مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ (...)
 
مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ
اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَتْهُ طائفة عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَرَوَاهُ آخرون عن بن شِهَابٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى عن بن شهاب
عن بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَلَمْ يُسَمُّوهُ عَنْ كَعْبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي التَّمْهِيدِ
وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُعَارِضُهُ ظاهر حديث بن عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ قَوْلُهُ إِذَا
مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مِقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ الْحَدِيثَ وَقَالُوا إِذَا كَانَ يَسْرَحُ فِي
الْجَنَّةِ وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ فِي جَمِيعِ أَحْيَانِهِ فَكَيْفَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مِنْهَا مِقْعَدُهُ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ خَاصَّةً
وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لِأَنَّ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا مَعْنَاهُ فِي الشُّهَدَاءِ خاصة
وحديث بن عُمَرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عن
بن شهاب عن بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ طَيْرٌ خُضْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ
وقد ذكرنا إسناده عن بن عُيَيْنَةَ فِي التَّمْهِيدِ
وَذَكَرْنَا حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ الشُّهَدَاءُ يَغْدُونَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90
وَيَرُوحُونَ إِلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يَكُونُ مَأْوَاهُمْ إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ الْحَدِيثَ
ذَكَرْنَاهُ مِنْ طرق هناك والحمد لله
وروى بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ سمع بن عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ أَرْوَاحَ
الشُّهَدَاءِ تَجُولُ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلَقُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ فَهَذَا أَكْلُهُ
فَهَذَا نَصٌّ يَخُصُّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ فَالشَّهِيدُ يَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَيَأْكُلُ
مِنْهَا يَقُولُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي الشُّهَدَاءِ إِنَّهُمْ (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آلِ عِمْرَانَ
169 فَخَصَّهُمْ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ فَلَا يُشْرِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَالنَّسَمَةُ الْأَرْوَاحُ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ
وَتَسْبَحُ وَتَأْكُلُ كَأَنَّهَا طَيْرٌ - قَدْ قِيلَ - خُضْرٌ
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا رِوَايَةَ مَنْ رَوَى فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي جَسَدٍ
رُوحَانِ رُوحُ الْمُؤْمِنِ وَرُوحُ الطَّيْرِ
هَذَا مِحَالٌ تَدْفَعُهُ الْعُقُولُ لِمُخَالَفَتِهِ الْأُصُولَ وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ رِوَايَةُ
مَنْ رَوَى فِي أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ كَأَنَّهَا طَيْرٌ لَا فِي جَوْفِ طَيْرٍ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مَالِكٍ
هَذَا فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ وَلَمْ يَقُلْ فِي جَوْفِ طَائِرٍ
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
عَنْ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ قَالَ أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ كَطَيْرٍ خُضْرٍ فِي قَنَادِيلَ تَحْتَ
الْعَرْشِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى قَنَادِيلِهَا فَيَتَطَلَّعُ إِلَيْهَا رَبُّهَا فَيَقُولُ
مَاذَا تُرِيدُونَ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَنُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عن بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ كَطَيْرٍ حَسَنٌ أَيْضًا
وَفِي قَوْلِ بن مَسْعُودٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ مَا يُعَضِّدُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى تَعْلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ
لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ تَسْرَحُ وَمَنْ رَوَى تَعْلُقُ بِضَمِّ اللَّامِ فَالْمَعْنَى فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ تَأْكُلُ
وَتَرْعَى وَنَحْوُ هَذَا
وَلِمُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي الشُّهَدَاءِ (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آلِ عِمْرَانَ
169 قَالَ لَيْسَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَكِنْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِهَا وَيَجِدُونَ رِيحَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مَالِكٍ يَرُدُّ قَوْلَ مُجَاهِدٍ هَذَا لِأَنَّ فِيهِ إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ
طَائِرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ شَجَرَ الْجَنَّةِ وَثَمَرَهَا فِي غَيْرِهَا فَقَدْ أَحَالَ
ظَاهِرَ الْحَدِيثِ
وَقَدِ اسْتَوْعَبْنَا الْقَوْلَ فِي شَرْحِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظِهِ فِي التَّمْهِيدِ والحمد لله
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91
وَأَمَّا قَوْلُهُ نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ فَالنَّسَمَةُ الرُّوحُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ النَّسَمَةَ الْإِنْسَانُ
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً مُؤْمِنَةً
وَقَالَ عَلِيٌّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لَا وَالَّذِي خَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ
(بِأَعْظَمَ مِنْهُ تُقًى فِي الْحِسَابِ ... إِذَا النَّسَمَاتُ نَقَضْنَ الْغُبَارَا)
وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ عَنِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ بِأَلْفَاظٍ شَتَّى وَعَنْ مَعَانٍ مُتَقَارِبَةٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ هَذَا
كَثِيرٌ فِي لُغَتِهَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَسَعِيدٌ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عن مسروق قال سألنا بن مَسْعُودٍ
عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ) آلِ عِمْرَانَ 169 فَقَالَ أَمَّا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ أَرْوَاحُهُمْ طَيْرٌ خُضْرٌ
تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيُّهَا شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ وَذَكَرَ تمام الخبر
وذكر بن أَبِي الدُّنْيَا قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ بَلَغَنِي
أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ مُرْسَلَةٌ تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ