مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ لِعَائِشَةَ
وَهُوَ مَرِيضٌ فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ (لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ لِعَائِشَةَ
وَهُوَ مَرِيضٌ فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ (لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ (1) أَوْ
زَعْفَرَانٌ) فَاغْسِلُوهُ ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَمَا هَذَا فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَهَا فِي كَمْ كُفِّنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ قَالَ فَكَفِّنُونِي فِي
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
قَالَ سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
قَالَ لِعَائِشَةَ اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ (وَكَانَا مِشْقَيْنِ) فَكَفِّنُونِي فِيهِمَا وَابْتَاعُوا لِي ثَوْبًا وَلَا
يَغْلُو عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّا مُوسِرُونَ فَقَالَ يَا بُنَيَّةُ الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ
وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَأَوْصَى أَسْمَاءَ وَكَانَتْ صَائِمَةً أَنْ تُفْطِرَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبِلَهُ سُؤَالُ الْعَالِمِ كُلَّ مَنْ
كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ غَابَ عَنْهُ أَوْ نَسِيَهُ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْعِلْمِ أَوْ دُونَهُ
وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يَلِ غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ إِلَّا أَهْلُهُ وَالْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي
بَيْتِ عَائِشَةَ فَلَمْ تَجْهَلْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ سَأَلَهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ
ذَلِكَ
وَفِيهِ الْكَفَنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ لَا اسْتِيجَابٌ
وَفِيهِ غُسْلُ ثِيَابِ الْأَكْفَانِ وَتَنْظِيفُهَا
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَفَنِ الْبَالِي وَأَنَّهُ وَالْجَدِيدُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ
وَفِيهِ التَّأْدِيبُ لِلْبَنِينَ وَتَعْلِيمُهُمْ مَا يُحِيطُونَ بِهِ دِينَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُمْ الْحَيُّ
أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ
وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- أَنَّهُ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18
قَالَ لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ دَفْعٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَفَّنَ
أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ وَلَا مَا يُعَارِضُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ حَدِيثَ جَابِرٍ هذا هيئة التكفين
بدليل قوله إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ وَيُحْسِنَهُ عَلَى
أَنَّ مَنْ كَفَّنَ أَخَاهُ فِي ثَوْبٍ نَقِيٍّ أَبْيَضَ أَوْ ثِيَابٍ بِيضٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَالْبَالِي وَالْجَدِيدُ فِي
ذَلِكَ سَوَاءٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيْنِ مَعَ ثَوْبِي هَذَا فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ كَفَنُهُ وِتْرًا وَهِيَ السُّنَّةُ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ غُسْلُ الْمَيِّتِ وِتْرٌ وَكَفَنُهُ وِتْرٌ وَتَجْمِيرُهُ وِتْرٌ
وَقَوْلُهُ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ فَإِنَّهُ أَرَادَ الصَّدِيدَ وَلَا وَجْهَ لِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمُهْلَةِ غَيْرَ ذَلِكَ
وَبِضَمِّ الْمِيمِ شَبَّهَ الصَّدِيدَ بِعَكَرِ الزَّيْتِ وَهُوَ الْمُهْلُ وَالْمُهْلَةُ وَالرِّوَايَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ
وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يَجِدْ أَنْ يُنْقِصَ الْمَيِّتَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يُدْرَجُ
فِيهَا إِدْرَاجًا لَا يُجْعَلُ لَهُ إِزَارٌ وَلَا سَرَاوِيلُ وَلَا عِمَامَةٌ وَلَكِنْ يُدْرَجُ كَمَا أُدْرِجَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ الرَّجُلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ كَذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَنْ
يَجِدْ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَرْأَةَ عَنْ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ يُخَمَّرُ رَأْسُهَا
بِالْخِمَارِ وَأَمَّا الدِّرْعُ فَيَفْتَحُ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ تَلْبَسُهُ وَلَا يُخَاطُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَأَحَدُ اللَّفَائِفِ
يُلَفُّ عَلَى حَجْزَتِهَا وَفَخْذَيْهَا حَتَّى يَسْتَوِيَ ذَلِكَ مِنْهَا بِسَائِرِ جَسَدِهَا ثُمَّ تُدْرَجُ فِي
اللِّفَافَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ كَمَا يُدْرَجُ الرَّجُلُ
قَالَ عِيسَى وَالْكَفَنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يُجْبَرُ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ مِنْ رَأْسِ
مَالِ الْمَيِّتِ تَكُونُ وَسَطًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عِيسَى فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ حَسَنٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْكَفَنَ
مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ مِنَ الثُّلُثِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ لَمْ يَتْرُكْ
إِلَّا نَمِرَةً قَصِيرَةً كَفَّنَهُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى غَرِيمٍ
وَلَا وَارِثٍ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْخَزِّ وَالْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ فِي الْكَفَنِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ
لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْكَفَنِ خَاصَّةً
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ يَصِفُ وَالْمَصْبُوغُ كُلُّهُ غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَبَعْدَ
هَذَا فَمَا كُفِّنَ فِيهِ الْمَيِّتُ مِمَّا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُوَارِيهِ أَجَزْأَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ