قوله : ( والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن )
 
ش : قال تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون الآية . الولي : من الولاية بفتح الواو ، التي هي ضد العداوة . وقد قرأ حمزة : ما لكم من ولايتهم من شيء ، بكسرالواو، والباقون بفتحها . وقيل : هما لغتان . وقيل : بالفتح النصرة ، وبالكسر الإمارة . قال الزجاج : وجاز الكسر ، لأن في تولي [ بعض ] القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل ، وكل ما كان كذلك مكسور، مثل : الخياطة ونحوها . فالمؤمنون أولياء الله ، والله تعالى وليهم ، قال الله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات الآيه . وقال تعالى : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم . والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض الآية . وقال تعالى : إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض إلى آخر السورة . وقال تعالى : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون . فهذه النصوص [كلها] ثبت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض ، وأنهم أولياء الله ، وأن الله وليهم ومولاهم . فالله يتولى عباده المؤمنين ، فيحبهم ويحبونه ، ويرضى عنهم ويرضون عنه ، ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة . وهذه الولاية من رحمته وإحسانه ، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجة إليه ، قال تعالى : وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً . فالله تعالى ليس له ولي من الذل ، بل لله العزة جميعاً ، خلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذله وحاجته إلى ولي ينصره .
والولاية أيضاً نظير الإيمان ، فيكون مراد الشيخ : أن أهلها في أصلها سواء ، وتكون كاملة وناقصة : فالكاملة تكون للمؤمنين المتقين ، كما قال تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فـ الذين آمنوا وكانوا يتقون - منصوب على أنه صفة أولياء الله ، أو بدل منه ، أو بإضمار أمدح ، أو مرفوع بإضمار هم ، أو خبر ثان لـ إن ، وأجيز فيه الجر، بدلاً من ضمير عليهم . وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون ، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث . وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه ، ليست بكثرة صوم ولا صلاة ، ولا تملق ولا رياضة . وقيل : الذين آمنوا مبتدأ ، والخبر : لهم البشرى ، وهو بعيد ، لقطع الجملة عما قبلها ، وانتثار نظم الآية .
ويجتمع في المؤمن ولاية من وجه ، وعداوة من وجه ، كما قد يكون فيه كفر وإيمان ، وشرك وتوحيد ، وتقوى وفجور ، ونفاق وإيمان . وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة ، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع ، كما تقدم في الإيمان . ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى - أولى من موافقته في المعنى وحده ، قال تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون . وقال تعالى : قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ، الآية . وقد تقدم الكلام على هذه الآية ، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين . وقال صلى الله عليه وسلم : أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر . وفي رواية وإذا ائتمن خان بدل : وإذا وعد أخلف . أخرجاه في الصحيحين . وحديث : شعب الإيمان تقدم . وقوله صلى الله عليه وسلم : يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان . فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار ، وإن كان معه كثير من النفاق ، فهو يعذب في النار على قدر [ما معه] من ذلك ، ثم يخرج من النار . فالطاعات من شعب الإيمان ، والمعاصي من شعب الكفر ، وإن كان رأس شعب الكفر الجحود ، ورأس شعب الإيمان التصديق . وأما ما يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله ، لا هم يدرون به ، ولا هو يدري بنفسه - : فلا أصل له ، وهو كلام باطل ، فإن الجماعة قد يكونون كفاراً ، وقد يكونون فساقاً يموتون على الفسق . وأما أولياء الله الكاملون فهم الموصوفون في قوله تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة الآية . والتقوى هي المذكورة في قوله تعالى : ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ، الى قوله : أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون . وهم قسمان : مقتصدون ، ومقربون . فالمقتصدون : الذين يتقربون إلى الله بالفرائض من أعمال القلوب والجوارح . والسابقون : الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض . كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما أفترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ، حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته . والولي : خلاف العدو ، وهو مشتق من الولاء وهو الدنو والتقرب ، فولي الله : هو من والى الله بموافقته محبوباته ، والتقرب إليه بمرضاته ، وهؤلاء كما قال الله تعالى فيهم : ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب . قال أبو ذر رضي الله عنه : لما نزلت الآية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، لو عمل الناس بهذه الآية لكفتهم ، فالمتقون يجعل الله لهم مخرجاً مما ضاق على الناس ، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون ، فيدفع الله عنهم المضار ، ويجلب لهم المنافع ، ويعطيهم الله أشياء يطول شرحها ، من المكاشفات والتأثيرات