر 1 2 يعني القرآن قال بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جملة وحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلنه ترتيلا) الْفُرْقَانِ 32 وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَذَلِكَ فِي الْآثَارِ عَنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ إِلَى إِيرَادِهِ هُنَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل (سيقول السفهاء من الناس ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) الْبَقَرَةِ 142 وَاخْتَلَفُوا فِي السُّفَهَاءِ هُنَا فَقِيلَ الْمُنَافِقُونَ وَقِيلَ الْيَهُودُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً ترضها) الْبَقَرَةِ 144 وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَهُوَ مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَقَدْ أَوْرَدْنَا مِنَ الْآثَارِ فِي التَّمْهِيدِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ شَأْنُ الْقِبْلَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صُرِفَ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ بِالْمَدِينَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاتِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَانَتْ صَلَاتُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ حِينِ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 إِلَى أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَجِيهُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مجاهد عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول ما افْتُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَةِ طُولَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَقِيلَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَةِ ذَكَرَ سُنَيْدٌ عن حجاج عن بن جريج قال قال بن عَبَّاسٍ صَلَّى أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ عَنْهَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَصَلَّتِ الْأَنْصَارُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حِجَجٍ وَصَلَّى بَعْدَ قُدُومِهِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قبلة ترضها) الْبَقَرَةِ 144 فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَا نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْيَهُودَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 وَذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَوَّلُ مَا نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْيَهُودُ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةَ عشر شهرا وكان صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ يَدْعُو اللَّهَ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام) الْبَقَرَةِ 144 فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَقَالُوا (مَا ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) الْبَقَرَةِ 142 فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) الْبَقَرَةِ 142 وَقَالَ (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) الْبَقَرَةِ 115 وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ على عقبيه) البقرة 143 قال بن عَبَّاسٍ وَلِيُمَيِّزَ أَهْلَ الْيَقِينِ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) الْبَقَرَةِ 143 يَعْنِي تَحْوِيلَهَا عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ لَا عَلَى الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّارُ بِبَغْدَادَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٌ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكتب ليعلمون أنه الحق من ربهم) الْبَقَرَةِ 144 يَقُولُ إِنَّ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ وَالْأَنْبِيَاءِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ) وَلَكِنَّهُمْ تَرَكُوهَا عَمْدًا وَقَالَ فِي قَوْلِهِ (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ ليكتمون الحق) الْبَقَرَةِ 146 يَقُولُ يَكْتُمُونَ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكْتُمُونَ أَيْضًا أَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْكَعْبَةُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الْبَقَرَةِ 147 يَقُولُ لَا تَكُنْ فِي شَكٍّ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ قِبْلَتُكَ وَكَانَتْ قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَتَهُ وَكَانَتِ الصَّخْرَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ يَهُودِيٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَسْجِدُ صَالِحٍ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فَإِنِّي صَلَّيْتُ فِي مَسْجِدِ صَالِحٍ وَقَبِلَتُهُ الْكَعْبَةُ وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ أَنَّهُ رَأَى مَسْجِدَ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقُبْلَتُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَأَنَّ الْقِبْلَةَ كَانَتْ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَكُلُّ مَا دَانَ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَيْهَا صَلَّى النَّبِيُّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مُذْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبَادَهُ بِالتَّوَجُّهِ نَحْوَهَا فِي صَلَاتِهِمْ هِيَ الْكَعْبَةُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ بِمَكَّةَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) الْبَقَرَةِ 150 وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ عَايَنَهَا وَشَاهَدَهَا اسْتِقْبَالُهَا بِعَيْنِهَا وَأَنَّهُ إِنْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَهَا وَهُوَ مُعَايِنٌ لَهَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَجْمَعُوا أَنْ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا بَعُدَ أَوْ قَرُبَ أَنْ يَتَوَجَّهَ فِي صَلَاتِهِ نَحْوَهَا بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جِهَتِهَا مِنَ النُّجُومِ وَالْجِبَالِ وَالرِّيَاحِ وَغَيْرِهَا وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا طَلَبٍ لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ جِهَتَهَا فِي صَلَاتِهِ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ كَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى حُكْمُ مَنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي مَسْجِدٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ طَلَبُ الْقِبْلَةِ وَعِلْمُهَا وَوُجُودُهَا بِالْمِحْرَابِ وَشِبْهِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ غَابَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى مُجْتَهِدًا كَمَا أُمِرَ ثُمَّ بَانَ لَهُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ بِأَنِ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ ثُمَّ بَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى مُجْتَهِدًا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ طَالِبًا لِلْقِبْلَةِ بِاجْتِهَادِهِ يَؤُمُّ نَاحِيَتَهَا إِذَا خَفَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ لَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ جِدًّا فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَالْوَقْتُ فِي ذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ مَا لَمْ يَنْفَجِرِ الصُّبْحُ وَفِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا لَمْ تُسْفَرْ جِدًّا وَوَجْهُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ اسْتِدْرَاكُ الْكَمَالِ وَذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ مُؤَكَّدٌ عِنْدَهُمْ فَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ قَطَعَ وَابْتَدَأَ وَإِنْ لَمْ يُشَرِّقْ وَلَمْ يُغَرِّبْ وَلَكِنَّهُ انْحَرَفَ انْحِرَافًا يَسِيرًا فَإِنَّهُ يَنْحَرِفُ إِلَى الْقِبْلَةِ إِذَا عَلِمَ وَيَتَمَادَى وَيُجْزِئُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ إِنْ كَانَ انْحَرَفَ انْحِرَافًا شَدِيدًا فَإِنَّ عَلَيْهِ إِعَادَةُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنْ تَحَرَّى فَأَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا صَلَّيْتَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَدْ أَجْزَأَكَ إِذَا لَمْ تَعْمَدْ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتَ صَلَّيْتَ بَعْدَ صَلَاتِكَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَرَفْتَ الْقِبْلَةَ بَعْدُ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بَقِيَّةَ صَلَاتِكَ وَاحْتَسِبْ بِمَا صَلَّيْتَ وَقَالَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ إِذَا صَلَّى إِلَى الشَّرْقِ ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ إِلَى الْغَرْبِ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ مُنْحَرِفًا وَرَأَى أَنَّهُ مُنْحَرِفٌ وَتِلْكَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ وَيَعْتَدَّ بِمَا مَضَى وَذَكَرَ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى اجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ فِي غَيْرِ النَّاحِيَةِ الَّتِي صَلَّى إِلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مُشَرِّقًا أَوْ مُغَرِّبًا لَمْ يَعْتَدْ بِمَا مَضَى مِنْ صِلَاتِهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ عَلَى مَا بَانَ لَهُ وَاسْتَيْقَنَهُ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ انْحَرَفَ لَمْ يَلْغِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ لِأَنَّ الِانْحِرَافَ لِلْمُجْتَهِدِ لَيْسَ فِيهِ يَقِينُ خَطَأٍ وَإِنَّمَا هُوَ اجْتِهَادٌ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ إِلَى يَقِينٍ وَإِنَّمَا رَجَعَ إِلَى اجْتِهَادِ شَكٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ فَأَخْطَأَ ثُمَّ بَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ قَالُوا وَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ عِلْمِ جِهَتِهَا قَالُوا وَلَوْ صَلَّى قَوْمٌ عَلَى اجْتِهَادٍ ثُمَّ بَانَ لَهُمْ بَعْدَ رَكْعَةٍ أَنَّهُمْ أَخْطَأُوا الْقِبْلَةَ صَرَفُوا وُجُوهَهُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ إِلَى الْقِبْلَةِ وَصِلَاتُهُمْ تَامَّةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَمُّوا ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدُ لَمْ يُعِيدُوا وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَنْ تَحَرَّى فَأَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ أَبَدًا إِذَا اسْتَدْبَرَهَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى اخْتِلَافِهِمْ وَالْوَجْهَ الْمُخْتَارَ مِنْهُ فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وقول الثوري أشبه بظاهر الحديث هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ |