مالك عن عبد الله بن أبي بكر عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا
أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةً أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ (وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ
إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ (...)
 
مالك عن عبد الله بن أبي بكر عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا
أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةً أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ (وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ
إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ
يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي
عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إِنَّكُمْ لَتُبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا
اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم إِنِ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ
مِنْهُمْ قَائِلُونَ مَعْنَاهُ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ فَيُعَذَّبُ حِينَئِذٍ بِفِعْلِ نَفْسِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ أَنْ يُمْدَحَ الْمَيِّتُ فِي ذَلِكَ الْبُكَاءِ بِمَا كَانَ يُمْدَحُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
أَوْ نَحْوُهُ مِنَ الْفَتَكَاتِ وَالْغَدَرَاتِ وَالْغَارَاتِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الظُّلْمِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ
الَّتِي هِيَ عِنْدَ اللَّهِ ذُنُوبٌ فَهُمْ يُبْكُونَهُ لِفَقْدِهَا وَيَمْدَحُونَهُ بِهَا وَهُوَ يُعَذَّبُ مِنْ أَجْلِهَا
وَقَالَ آخَرُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي مِثْلِهِ النِّيَاحَةُ وَشَقُّ الْجُيُوبِ وَلَطْمُ الْخُدُودِ وَنَوْعُ
هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ النِّيَاحَةِ وَأَمَّا بُكَاءُ الْعَيْنِ فَلَا
وَذَهَبَتْ عَائِشَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) إِلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَمْرُ
الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الْأَنْعَامِ 164
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي رِمْثَةَ فِي ابْنِهِ إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا
يَجْنِي عَلَيْكَ
وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَالَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى فِي التَّمْهِيدِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70
وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَوْتَى وَكُلُّ حَدِيثٍ أَتَى فِيهِ ذِكْرُ الْبُكَاءِ فَالْمُرَادُ بِهِ
النِّيَاحَةُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) النَّجْمِ 43
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ
الرَّبَّ
وَقَالَ لِعُمَرَ إِذْ نَهَى النِّسَاءَ عَنِ الْبُكَاءِ دَعْهُنَّ يَا عُمَرُ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالْعَيْنَ دَامِعَةٌ
وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ
وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النِّيَاحَةِ وَلَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ
وَنَهَى عَنْ شَقِّ الْجُيُوبِ وَلَطْمِ الْخُدُودِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
وَقَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَلَا مَنْ سَلَقَ وَلَا مَنْ خَرَقَ
وَقَالَ ثَلَاثٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَوْتَى وَالِاسْتِسْقَاءُ
بِالْأَنْوَاءِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71
وَكُلُّ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ مَذْكُورٌ فِي التَّمْهِيدِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) أُرَخِّصُ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ بِلَا نَدْبٍ وَلَا نِيَاحَةٍ لِمَا فِي
النِّيَاحَةِ مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَمَنْعِ الصَّبْرِ وَعَظِيمِ الْإِثْمِ
قَالَ وَمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) أَشْبَهُ بِدَلَائِلِ الْكِتَابِ ثُمَّ تَلَا (وَلَا تَكْسِبُ
كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الْأَنْعَامِ 164 وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي رِمْثَةَ
قَالَ وَمَا زِيدَ فِي عَذَابِ الْكَافِرِ فَبِاسْتِيجَابِهِ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ في تصويب عائشة في إنكارها على بن عُمَرَ هُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ
مَالِكٍ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافَهُ فَمَذْهَبُ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي مَعْنَى هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ مَا رُوِيَ عن عمر وبن عُمَرَ وَالْمُغِيرَةِ
وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَقَوْلِهَا
قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُرَدَّ رِوَايَةُ الْعَدْلِ الثِّقَةِ بِمِثْلِ هَذَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ
وَذَكَرُوا نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي النِّيَاحَةِ وَلَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ
وَقَالُوا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) التَّحْرِيمِ 60
وَقَالَ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) طه 132 قَالُوا فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ مَا بِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ
قَالُوا فَإِذَا عَلِمَ الْمُسْلِمُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّيَاحَةِ عَلَى
الْمَيِّتِ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالنَّهْيِ عَنْهَا وَالتَّجْدِيدِ فِيهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ أَهْلَهُ وَنِيحَ عَلَيْهِ عِنْدَ
مَوْتِهِ وَعَلَى قَبْرِهِ فَإِنَّمَا يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا نَهَاهُمْ
عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ فَإِذَا عُذِّبَ عَلَى ذَلِكَ عُذِّبَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ بَلَغَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِمْ أَوْ بِالنِّيَاحَةِ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَمَنْ
أَمَرَ بِهَا فَفُعِلَتْ بَعْدَهُ كَانَتْ لَهُ ذَنْبًا فَيَجُوزُ أَنْ يُجَازَى بِذَنَبِهِ ذَلِكَ عَذَابًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ
قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ عَنْ أَسِيدِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72
الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ
إِذَا قَالَتِ النَّائِحَةُ وَاعَضُدَاهُ وَانَاصِرَاهُ وَاكَاسِيَاهُ جِيءَ بِالْمَيِّتِ وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ عَضُدُهَا
أَنْتَ نَاصِرُهَا أَنْتَ كَاسِيهَا فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى) الْأَنْعَامِ 164 فَقَالَ وَيْحَكَ أُحَدِّثُكَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ هَذَا فَأَيُّنَا كَذَبَ وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَلَا كَذَبَ أَبُو
مُوسَى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ فِي النِّيَاحَةِ وَالصُّرَاخِ وَالصِّيَاحِ وَالصَّحِيحُ الْأَوْلَى بُكَاءُ النَّفْسِ
وَدَمْعُ الْعَيْنِ وَعَلَى هَذَا تَهْذِيبُ آثَارِ هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ