قوله : ( والأمن والإياس ينقلان عن ملة الاسلام ، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة )
 
ش : يجب أن يكون العبد خائفاً راجياً ، فإن الخوف المحمود الصادق : ما حال بين صاحبه وبين محارم الله ، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط . والرجاء المحمود : رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله ، فهو راج لثوابه ، أو رجل أذنب ذنباً ثم تاب منه إلى الله ، فهو راج لمغفرته . قال الله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم . أما إذا كان الرجل متمادياً في التفريط والخطايا ، يرجو رحمة الله بلا عمل ، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب . قال : أبو علي الروذباري رحمه الله : الخوف والرجاء كجناحي الطائر ، إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه ، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص ، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت . وقد مدح الله أهل الخوف والرجاء بقوله : أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه الآية . وقال : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً الآية . فالرجاء يستلزم الخوف ، ولولا ذلك لكان أمناً ، والخوف يستلزم الرجاء ، ولولا ذلك لكان قنوطاً ويأساً . وكل أحد إذا خفته هربت منه ، إلا الله تعالى ، فإنك إذا خفته هربت إليه ، فالخائف هارب من ربه إلى ربه . وقال صاحب منازل السائرين رحمه الله : الرجاء أضعف منازل المريد . وفي كلامه نظر ، بل الرجاء والخوف على الوجه المذكور من أشرف منازل المريد . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي . فليظن [بي] ما شاء وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه ، ولهذا قيل : إن العبد ينبغي أن يكون رجاؤه في مرضه أرجح من خوفه ، بخلاف زمن الصحة ، فإنه يكون خوفه أرجح من رجائه . وقال بعضهم : من عبد الله بالحب [وحده] فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ، [وروي] : ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد . ولقد أحسن محمود الوراق في قوله :
لو قد رأيت الصغير من عمل الخـ ير ثواباً عجبت من كبره
أو قد رأيت الحقير من عمل الشـ ر جزاءً أشفقت من حذره