ذكر فيه عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ
الْقَارِئُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا
أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ (...)
 
ذكر فيه عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ
الْقَارِئُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا
أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ
أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقلت يا رسول اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْهُ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي
سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ
فَقَرَأْتُهَا فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ
مِنْهُ
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى إِسْنَادِهِ وَأَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِي مَعَانِيهِ وَاجْتَلَبْنَا مَا لِعُلَمَاءِ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيهِ وَاسْتَوْعَبْنَا ذَلِكَ كله في التمهيد ونذكر فيه ها هنا مَا فِيهِ دَلَالَةٌ
كَافِيَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعُقَيْلٌ وَشُعَيْبُ بن أبي حمزة
وبن أخي بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ
الْقَارِئِ جَمِيعًا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ مَعْمَرًا قَالَ فِيهِ عَنْ
عُمَرَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ
تُقْرِئْنِيهَا وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ
فَبَانَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ هِشَامٍ وَعُمَرَ كَانَ فِي حُرُوفٍ مِنَ السُّورَةِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479
وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا فِي قَوْلِهِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا
أَقْرَأَهَا يَقْتَضِي عُمُومَ السُّورَةِ كُلِّهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
وَقَدْ ظَهَرَ الْخُصُوصُ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَمِنْ تَابَعَهُ فِي ذَلِكَ
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَجُوزُ فِي حُرُوفِهِ كُلِّهَا وَلَا فِي سُورَةٍ مِنْهُ وَاحِدَةٍ
أَنْ تُقْرَأَ حُرُوفُهَا كُلُّهَا عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ بَلْ لَا تُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةٌ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ
أَوْجُهٍ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ مِثْلَ (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أسفارنا) سبأ 19 و (وعبد الطغوت)
المائدة 60 و (إن البقر تشبه علينا) البقرة 70 و (بعذاب بئيس) الْأَعْرَافِ 165
وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ غَيْرِهِ مِنَ الْقُرْآنِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الْقُرْآنُ
عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ اخْتِلَافًا كثيرا تقصيناه في التمهيد ونورد منه ها هنا عُيُونَهَا إِنْ
شَاءَ اللَّهُ
قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ مَعْنَى قَوْلِهِ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ سَبْعُ قِرَاءَاتٍ قال والحرف ها هنا
القراءات
وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ سَبْعَةُ أَنْحَاءٍ كُلُّ نَحْوٍ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ خِلَافُ غَيْرِهِ مِنْ
أَنْحَائِهِ
ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأَحْرُفَ أَنْوَاعٌ وَأَصْنَافٌ فَمِنْهَا زَاجِرٌ وَمِنْهَا أَمْرٌ وَمِنْهَا حَلَالٌ وَمِنْهَا
حَرَامٌ وَمِنْهَا مُحْكَمٌ وَمِنْهَا مُتَشَابِهٌ وَمِنْهَا أمثال وغيره
واحتجوا بحديث من حديث بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى مَا
ذَكَرُوا وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ لِضَعْفِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي
التَّمْهِيدِ وَذَكَرْتُ الْعِلَّةَ فِيهِ
وَقَدِ اعْتَرَضَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ وَأَبُو
جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالُوا مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ كُلُّهُ حَرَامًا لَا مَا سِوَاهُ
وَحَلَالًا لَا مَا سِوَاهُ وَآمِرًا لَا نَاهِيًا وَزَاجِرًا لَا مُبِيحًا وَامْتِثَالًا كُلَّهُ
وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ سَبْعُ لُغَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا يُمْنُهَا
وَنَزَارُهُا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْهَلْ شَيْئًا مِنْهَا وَكَانَ قَدْ أُتِيَ
جَوَامِعَ الْكَلِمِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ يَكُونُ الْحَرْفُ
مِنْهَا بِلُغَةِ قَبِيلَةٍ وَالثَّانِي بِلُغَةِ قَبِيلَةٍ أُخْرَى وَالثَّالِثُ بِلُغَةِ قَبِيلَةٍ ثَالِثَةٍ هَكَذَا إِلَى السبعة
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480
قَالَ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْأَحْيَاءِ أَسْعَدَ بِهَا مِنْ بَعْضٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُثْمَانَ وَاكْتُبُوهُ بِلُغَةِ
قُرَيْشٍ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ كَقَوْلِ عُثْمَانَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
إِنَّمَا نَزَلَ يَعْنِي الْقُرْآنَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ
وعن بن عَبَّاسٍ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْكَعْبَيْنِ كَعْبِ قُرَيْشٍ وَكَعْبِ خُزَاعَةَ قِيلَ لَهُ وَكَيْفَ
ذَلِكَ قَالَ كَانَتْ دَارُهُمْ وَاحِدَةً
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَعْنِي أَنَّ خُزَاعَةَ جِيرَانُ قُرَيْشٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ نَصْرِ
بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ مَرَّ بِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لِي يَا خُزَاعِيُّ! أَلَا أُحَدِّثُكَ
حَدِيثًا فِي قَوْمِكَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدَّيْلِيِّ قَالَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْكَعْبَيْنِ
كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو وَكَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ
قَالَ وَحَدَّثَنَا صالح قال حدثنا هشيم قال حدثنا بن أبي عروبة عن قتادة عن بن
عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَلِسَانِ خُزَاعَةَ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ وَاحِدَةٌ
وَقَالَ آخَرُونَ هَذِهِ اللُّغَاتُ السَّبْعُ كُلُّهَا فِي مُضَرَ مِنْهَا لِقُرَيْشٍ وَمِنْهَا لِكِنَانَةَ وَمِنْهَا لِأَسَدٍ
وَمِنْهَا لِهُذَيْلٍ وَمِنْهَا لِنَمِرٍ وَمِنْهَا لِضَبَّةَ وَمِنْهَا لِقَيْسٍ وَمِنْهَا لِطَابِخَةَ
قَالُوا فَهَذِهِ مُضَرٌ تَسْتَوْعِبُ سَبْعَ لُغَاتٍ وَتَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُثْمَانَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ مُضَرٍ
وَأَنْكَرَ آخَرُونَ أَنْ تَكُونَ لُغَةُ مُضَرَ كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ مِنْهَا شداد لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ
عَلَيْهَا الْقُرْآنُ مِثْلُ كَشْكَشَةِ قَيْسٍ وَعَنْعَنَةِ تَمِيمٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِالشَّوَاهِدِ عَلَيْهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ
صَارَ مِنْهَا فِي عَجُزِ هَوَازِنَ خَمْسَةٌ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ عَجُزُ هَوَازِنَ ثَقِيفٌ وَبَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَبَنُو جُشَمٍ وَبَنُو نَصْرِ بْنِ
معاوية
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ خَصَّ هَؤُلَاءِ دُونَ رَبِيعَةَ وَسَائِرِ الْعَرَبِ لِقُرْبِ جِوَارِهِمْ مِنْ مَوْلِدِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ أَخَوَيْنِ
قَالَ وَأَحَبُّ الْأَلْفَاظِ وَاللُّغَاتِ إِلَيْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِهَا لُغَاتُ قُرَيْشٍ ثُمَّ أَدْنَاهُمْ مِنْ بُطُونِ مُضَرَ
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ
قَالَ خَمْسَةٌ مِنْهَا لِهَوَازِنَ وَاثْنَانِ لِسَائِرِ النَّاسِ
وَقَالَ قَائِلُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ سَبْعَ لُغَاتٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُنْكِرُ
بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لُغَتَهُ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قُرَشِيٌّ عَدَوِيٌّ وَهِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ
حِزَامٍ قُرَشِيٌّ أَسَدِيٌّ وَلُغَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَمُحَالٌ أَنْ تُنْكِرَ عَلَى أَحَدٍ لُغَتَهُ وَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَى
امْرِئٍ لُغَةً قَدْ جُبِلَ عَلَيْهَا وَمُحَالٌ أَيْضًا أَنْ يُقْرِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَحَدًا بِغَيْرِ لُغَتِهِ
وَقَالُوا إِنَّمَا مَعْنَى السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَلْفَاظٍ
مُخْتَلِفَةٍ نَحْوَ أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ وَعَجِّلْ وَأَسْرِعْ وَأَنْظِرْ وَأَخِّرْ وَأَمْهِلْ
وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (انْظُرُونَا) (أَنْظِرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) وأخرونا
وأنسونا نقتبس من نوركم الْحَدِيدِ 13 فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ كُلُّهَا مُتَّفِقٌ مَفْهُومُهَا مُخْتَلِفٌ
مَسْمُوعُهَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ
وَأَمَّا الْآثَارُ الْمَرْفُوعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ فَهِيَ مُحْتَمِلَةُ
التَّأْوِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي التَّمْهِيدِ مُسْنَدَةً
مِنْهَا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كعب وحديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ أَبِي الْجُهَيْمِ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ)
وَأَكْثَرُهَا طُرُقًا وَتَوَاتُرًا حديث أبي بن كعب
ولحديث بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ طُرُقٌ أَيْضًا كَثِيرَةٌ كُلُّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ قَدْ نَزَعَ بِهَا
جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا نَظَرَ فِي
التَّمْهِيدِ إِلَيْهَا
ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ ويونس عن بن
شِهَابٍ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ قَالَ هِيَ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّمَا هَذِهِ الْأَحْرُفُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ
لَيْسَ يَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482
وروى الأعمش عن أبي وائل عن بن مَسْعُودٍ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ الْقَرَأَةَ فَرَأَيْتُهُمْ
مُتَقَارِبِينَ فاقرؤوا كَمَا عَلِمْتُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالِاخْتِلَافَ فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ هَلُمَّ
وَتَعَالَ
وَرَوَى وَرْقَاءُ عَنْ أبي نجيح عن مجاهد عن بن عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ
يقرأ (للذين ءامنوا انظرونا) الْحَدِيدِ 13 (لِلَّذِينِ آمَنُوا أَمْهِلُونَا لِلَّذِينِ آمَنُوا أَخِّرُونَا لِلَّذِينِ
آمَنُوا ارْقُبُونَا)
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ (كُلَّمَا أَضَاءَ لهم مشوا فيه) الْبَقَرَةِ
20 (مَرُّوا فِيهِ سَعَوْا فِيهِ)
كُلُّ هَذِهِ الْحُرُوفِ كَانَ يَقْرَؤُهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ
فَهَذَا مَعْنَى السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ
وَمُصْحَفُ عُثْمَانَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) الَّذِي بِأَيْدِي النَّاسِ هُوَ مِنْهَا حرف واحد
ذكر بن أَبِي دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ قَالَ سَأَلْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ اخْتِلَافِ
قِرَاءَاتِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ الْيَوْمَ هَلْ تَدْخُلُ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَقَالَ لَا إِنَّمَا السَّبْعَةُ
الْأَحْرُفُ كَقَوْلِكَ أقبل هلم تعالى أَيُّ ذَلِكَ قُلْتَ أَجْزَأَكَ
قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وقاله بن وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي ذَلِكَ كَلَامًا ذَكَرْتُهُ عَنْهُ فِي التَّمْهِيدِ مُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَحْرُفَ
السَّبْعَةَ إِنَّمَا كَانَتْ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ لِضَرُورَةٍ دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ ذِي لُغَةٍ كَانَ
يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ لُغَتِهِ ثُمَّ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ وَالْكِتَابُ ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الضَّرُورَةُ
فَارْتَفَعَ حُكْمُ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَعَادَ مَا يُقْرَأُ بِهِ إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَدِيثِ عُمَرَ مَعَ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ وَمَا يُشْبِهُهَا قَدْ ذَكَرْتُهَا
وَأَمْثَالَهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ تَدَبَّرْتُ وُجُوهَ الِاخْتِلَافِ
فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى يَعْنِي الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ فَوَجَدْتُهَا سَبْعَةَ أَنْحَاءٍ
مِنْهَا مَا تَتَغَيَّرُ حَرَكَتُهُ وَلَا يَزُولُ مَعْنَاهُ وَلَا صُورَتُهُ مِثْلُ (هُنَّ أَطْهَرُ لكم) هود 78 و
(أطهر لكم) (ويضيق صدرى) الشُّعَرَاءِ 13 وَ (يَضِيقَ) وَنَحْوُ هَذَا
وَمِنْهَا مَا يَتَغَيَّرُ مَعْنَاهُ وَيَزُولُ الْإِعْرَابُ وَلَا تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ مثل قوله (ربنا بعد بين
أسفارنا) سَبَأٍ 19 (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483
وَمِنْهَا مَا يَتَغَيَّرُ مَعْنَاهُ مِنَ الْحُرُوفِ وَاخْتِلَافِهَا وَلَا تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ مِثْلُ قَوْلِهِ (إِلَى
الْعِظَامِ كيف ننشزها) و (ننشرها) الْبَقَرَةِ 259
وَمِنْهَا مَا تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ معناه كقولك (كالعهن المنفوش) و (كالصوف)
الْقَارِعَةِ 5
وَمِنْهَا مَا تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ وَمَعْنَاهُ مِثْلُ قوله (وطلع منضود) و (طلح منضود) الْوَاقِعَةِ
29
وَمِنْهَا بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِثْلُ (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الموت بالحق) ق 19 وَ (جَاءَتْ سَكْرَةُ
الْحَقِّ بِالْمَوْتِ)
وَمِنْهَا بالزيادة والنقصان مثل (تسع وتسعون نعجة) ص 23 وَ (تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً)
أُنْثَى
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْتُ فِي التَّمْهِيدِ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِمَا ذَكَرَ هَذَا الْقَائِلُ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنَ
الْوُجُوهِ السَّبْعَةِ
وَذَكَرْتُ مَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ السَّلَفِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ فِي الزيادة (نعجة أنثى) قوله (وأما
الغلم فكان أبواه مؤمنين) الكهف 80 وقوله (فإن الله من بعد إكرههن غفور رحيم)
النُّورِ 33 وَهُوَ كَثِيرٌ
وَالَّذِي أَقُولُ بِهِ إِنَّ جَمْعَ عُثْمَانَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فِي جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ (رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ) الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ بِكِتَابَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا اخْتَلَفَ
فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الشَّامِ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي بَعْضِ الْمَغَازِي فَخَطَّأَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ
مِنْهُمُ الْأُخْرَى فِيمَا خَالَفَتْهَا فِيهِ مِنْ قِرَاءَتِهَا وَصَوَّبَتْ مَا تَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ أَهْلُ
الْعِرَاقِ قَدْ أَخَذُوا عَنِ بن مَسْعُودٍ وَأَهْلُ الشَّامِ قَدْ أَخَذُوا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ
فَخَافَ الصَّحَابَةُ (رَحِمَهُمُ اللَّهُ) مِنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ لِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ وَأَنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ
وَقَدْ كَانَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الشَّامِ هَمُّوا بِأَنْ يُكَفِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا تَصْوِيبًا
لِمَا عِنْدَهُ وَإِنْكَارًا لِمَا عِنْدَ غَيْرِهِ فَاتَّفَقَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ وَعُثْمَانَ (رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)
عَلَى أَنْ يَجْمَعَ لَهُمُ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ إِذْ صَحَّ عِنْدَهُمْ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ فَاكْتَفَوْا (رَحِمَهُمُ اللَّهُ)
بِحَرْفٍ وَاحِدٍ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484
مِنْهَا فَأَمَرَ عُثْمَانُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ذَلِكَ فَأَمْلَاهُ عَلَى مَنْ كَتَبَهُ مِمَّنْ أَمَرَهُ عُثْمَانُ بِذَلِكَ
عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ
وَأَخْبَارُ جَمْعِ عُثْمَانَ الْمُصْحَفَ كَثِيرَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مِنْهَا طَرَفًا
وَأَمَّا جَمْعُ أَبِي بَكْرٍ لِلْقُرْآنِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ
وَجَمْعُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِلْقُرْآنِ أَيْضًا عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوِلَايَةِ
أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ لَا كَجَمْعِ عُثْمَانَ عَلَى حَرْفٍ
وَاحِدٍ حِرَفِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ الَّذِي بِأَيْدِي النَّاسِ بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ الْيَوْمَ
وَفِي التَّمْهِيدِ بَيَانُ مَا وَصَفْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) بِالْآثَارِ
الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بِمِصْرَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِشْقَاصِيُّ الْفِرْيَابِيُّ الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْنُفَيْلِيُّ قَالَ
قَرَأْتُ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةً بَيْنَا أَنَا فِي
الْمَسْجِدِ إِذْ سَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَؤُهَا بِخِلَافِ قِرَاءَتِي فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا قَدْ خَالَفَ قِرَاءَتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ
الَّتِي عَلَّمْتَنِي فَقَالَ اقْرَأْ يَا أُبَيُّ فَقَرَأْتُ فَقَالَ أَحْسَنْتَ وَقَالَ لِلْآخَرِ اقْرَأْ فَقَرَأَ بِخِلَافِ
قِرَاءَتِي فَقَالَ لَهُ أَحْسَنْتَ ثُمَّ قَالَ يَا أُبَيُّ إِنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ
قَالَ فَمَا اخْتَلَجَ فِي صَدْرِي شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ
رَوَى قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قال قرأ
أبي آية وقرأ بن مَسْعُودٍ خِلَافَهَا وَقَرَأَ رَجُلٌ آخَرُ خِلَافَهُمَا فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ مُحْسِنٌ مُجْمِلٌ إِنَّ
هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لَيْسَ مِنْهَا إِلَّا شَافٍ كاف وذكر تمام الخبر
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485
وذكر بن وَهْبٍ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ مَنْ جَامِعِهِ قَالَ قِيلَ لِمَالِكٍ أَتَرَى أَنْ نَقْرَأَ بِمِثْلِ مَا
قَرَأَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ (فَاسْعَوْا إِلَى ذكر
الله) الْجُمُعَةِ 9 فَقَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ
عَلَى سبعة أحرف فاقرؤ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ
وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى بِاخْتِلَافِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا بَأْسًا قَالَ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ وَلَهُمْ مَصَاحِفُ
وَالسِّتَّةُ الَّذِينَ أَوْصَى إِلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَتْ لَهُمْ مَصَاحِفُ
قال بن وَهْبٍ وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ فَقَالَ ذَهَبَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قِرَاءَةُ عُمَرَ فَامْضُوا إلى ذكر الله الجمعة 9 هي قراءة بن مَسْعُودٍ
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ
لَا يُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ مَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ بِأَيْدِي النَّاسِ فَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الذي
في رواية أصحابه عنه غير بن وهب أنه لا يقرأ بحرف بن مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا
فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ
روى عيسى عن بن القاسم في المصحف بقراءة بن مَسْعُودٍ قَالَ أَرَى أَنْ يُمْنَعَ
النَّاسُ مَنْ بَيْعِهِ وَيُضْرَبُ مَنْ قَرَأَ بِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ
أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاتِهِ نَافِلَةً كَانَتْ أَوْ مَكْتُوبَةً بِغَيْرِ مَا فِي الْمُصْحَفِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ سَوَاءً
كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مُخَالَفَةً لَهُ مَنْسُوبَةً لِابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ إِلَى أُبَيٍّ أَوْ إلى بن عَبَّاسٍ أَوْ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ مُسْنَدَةً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجَائِزٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمُ الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَرِوَايَتُهُ وَالِاسْتِشْهَادُ بِهِ عَلَى
مَعْنَى الْقُرْآنِ وَيَجْرِي عِنْدَهُمْ مَجْرَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي السُّنَنِ لَا يُقْطَعُ عَلَى عَيْنِهِ وَلَا
يُشْهَدُ بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُقْطَعُ عَلَى الْمُصْحَفِ الَّذِي عِنْدَ جَمَاعَةِ النَّاسِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ عَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ وَهُوَ الْمُصْحَفُ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ وَيُشْهَدُ عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ مِنَ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ عَنِ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِأَنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ وَرَدَ بِذِكْرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ خَاصَّةً فَذَكَرْنَا مَا فِيهَا مِنَ
اخْتِلَافِ حُرُوفِهَا مُسْتَوْعِبًا بِذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ وَطَبْعِهِ وَإِنْ كَانَ فَاضِلًا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486
أَنْ يُنْكِرَ مَا يَعْرِفُ خِلَافَهُ وَإِنْ جَهِلَ مَا أَنْكَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ
يَقِينٍ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرٍ إِلَّا بِمِثْلِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ وَكَذَلِكَ لَا يُسَوِّغُ خِلَافَهُ إِلَّا
بِمَثَلِ ذَلِكَ
وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَاعِي فِي ذات الله
قريبا ولا بعيد وَلَا عَدُوًّا وَلَا صَدِيقًا وَقَدْ كَانَ شَدِيدَ التَّفْضِيلِ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ
حِزَامٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَلَكِنَّهُ إِذْ سَمِعَ مِنْهُ مَا أَنْكَرَهُ لَمْ يُسَامِحْهُ حَتَّى عَرَفَ مَوْضِعَ
الصَّوَابِ فِيهِ وَكَانَ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ
ذَكَرَ وَهْبٌ عَنْ مَالِكٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ إِذَا خَشِيَ وُقُوعَ أَمْرٍ قَالَ أَمَّا مَا بَقِيتُ أَنَا وَهِشَامُ
بْنُ حَكِيمٍ فَلَا
وَفِيهِ بَيَانُ اسْتِعْمَالِهِمْ لِمَعْنَى الْآيَةِ الْعَامَّةِ لَهُمْ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ
تنزعتم فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) النِّسَاءِ 59 يَعْنِي إِنْ كَانَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ
فَإِلَى سُنَّتِهِ كَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
وَبَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمُوَطَّأِ حَدِيثُ 444 مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ
صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى دَرْسِ الْقُرْآنِ وَتَعَاهُدِهِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَالتَّحْذِيرِ
مِنْ نِسْيَانِهِ بَعْدَ حِفْظِهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَعَلَّمَ
الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى يُخْرِجَهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ
أمتي فلم أر ذئبا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ
نَسِيَهَا
وَحَدِيثُ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ
مِنَ النَّعَمِ مِنْ عَقْلِهَا
قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ مَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ
وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ
وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَغَيْرَهَا فِي التمهيد بأسانيدها
وفي حديث بن مَسْعُودٍ هَذَا كَرَاهَةُ قَوْلِ الرَّجُلِ نَسِيتُ وَإِبَاحَةُ قَوْلِهِ أُنْسِيتُ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا أنسنيه إلا الشيطن) الْكَهْفِ 63
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُوَطَّأِ إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى فَإِنَّمَا هُوَ شَكٌّ مِنَ الْمُحَدِّثِ فِي أَيِّ اللَّفْظَتَيْنِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ
مَقْطُوعًا وَلَا غَيْرَ مَقْطُوعٍ
وقد كان بن عُيَيْنَةَ يَذْهَبُ فِي أَنَّ النِّسْيَانَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ صَاحَبُهُ اللَّوْمُ وَيُضَافُ
إِلَيْهِ فِيهِ الْإِثْمُ هُوَ التَّرْكُ لِلْعَمَلِ بِهِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّسْيَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّرْكُ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل (فلما نسوا ما ذكروا به) الْأَنْعَامِ 44 أَيْ تَرَكُوا
وَقَالَ (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) التَّوْبَةِ 67 أَيْ تَرَكُوا طَاعَةَ اللَّهِ فَتَرَكَ رَحْمَتَهُمْ
وَنَحْوَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ قَالَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا سعد بن معاذ قال حدثنا بن أَبِي مَرْيَمَ قَالَ
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي مَعْنَى مَا جَاءَ مِنَ
الْأَحَادِيثِ فِي نِسْيَانِ الْقُرْآنِ قَالَ هُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ قال الله تعالى (اليوم ننسكم
كما نسيتم لقاء يومكم هذا) الْجَاثِيَةِ 34
وَلَيْسَ مَنِ اشْتَهَى حِفْظَهُ وَتَفَلَّتَ مِنْهُ بِنَاسٍ لَهُ إِذَا كَانَ يُحَلِّلُ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ
قَالَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا نَسِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إلا ما شاء الله) الْأَعْلَى 6 7
وَقَدْ نَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ أَشْيَاءَ وَقَالَ ذَكَّرَنِي هَذَا آيَةً أُنْسِيتُهَا
قَالَ سُفْيَانُ وَلَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ مَا أَنْسَى اللَّهُ نَبِيَّهُ مِنْهُ شَيْئًا