تابع قوله : ( والإيمان : هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان . وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق . والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء ، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى ) .
 
والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة والآثار السلفية كثيرة جداً : منها : قوله تعالى : وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً . ويزيد الله الذين اهتدوا هدى . ويزداد الذين آمنوا إيماناً . هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم . الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . وكيف يقال في هذه الآية والتي قبلها إن الزياده باعتبار زيادة المؤمن به ؟ فهل في قول الناس : قد جمعوا لكم فاخشوهم زيادة مشروع ؟ وهل في إنزال السكينة على قلوب المؤمنين زيادة مشروع ؟ وإنما أنزل الله السكينة في قلوب المؤمنين مرجعهم الحديبية ليزدادوا طمأنينة ويقيناً ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان . وقال تعالى : وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون . وأما ما رواه الفقيه أبو الليث السمرقندي رحمه الله ، في تفسيره عند هذه الآية ، فقال : حدثنا محمد بن الفضل و أبو القاسم الساباذي ، قالا : حدثنا فارس بن مردويه ، قال : حدثنا محمد بن الفضل العابد ، قال : حدثنا يحيي بن عيسى ، قال : حدثنا أبو مطيع ، عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم ، عن أبي هريرة ، قال : جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله، الإيمان يزيد وينقص ؟ فقال : لا الإيمان مكمل في القلب ، زيادته كفر ، ونقصانه شرك . فقد سئل شيخنا عماد الدين ابن كثير رحمه الله عن هذا الحديث ؟ فأجاب : بأن الإسناد من أبي ليث إلى أبي مطيع مجهولون لا يعرفون في شيء من كتب التواريخ المشهورة . وأما أبو مطيع ، فهو : الحكم بن عبدالله بن مسلمة البلخي ، ضعفه أحمد بن حنبل ، و يحيى بن معين ، و عمرو بن علي الفلاس ، و البخاري ، و أبو داود ، و النسائي ، و أبو حاتم الرازي ، و أبو حاتم محمد بن حبان البستي ، و العقيلي ، و ابن عدي ، و الدار قطني ، وغيرهم . وأما أبو المهزم ، الراوي عن أبي هريرة ، وقد تصحف على الكتاب ، واسمه : يزيد بن سفيان ، فقد ضعفه أيضاً ، غير واحد ، وتركه شعبة بن الحجاج ، وقال النسائي : متروك ، وقد اتهمه شعبة بالوضع ، حيث قال : لو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثاً !
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين . وقال صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين . والمراد نفي الكمال ، ونظائره كثيرة ، وحديث شعب الإيمان ، وحديث الشفاعة ، وأنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ، فكيف يقال بعد هذا : إن إيمان أهل السماوات والأرض سواء؟ ! وإنما التفاضل بينهم بمعان أخر غير الإيمان ؟ ! وكلام الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى كثير أيضاً . منه : قول أبي الدرداء رضي الله عنه : من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينتقص ، وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه : هلموا نزدد إيماناً ، فيذكرون الله تعالى عز وجل . وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه : اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً . وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرجل : اجلس بنا نؤمن ساعة . ومثله عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه . وصح عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال : ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان : إنصاف من نفسه ، والإنفاق من إقتار ، وبذل السلام للعالم ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه . وفي هذا المقدار كفاية وبالله التوفيق .
وأما كون عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة ، فلا يكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان - : فلا شك أن الإيمان تارة يذكر مطلقاً عن العمل عن الإسلام ، وتارة يقرن بالعمل الصالح ، وتارة يقرن بالإسلام . فالمطلق مستلزم للأعمال ، قال تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية . إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا الآية . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء . وقال صلى الله عليه وسلم : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، الحديث . لا تؤمنوا حتى تحابوا . من غشنا فليس منا . من حمل علينا السلاح فليس منا . وما أبعد قول من قال : إن معنى قوله : فليس منا - أي فليس مثلنا ! فليت شعري فمن لم يغش يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
أما إذا عطف عليه العمل الصالح ، فاعلم أن عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما ، والمغايرة على مراتب : أعلاها : أن يكونا متباينين ، ليس أحدهما هو الآخر ، ولا جزءاً منه ، ولا بينهما تلازم ، كقوله تعالى : خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور . وأنزل التوراة والإنجيل . وهذا هو الغالب ، ويليه : أن يكون بينهما تلازم ، كقوله تعالى : ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول . الثالث : عطف بعض الشيء عليه ، كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى . من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ، وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك . وفي مثل هذا وجهان : أحدهما : أن يكون داخلاً في الأول ، فيكون مذكوراً مرتين . والثاني : أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلاً فيه هنا ، وإن كان داخلاً فيه منفرداً ، كما قيل مثل ذلك في لفظ الفقراء والمساكين ونحوهما ، تتنوع دلالته بالإفراد والإقتران . الرابع : عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ، كقوله تعالى : غافر الذنب وقابل التوب . وقد جاء في الشعر العطف لاختلاف اللفظ فقط ، كقوله :
فألفى قولها كذباً وميناً
ومن الناس من زعم أن في القرآن من ذلك قوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً . والكلام على ذلك معروف في موضعه .
فإذا كان العطف في الكلام يكون على هذه الوجوه ، نظرنا في كلام الشارع : كيف ورد فيه الإيمان فوجدناه إذا أطلق يراد به ما يراد بلفظ البر، والتقوى ، والدين ، ودين الإسلام . ذكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان ؟ فأنزل الله هذه الآية : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآيات . قال محمد بن نصر : حدثنا إسحق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرىء ، و الملائي ، قالا : حدثنا المسعودي ، عن القاسم ، قال : جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه ، فسأله عن الإيمان ؟ فقرأ : ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى آخر الآية ، فقال الرجل : ليس عن هذا سألتك ، فقال : جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه ، فقرأ [عليه] الذي قرأت عليك ، فقال له الذي قلت لي ، فلما أبى أن يرضى ، قال : إن المؤمن الذي إذا عمل الحسنه سرته ورجا ثوابها ، وإذا عمل السيئة ساءته وخاف عقابها . وكذلك أجاب جماعة من السلف بهذا الجواب . وفي الصحيح قوله لوفد عبد القيس : آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ماالإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدوا الخمس من المغنم . ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب ، لما قد أخبر في مواضع أنه لا بد من إيمان القلب ، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان . وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل ؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق ، للعلم بأن هذه الأعمال لا تفيد [مع] الجحود . وفي المسند عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : الإسلام علانية ، والإيمان في القلب . وفي هذا الحديث دليل على المغايرة بين الإسلام والإيمان . ويؤيده قوله [في حديث سؤالات جبريل ، في معنى الإسلام والإيمان .،] وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم دينكم . فجعل الدين هو الإسلام والإيمان والإحسان ، فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة . لكن هو درجات ثلاثة : فمسلم ، ثم مؤمن ، ثم محسن . والمراد بالإيمان ما ذكر مع الإسلام قطعاً ، كما أنه أريد بالإحسان ما ذكر مع الإيمان والإسلام ، لا أن الإحسان يكون مجرداً عن الإيمان . هذا محال . وهذا كما قال تعالى : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله . والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة ، بخلاف الظالم لنفسه ، فإنه معرض للوعيد . وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق بالقلب ، لكن لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن فإنه معرض للوعيد . فأما الإحسان فهو أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله ، والإيمان أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله من الإسلام . فالإحسان يدخل فيه الإيمان ، والإيمان يدخل فيه الإسلام ، والمحسنون أخص من المؤمنين ، والمؤمنون أخص من المسلمين . وهذا كالرسالة والنبوة ، فالنبوة داخلة في الرسالة ، والرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها ، فكل رسول نبي ، ولا ينعكس .
وقد صار الناس في مسمى الاسلام على ثلاثة أقوال : فطائفة جعلت الإسلام هو الكلمة ، وطائفة أجابوا بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإسلام والإيمان ، حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، والإيمان [بالإيمان] بالأصول الخمسة . وطائفة جعلوا الإسلام مرادفاً للإيمان ، وجعلوا معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة ، الحديث - : شعائر الإسلام . والأصل عدم التقدير، مع أنهم قالوا : إن الإيمان هو التصديق بالقلب ، ثم قالوا الإسلام والإيمان لشيء واحد ، فيكون الإسلام هو التصديق ! وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة ، وإنما هو الانقياد والطاعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم لك أسلمت وبك آمنت . وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، والإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة . فليس لنا إذا جمعنا بينهم أن نجيب بغير ما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم . وأما إذا أفرد اسم الإيمان فانه يتضمن الإسلام ، وإذا أفرد الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمناً بلا نزاع ، وهذا هو الواجب ، وهل يكون مسلماً ولا يقال له مؤمن ؟ وقد تقدم الكلام فيه .
وكذلك هل يستلزم الإسلام الإيمان ؟ فيه النزاع المذكور . وإنما وعد الله بالجنة في القرآن وبالنجاة من النار باسم الإيمان ، كما قال تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون . وقال تعالى : سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله وأما اسم الإسلام مجرداً فما علق به في القرآن دخول الجنة ، لكنه فرضه وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد سواه ، وبه بعث النبيين ، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه .
فالحاصل أن حالة اقتران الإسلام بالإيمان غير حاله إفراد أحدهما عن الآخر ، فمثل الإسلام من الإيمان ، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى ، فشهادة الرسالة غير شهاده الوحدانية ، فهما شيئان في الأعيان وإحداهما مرتبطه بالأخرى في المعنى والحكم ، كشيء واحد . كذلك الإسلام والإيمان ، لا إيمان لمن لا إسلام له ، ولا إسلام لمن لا إيمان [له] ، إذ لا يخل المؤمن من إسلام به يتحقق إيمانه ، ولا يخلو المسلم من إيمان به صح إسلامه . ونظائر ذلك في كلام الله ورسوله وفي كلام الناس كثيرة ، أعني في الإفراد والإقتران ، منها : لفظ الكفر والنفاق ، فالكفر إذا ذكر مفرداً في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون ، كقوله تعالى : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين . ونظائره كثيرة . وإذا قرن بينهما كان الكافر من أظهر كفره ، والمنافق من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه . وكذلك لفظ البر والتقوى ، ولفظ الإثم والعدوان ، ولفظ التوبة والإستغفار ، ولفظ الفقير والمسكين ، وأمثال ذلك .
ويشهد للفرق بين الإسلام والإيمان ، قوله تعالى : قالت الأعراب آمنا . قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا إلى آخر السورة . وقد اعترض على هذا بأن معنى الآية : قولوا أسلمنا : انقدنا بظواهرنا ، فهم منافقون في الحقيقة ، وهذا أحد قولي المفسرين في هذه الآية الكريمة . وأجيب بالقول الآخر، ورجح ، وهو أنهم ليسوا بمؤمنين كاملي الإيمان ، لا أنهم منافقون ، كما نفى الإيمان عن القاتل ، والزاني ، والسارق ، ومن لا أمانة له . ويؤيد هذا سياق الآية ، فإن السورة من أولها إلى هنا في النهي عن المعاصي ، وأحكام بعض العصاة ، ونحو ذلك ، وليس فيها ذكر المنافقين . ثم قال بعد ذلك : وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً ، ولو كانوا منافقين ما نفعتهم الطاعة ، ثم قال : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا الآية ، يعني - والله أعلم - أن المؤمنين الكاملي الإيمان ، هم هؤلاء ، لا أنتم ، بل أنتم منتف عنكم الإيمان الكامل . يؤيد هذا : أنه أمرهم ، أو أذن لهم ، أن يقولوا : أسلمنا ، والمنافق لا يقال له ذلك ، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام ، كما نفى عنهم الإيمان ، ونهاهم أن يمنوا بإسلامهم ، فأثبت لهم إسلاماً ، ونهاهم أن يمنوا به على رسوله ، ولو لم يكن إسلاماً صحيحاً لقال : لم تسلموا ، بل أنتم كاذبون ، كما كذبهم في قولهم : نشهد إنك لرسول الله . والله أعلم بالصواب .
وينتفي بعد هذا التقدير والتفصيل دعوى الترادف ، وتشنيع من ألزم بأن الإسلام لو كان [هو] الأمور الظاهرة لكان ينبغي أن لا يقابل بذلك ، ولا يقبل إيمان المخلص ! وهذا ظاهر الفساد ، فإنه قد تقدم تنظير الإيمان والإسلام بالشهادتين وغيرهما ، وأن حالة الاقتران غير حالة الانفراد . فانظر إلى كلمة الشهادة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، الحديث ، فلو قالوا : لا إله إلا الله ، وأنكروا الرسالة - : [ما] كانوا يستحقون العصمة ، بل لا بد أن يقولوا : لا إله إلا الله قائمين بحقها ، ولا يكون قائما بـ لا إله إلا الله حق القيام ، إلا من صدق بالرسالة ، وكذا من شهد أن محمداً رسول الله ، [لا يكون قائما بهذه الشهادة حق القيام ، إلا من صدق هذا الرسول في كل ما جاء به . فتضمنت التوحيد وإذا ضممت شهادة أن لا إله إلا الله إلى شهادة أن محمداً رسول الله] - كان المراد من شهادة أن لا إله إلا الله ثبات التوحيد ، ومن شهادة أن محمداً رسول الله إثبات الرسالة . كذلك الإسلام والإيمان : إذا قرن أحدهما بالآخر ، كما في قوله تعالى : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات . وقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم لك أسلمت وبك آمنت - : كان المراد من أحدهما غير المراد من الآخر . وكما قال صلى الله عليه وسلم : الإسلام علانية ، والإيمان في القلب . وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه ، وكما في الفقير والمسكين ونظائره ، فإن لفظي الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا ، فهل يقال في قوله تعالى : إطعام عشرة مساكين - أنه يعطى المقل دون المعدم ، أو بالعكس ؟ وكذا في قوله تعالى : وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم .
ويندفع أيضاً تشنيع من قال : ما حكم من آمن ولم يسلم ؟ أو أسلم ولم يؤمن ؟ في الدنيا والآخرة ؟ فمن يثبت لأحدهما حكماً ليس بثابت للآخر ظهر بطلان قوله ! ويقال له في مقابلة تشنيعه : أنت تقول : المسلم هو المؤمن ، والله تعالى يقول : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات فجعلهما غيرين ، وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمناً ؟ قال : أو مسلما ، قالها ثلاثاً ، فأثبت له الإسلام وتوقف في اسم الإيمان ، فمن قال : هما - كان مخالفاً ، والواجب رد موارد النزاع إلى الله ورسوله . وقد يتراءى في بعض النصوص معارضة ، ولا معارضة بحمد الله تعالى ، ولكن الشأن في التوفيق ، وبالله التوفيق .