وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مِقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ
كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ (...)
 
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مِقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ
كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ لَهُ
هَذَا مِقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
هَكَذَا قَالَ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَهُوَ مَعْنًى مَفْهُومٌ عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ لحتى يَبْعَثُكَ اللَّهُ
وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَهَذَا أَثْبَتُ وَأَوْضَحُ مِنْ أَنْ يحتاج فيه إلى قول وقال فيه بن الْقَاسِمِ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ
إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَهَذَا أَيْضًا بَيِّنٌ يُرِيدُ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْعَدِ وَإِلَيْهِ تَصِيرُ
وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ لِقَوْلِهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مِقْعَدُهُ لِأَنَّ مَعْنَى مِقْعَدُهُ عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ
مُسْتَقَرُّهُ وَمَا يَسِيرُ إِلَيْهِ مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن بكير كما روى بن القاسم وقد روي عن بن بُكَيْرٍ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ
لَمْ يَزِدْ
وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَرِيبًا مِنَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى
مَالِكٍ فِيمَا وَصَفْنَا
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعَةً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ
أَيْ إِلَى اللَّهِ فَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ الْأُمُورُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ كَمَا يَقُولُ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَهُمُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ أَهْلُ الرَّأْيِ وَالْآثَارِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) الْبَقَرَةِ 35
وقوله تعالى (لا يفتنكم الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) الْأَعْرَافِ 27
وَقَالَ (إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) طه 117
وَقَالَ لِإِبْلِيسَ (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) الْحِجْرِ 34
وَقَالَ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي آلِ فِرْعَوْنَ (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) غَافِرَ 46
وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا الْحَدِيثَ
وَقَوْلُهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينَ وَاطَّلَعْتُ
فِي النار فرأيت أكثر أهلها النساء
وقوله دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَأَخَذْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ وَخَلَقَ النَّارَ فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87
وَالْآثَارُ فِي أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا كَثِيرَةٌ جِدًّا
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٌ
الدِّمَشْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا بن أبي فديك قال حدثنا بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِ
الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ
كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ فَيَجْلِسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةً
إِلَى النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ ثُمَّ يُفْرَجُ
لَهُ فُرْجَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ وَذَكَرَ تَمَامَ
الْحَدِيثِ
وَفِيهِ بَيَانُ وَتَفْسِيرُ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ
وَفِيهِ قَالَ فَتُعَادُ رُوحُهُ إِلَى جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ
رَبِّيَ اللَّهُ وَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِي الْإِسْلَامُ وَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ نَبِيِّي
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ صَدَقَ عَبْدِي فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ
مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ طِيبِهَا وَرَوْحِهَا وَيُفْتَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ
مَدَّ بَصَرِهِ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ فِي الْكَافِرِ أَنَّهُ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ
قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أضلاعه
وهذا الحديث يفسر أيضا حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْأَحَادِيثُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنْ أَحَدَكُمْ فَإِنَّ الْخِطَابَ مُوَجَّهٌ إِلَى أَصْحَابِهِ وَإِلَى الْمُنَافِقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
فَيُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَعَلَى الْمُنَافِقِ مِقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِقْرَارُ بِالْمَوْتِ وَالْبَعْثِ بَعْدَهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88
وَكَذَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ عَلَى أَفَنِيَّةِ الْقُبُورِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ أَحْسَنُ مَجِيئًا وَأَثْبَتُ نَقْلًا مِنْ غَيْرِهَا
وَالْمَعْنَى عِنْدِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَلَى أَفَنِيَّةِ قُبُورِهَا لَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِيمُ وَلَا تُفَارِقُ أَفَنِيَّةَ
الْقُبُورِ بَلْ هِيَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَسْرَحُ حَيْثُ
شَاءَتْ
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ الْأَرْوَاحُ عَلَى الْقُبُورِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دَفْنِ الْمَيِّتِ لَا تُفَارِقُ
ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ