وَأَمَّا حَدِيثُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ
عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ (...)
 
وَأَمَّا حَدِيثُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ
عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ
عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مرات كل ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ قَالَ
عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا
نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ
قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ
اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا
مُبِينًا) الْفَتْحِ 1
قَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مَنْ قَالَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ
فَأَسْنَدَهُ
وَفِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ إِبَاحَةُ الْمَشْيِ عَلَى الدَّوَابِّ بِاللَّيْلِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495
الْعِلْمِ عَلَى مَنْ لَا يَمْشِي بِهَا نَهَارًا أَوْ مَنْ يَمْشِي بِهَا نَهَارًا بَعْضَ الْمَشْيِ وَيَسْتَعْمِلُ
فِي ذَلِكَ الرِّفْقَ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَى الْمَشْيِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهَا عُجْمٌ لَا تُخْبِرُ عَنْ حَالِهَا وَقَدْ أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّفْقِ بِهَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا
وَفِيهِ أَنَّ الْعَالَمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يُرِيدُ الْجَوَابَ فِيهِ إِنْ سَكَتَ وَلَا يُجِيبُ بِ نَعَمْ وَلَا
بِ لَا وَرُبَّ كَلَامٍ جَوَابُهُ السُّكُوتُ
وَفِيهِ مِنَ الْأَدَبِ أَنَّ سُكُوتَ الْعَالِمِ عَنِ الْجَوَابِ يُوجِبُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ تَرْكَ الْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ
وَفِيهِ النَّدَمُ عَلَى إِيذَاءِ الْعَالَمِ وَالْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ خَوْفَ غَضَبِهِ وَحِرْمَانِ فَائِدَتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
وقل ما أَغْضَبَ أَحَدٌ عَالِمًا إِلَّا حُرِمَ الْفَائِدَةَ مِنْهُ
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا
وَقَالُوا كان أبو سلمة يماري بن عَبَّاسٍ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا
وَفِيهِ مَا كان عليه عمر (رضي الله عنه) من التَّقْوَى وَخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَشِيَ
أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا لِسُؤَالِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مرات كل ذلك لا
يُجِيبُهُ وَالْمَعْلُومُ أَنَّ سُكُوتَ الْعَالِمِ عَنِ الْجَوَابِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ
السُّؤَالِ
وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَنِ السَّائِلِ يَعِزُّ عَلَيْهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي طَبَائِعِ النَّاسِ
وَلِهَذَا أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعُمَرَ يُؤْنِسُهُ
وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْزِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِعِهِ
مِنْ قَلْبِهِ
وَفِيهِ أَنَّ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَوْ أُعْطِيَ ذَلِكَ وذلك
تحقير منه صلى الله عليه وسلم بِالدُّنْيَا وَتَعْظِيمٌ لِلْآخِرَةِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُحَقِّرَ
مَا حَقَّرَ اللَّهُ وَيُعَظِّمَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ
وَإِذَا كَانَ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ كَمَا وُصِفَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ
إِلَّا الصَّغَائِرُ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي كَبِيرَةً أَبَدًا لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ
الْكَبَائِرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
وَالسَّفَرُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ سُورَةُ الْفَتْحِ هُوَ مُنْصَرَفُهُ مِنْ خَيْبَرَ
وَقِيلَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ (فَتْحًا مُبِينًا) الْفَتْحُ 1 فَقَالَ قَوْمٌ خَيْبَرُ وَقَالَ آخَرُونَ الْحُدَيْبِيَةُ مَنْحَرُهُ
وَمَحْلَقُهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فِي التَّمْهِيدِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال بن وَهْبٍ مَعْنَاهُ
أَكْرَهْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْ أَتَيْتَهُ بِمَا يكره
وقال بن حَبِيبٍ أَلْحَحْتُ وَكَرَّرْتُ السُّؤَالَ وَأَبْرَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ بن قُتَيْبَةَ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ أَلْحَحْتَ عَلَيْهِ قَالَ وَمِنْهُ
قَوْلُهُمْ أَعْطَى عَطَاءً غَيْرَ مَنْزُورٍ أَيْ بِغَيْرِ إِلْحَاحٍ وَأَنْشَدَ
(فَخُذْ عَفْوَ مَا آتَاكَ لَا تَنْزُرَنَّهُ ... فَعِنْدَ بُلُوغِ الْكَدَرِ رَنْقُ الْمَشَارِبِ) وَقَدْ ذَكَرَ حَبِيبٌ
عَنْ مَالِكٍ قَالَ نَزَرْتُ رَاجَعْتُ
وَقَالَ الْأَخْفَشُ نَزَرْتُ الْبِئْرَ إِذَا أَكْثَرْتُ الْإِسْقَاءَ مِنْهَا حَتَّى يَقِلَّ مَاؤُهَا يُقَالُ بِئْرٌ نَزُورٌ
أَيْ قَلِيلَةُ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ دَمْعٌ نَزُورٌ
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ حَتَّى قَطَعَ عَلَيْهِ كَلَامَهُ فَتَبَرَّمَ بِهِ
وَفِي إِدْخَالِ مَالِكٍ (رَحِمَهُ اللَّهُ) هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابٍ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيفَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامِ) عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ
وَمَا يَعْرِضُ لَهُ مَعَ أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى في ما مَضَى