وَأَمَّا حَدِيثُهُ بَعْدَ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الحارث بن هشام سأل رسول الله كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ (...)
 
وَأَمَّا حَدِيثُهُ بَعْدَ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الحارث بن هشام سأل رسول الله كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ
عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا
يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ
جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عرقا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489
فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يَسْأَلُهُ أَصْحَابُهُ
عَنْ مَعَانِي دِينِهِمْ وَغَيْرِ دِينِهِمْ وأنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُجِيبُهُمْ يَصْبِرُ لَهُمْ
وَيُعَلِّمُهُمْ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَسْأَلُ وَطَائِفَةٌ تَحْفَظُ وَكُلُّهُمْ أَدَّى وَبَلَّغَ مَا عَلِمَ وَلَمْ يَكْتُمْ
حَتَّى أَكْمَلَ اللَّهُ دِينَهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَكِتَابُ اللَّهِ أَصَحُّ شَاهِدٍ في ذلك يقول الله عز وجل (يسئلونك عن الخمر والميسر)
البقرة 219 و (ويسئلونك عن اليتمى) البقرة 220 و (يسئلونك ماذا ينفقون) الْبَقَرَةِ
215 وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَوْعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَنْوَاعِ نُزُولِ الْوَحْيِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ أَنْوَاعٌ حَتَّى الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جَعَلَهَا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ نُزُولَ مَا يُتْلَى
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن بن عَبَّاسٍ
قَالَ كَانَ الْوَحْيُ إِذَا نَزَلَ سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَوْتًا كَإِمْرَارِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا
وَفِي حَدِيثِ يَوْمِ حُنَيْنٍ أَنَّهُمْ سَمِعُوا صَلْصَلَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى
الطَّسْتِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ
الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ كَانَ يَرَى الرُّؤْيَا فَتَأْتِي كَأَنَّهَا فلق الصبح
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490
وقد كان صلى الله عليه وسلم يُبْدَى لَهُ جِبْرِيلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي
حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
وَأَحْيَانًا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ فِي هَيْئَةِ إِنْسَانٍ فَيُكَلِّمُهُ مُشَافَهَةً كَمَا يُكَلِّمُ الْمَرْءُ أَخَاهُ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491
وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ
وَحَدِيثِهِ حِينَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ فِي صِفَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَحْمَرُّ وَجْهُهُ
وَيَغِطُّ غَطِيطَ الْبَكْرِ وَيَنْفُخُ
إِلَى ضُرُوبٍ كَثِيرَةٍ لَسْتُ أُحْصِيهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ آثارا كثيرة متفرقة في التمهيد
وروى بن وهب عن يونس بن يزيد عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (وَمَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أو من ورائ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ
بِإِذْنِهِ مَا يشاء إنه على حكيم) الشورة 51
قَالَ تَرَى هَذِهِ الْآيَةَ تَعُمُّ مَنْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْبَشَرِ كُلِّهِمْ
وَالْكَلَامُ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ
وَالْوَحْيُ مَا يُوحِي اللَّهُ إِلَى النَّبِيِّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ فَيُثَبِّتُ اللَّهُ مَا أَرَادَ مِنَ الْوَحْيِ فِي قَلْبِ
النَّبِيِّ فَيَتَكَلَّمُ بِهِ النَّبِيُّ فَيَكْتُبُهُ فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ
وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ لَا يُكَلِّمُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَلَكِنَّهُ
يَكُونُ سِرَّ غَيْبٍ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ رُسُلِهِ
وَمِنْهُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَلَا يَكْتُمُونَهُ أَحَدًا وَلَا يُؤْمَرُونَ بِكِتْمَانِهِ وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِهِ
النَّاسَ حَدِيثًا وَيُبَيِّنُونَ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ وَيُبَلِّغُوهُمْ إِيَّاهُ
وَمِنَ الْوَحْيِ مَا يُرْسِلُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ فَيُوحِيهِ وَحْيًا فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ
مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ
وَقَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يُرْسِلُ جِبْرِيلَ إِلَى مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) فَقَالَ فِي كِتَابِهِ
(قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قلبك) البقرة
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492
وقال عز وجل (وإنه لتنزيل رب العلمين نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ من
المنذرين بلسان عربي مبين) الشُّعَرَاءِ 192 195
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا) قَالَ
أَنْ يَنْفُثَ فِي نَفْسِهِ (أو من ورائ حِجَابٍ) قَالَ مُوسَى حِينَ كَلَّمَهُ اللَّهُ (أَوْ يُرْسِلُ
رَسُولًا) قَالَ جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَشْبَاهِهِ من الرسل (صلوات الله عليهم أجمعين)
الشُّورَى 51
أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَلْصَلَةُ الْجَرَسِ فَإِنَّهُ أَرَادَ فِي مِثْلِ صَوْتِ الْجَرَسِ
وَالصَّلْصَلَةُ الصَّوْتُ يُقَالُ صَلْصَلَةُ الطَّسْتِ وَصَلْصَلَةُ الْجَرَسِ وَصَلْصَلَةُ الْفَخَّارِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَفْصِمُ عَنِّي فَمَعْنَاهُ يَنْفَرِجُ عَنِّي وَيَذْهَبُ عَنِّي
وَيُقَالُ فَصَمَ بِمَعْنَى ذَهَبَ
وَقِيلَ فُصِمَ كَمَا يُفْصَمُ الْخَلْخَالُ إِذَا فتحته يتخرجه مِنَ الرِّجْلِ
وَكُلُّ عُقْدَةٍ حَلَلْتَهَا فَقَدْ فَصَمْتَهَا
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوثقى لا انفصام لها) الْبَقَرَةِ 256
وَانْفِصَامُ الْعُرْوَةِ أَنْ تَنْفَكَّ عَنْ مَوْضِعِهَا
وَأَصْلُ الْفَصْمِ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنْ تَفُكَّ الْخَلْخَالَ وَلَا تُبَيِّنَ كَسْرَهُ فَإِذَا كَسَرْتَهُ فَقَدْ قَصَمْتَهُ
(بِالْقَافِ)
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ
(كَأَنَّهُ دُمْلُجٌ مِنْ فِضَّةٍ نَبَهٌ ... فِي مَلْعَبٍ مِنْ جَوَارِي الْحَيِّ مَفْصُومِ)