مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا (...) |
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ ثَابِتَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبَ وَأَبُو سَلَمَةَ وَحُمَيْدٌ ابْنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبُو صَالِحٍ السِّمَّانُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَلَمْ يروه مالك عن بن شِهَابٍ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هريرة واختلف أصحاب بن شِهَابٍ عَنْهُ فِيهِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ وَزَعَمَ الذُّهْلِيُّ أَنَّ الطُّرُقَ فيه عن بن شِهَابٍ صِحَاحٌ كُلُّهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ الْحَدِيثَ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ مولود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الذَّاهِبِينَ إِلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَكَانَ لَهُ أَبَوَانِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ قَالُوا وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْلُودِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ مَوْلُودُونَ عَلَى الْفِطْرَةِ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَوْلُودَ عَلَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي كُفْرِهِمَا حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ وَيَبْلُغَ مَبْلَغَ مَنْ يَكْسِبُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُولَدْ عَلَى الْفِطْرَةِ وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِمَا مَا دَامَ لَمْ يَحْتَلِمْ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كَانَ حَكَمَ نَفْسِهِ وَاحْتَجَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِحَدِيثِ أَبِي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ طَبَعَهُ اللَّهُ يَوْمَ طَبَعَهُ كَافِرًا وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يولد مؤمنا ويحيى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا ويحيى كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَلَدُ مُؤْمِنًا ويحيى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا ويحيى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَخَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ طُرُقٍ فِي التَّمْهِيدِ قَالُوا فَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ أَوْ يَهُودِيَّانِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَيْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ وَفِي دَفْنِهِ مَعَ أَبَوَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا دَامَ صَغِيرًا ثُمَّ يَصِيرُ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا وَأَلْفَاظُ الْحُفَّاظِ عَلَى نَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا وَدَفَعُوا رواية من روى كل بني آدم يولد عَلَى الْفِطْرَةِ قَالُوا وَلَوْ صَحَّ هَذَا اللَّفْظُ مَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْخُصُوصَ جَائِزٌ دُخُولُهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فِي لسان العرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) الْأَحْقَافِ 25 وَلَمْ تُدَمِّرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقَوْلُهُ (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) الْأَنْعَامِ 44 وَلَمْ يَفْتَحْ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ وَذَكَرُوا مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أو يمجسانه وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ بن شِهَابٍ فِيهِ فِي التَّمْهِيدِ وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ حَدِيثِ الرويا وَفِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِبْرَاهِيمُ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَقَالَ آخَرُونَ كُلُّ مَوْلُودٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَهُوَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَدًا وَأَبَوَاهُ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانُهُ قَالُوا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا وَصَفْنَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى كُلُّ بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَمَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا وَيُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَحَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ قال حدثني يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 ثم قال أبو هريرة اقرؤوا (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الرُّومِ 30 وَذَكَرُوا حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ الرُّؤْيَا فِيهِ وَالشَّيْخُ الَّذِي فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَالْوِلْدَانُ حَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ فَقَالُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ أَلْفَاظُهَا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ لَيْسَ كَمَا تَأَوَّلَهُ الْمُخَالِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ بَلِ الْجَمِيعُ مِنْ أَوْلَادِ النَّاسِ مَوْلُودُونَ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْفِطْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَاضْطَرَبُوا فِي مَعْنَاهَا وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ مُتَبَايِنَةً وَادَّعَتْ كُلُّ فُرْقَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَ آيَةٍ أَوْ ظَاهِرَ سُنَّةٍ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَنُوَضِّحُهُ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَقْوَالِ عَنِ السَّلَفِ والخلف إن شاء الله وقد سَأَلَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْفَقِيهَ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا أَجَابَهُ فِيهِ بِأَكْثَرِ مِنْ أَنْ قَالَ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِالْجِهَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ بن الْمُبَارَكِ يُفَسِّرُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ في تفصيل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وبن الْمُبَارَكِ وَلَمْ يَزِدْ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَلَا عن غيرهما وأما ما ذكره عن بن الْمُبَارَكِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مُقْنِعٌ مِنَ التَّأْوِيلِ وَلَا شَرْحُ مَذْهَبٍ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَلَكِنَّهَا جُمْلَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوفِ عَنِ الْقَطْعِ فِيهِمْ بِكُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ أَوْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ مَا لَمْ يَبْلُغُوا وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَأَظُنُّهُ حَادَ عَنِ الْجَوَابِ إِمَّا لِإِشْكَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ لِجَهْلِهِ بِهِ أَوْ لِكَرَاهَةِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِالْجِهَادِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ وَالْأَحْنَفِ جَمِيعًا عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَرَوَى عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَنَادَاهُ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ أُرِيدَ بِالْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخِلْقَةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ فِي الْمَعْرِفَةِ بِرَبِّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى خِلْقَةٍ يَعْرِفُ بِهَا رَبَّهُ إِذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الْمَعْرِفَةِ يُرِيدُ خِلْقَةً مُخَالِفَةً لِخِلْقَةِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصِلُ بِخِلْقَتِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ الْخِلْقَةُ وَالْفَاطِرَ الْخَالِقُ بِقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فَاطِرَ 1 يَعْنِي خَالِقَهُنَّ وَقَوْلُهُ (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) يس 22 يَعْنِي خَلَقَنِي وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ فُطِرَ عَلَى كُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ أَوْ مَعْرِفَةٍ أَوْ إِنْكَارٍ وَقَالُوا إِنَّمَا يُولَدُ الْمَوْلُودُ عَلَى السَّلَامَةِ فِي الْأَغْلَبِ خِلْقَةً وَبِنْيَةً وَطَبْعًا لَيْسَ مَعَهَا إِيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا إِنْكَارٌ ولا معرفة ثم يعتقدون الإيمان أوالكفر بعد أذا ميزوا واحتجوا بقوله فِي الْحَدِيثِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ - يَعْنِي سَالِمَةً - هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ يَعْنِي مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ فَمَثَّلَ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بِالْبَهَائِمِ لِأَنَّهَا تُولَدُ كَامِلَةَ الْخَلْقِ لَيْسَ فِيهَا نُقْصَانٌ وَلَا آفَةٌ ثُمَّ تُقْطَعُ آذَانُهَا بَعْدُ وَتُشَقُّ وَتُثْقَبُ أُنُوفُهَا وَيُقَالُ هَذِهِ بِحَائِرُ وَهَذِهِ سَوَائِبُ وَكَذَلِكَ قُلُوبُ الْأَطْفَالِ فِي حِينِ وِلَادَتِهِمْ سَالِمَةٌ لَيْسَ لَهُمْ كُفْرٌ وَلَا إِيمَانٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ وَلَا إِنْكَارٌ فَلَمَّا بَلَغُوا اسْتَهْوَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ وَكَفَرَ أَكْثَرُهُمْ وَعَصَمَ اللَّهُ أَقَلَّهُمْ قَالُوا وَلَوْ كَانَ الْأَطْفَالُ قَدْ فُطِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْكُفْرِ أَوِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِيَّةِ أَمْرِهِمْ مَا انْتَقَلُوا عَنْهُ أَبَدًا كَمَا لَا يَنْتَقِلُونَ عَنْ خِلْقَتِهِمْ وَقَدْ نَجِدُهُمْ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ يَكْفُرُونَ وَيَكْفُرُونَ ثُمَّ يُؤْمِنُونَ قَالُوا وَيَسْتَحِيلُ فِي الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ الطِّفْلُ فِي حِينِ وِلَادَتِهِ يَعْقِلُ كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرَجَهُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ الَّتِي يُولَدُ النَّاسُ عَلَيْهَا والله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وَذَلِكَ أَنَّ الْفِطْرَةَ السَّلَامَةُ وَالِاسْتِقَامَةُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاكِيًا عَنْ رَبِّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ يَعْنِي عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَسَلَامَةٍ وَالْحَنِيفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُسْتَقِيمُ السَّالِمُ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْأَعْرَجِ أَحْنَفُ عَلَى جِهَةِ التَّفَاؤُلِ كَمَا قِيلَ لِلْقَفْرِ مَفَازَةٌ فَكَأَنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ الَّذِينَ خَلَصُوا مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا مِنَ الْمَعَاصِي وَالطَّاعَاتِ بِلَا طَاعَةٍ مِنْهُمْ وَلَا مَعْصِيَةٍ إِذْ لَمْ يَعْمَلُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) الْكَهْفِ 74 لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَكْسِبِ الذُّنُوبَ وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا وَحُجَّةً فِي التَّمْهِيدِ وقال آخرون الفطرة ها هنا الْإِسْلَامُ قَالُوا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الرُّومِ 30 يَعْنِي الْإِسْلَامَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أبي هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الرُّومِ 30 وَذَكَرُوا عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ قَالُوا (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الرُّومِ 30 دِينُ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الرُّومِ 30 قَالُوا لِدِينِ اللَّهِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ يَوْمًا أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي اللَّهُ فِي الْكِتَابِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَكَذَلِك رَوَاهُ بَكْرُ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ حُنَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التمهيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وَرَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ وَلَمْ يَسْمَعْهُ قَتَادَةُ مِنْ مُطَرِّفٍ لِأَنَّ هَمَّامَ بْنَ يَحْيَى رَوَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مُطَرِّفٍ وَلَكِنَّهُ حَدَّثَنِي ثَلَاثَةٌ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَالْعَلَاءُ بْنُ يَزِيدَ كُلُّهُمْ يَقُولُ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ لَمْ يَقُلْ مُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا قَالَ حُنَفَاءَ فَقَطْ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ محمد بن إسحاق عن من لَا يُتَّهَمُ عِنْدَهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي كُلَّهُمْ حُنَفَاءَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمِينَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى حِفْظِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَإِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ مُسْلِمِينَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضٍ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُونَ فِيهِ مُسْلِمِينَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قوله تعالى (حنفاء) فروي عن الضحاك والسدي فِي قَوْلِهِ (حُنَفَاءَ) قَالَا حُجَّاجًا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ الْحَنِيفِيَّةُ حَجُّ الْبَيْتِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حُنَفَاءَ مُتَّبِعِينَ هَذَا كُلَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ الْإِسْلَامُ وَيَشْهَدُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُ (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا) آلِ عِمْرَانَ 67 وَقَالَ (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الْحَجِّ 78 قَالُوا أَوَّلُ من تسمى مسلم وَسَمَّى مَنِ اتَّبَعَهُ الْمُسْلِمِينَ (إِبْرَاهِيمُ) عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ أَيْ سَالِمِينَ مِنْ آفَاتِ الْجَحْدِ وَالْإِنْكَارِ وَالْكُفْرِ قَالُوا فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو عُمَرَ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُوَحِّدِينَ لَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ فِي شَرِيعَتِهِ بَلْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ فِي نَفْيِ الشِّرْكِ وَدَفْعِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَكُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 نبيهم صلى الله عليه وسلم بِالْإِسْلَامِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَشَرَعَ لَهُ مِنْهَاجًا ارْتَضَاهُ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفِي دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ حُنَفَاءُ عَلَى الِاتِّسَاعِ قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ الرَّاعِي (أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إِنَّا مَعْشَرٌ ... حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (عَرَبٌ نَرَى لِلَّهِ فِي أَمْوَالِنَا ... حَقَّ الزَّكَاةِ مُنَزَّلًا تَنْزِيلًا) فَهَذَا قَدْ وَصَفَ الْحَنِيفِيَّةَ بِالْإِسْلَامِ بِإِسْنَادٍ وَقَدْ قِيلَ الْحَنِيفُ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ سُمِّيَ مَنْ كَانَ يَخْتَتِنُ وَيَحُجُّ الْبَيْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَنِيفًا وَالْحَنِيفُ الْيَوْمَ الْمُسْلِمُ وَيُقَالُ إِنَّمَا سُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ حَنِيفًا لِأَنَّهُ كَانَ حَنَفَ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مِنَ الْآلِهَةِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ أَيْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ وَمَالَ وَأَصْلُ الْحَنَفِ مَيْلٌ مِنْ إِبْهَامَيِ الْقَدَمَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى صَاحِبَتِهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِنَّهَا خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَعَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ يَعْنِي مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْإِسْلَامُ أَبُو هريرة وبن شِهَابٍ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَيُجْزِئُ عَنْهُ الصَّبِيُّ أَنْ يَعْتِقَهُ وَهُوَ يَرْضَعُ قَالَ نَعَمْ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ يَعْنِي الْإِسْلَامَ وَعَلَى هَذَا الْفِعْلِ يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ مِنْ جَدْعَاءَ يَقُولُ خُلِقَ الطِّفْلُ سَلِيمًا مِنَ الْكُفْرِ مُؤْمِنًا مُسْلِمًا عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) الْأَعْرَافِ 172 قَالَ أَبُو عُمَرَ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْفِطْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْإِسْلَامَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَاعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَالْفِطْرَةُ لَهَا مَعَانٍ وَوُجُوهٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا أَجَزَأَ الطِّفْلُ الْمُرْضِعُ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ عِتْقَهُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَبَوَيْهِ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا لَا يُجْزِئُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ إِلَّا مَنْ صَامَ وَصَلَّى وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ يَعْنِي عَلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي ابْتَدَأَهُمْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنْ أَنَّهُ ابتدأهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 بِالْحَيَاةِ لِلْمَوْتِ وَلِلشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ إِلَى مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ مِنْ مُيُولِهِمْ عَنْ آبَائِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ مَا لَا بُدَّ مِنْ مَصِيرِهِمْ إِلَيْهِ قَالُوا وَالْفِطْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبَدْأَةُ وَالْفَاطِرُ المبدئ والمبتدئ فكأنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَا ابْتَدَأَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّقَاءِ والسعادة مما يصير إليه وذكروا عن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَا (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فَاطِرٍ 1 حَتَّى أَتَانَا أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فَطَرْتُهَا أَيِ ابْتَدَأْتُهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة) الْأَعْرَافِ 29 30 وَذَكَرُوا مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي بَعْضِ دُعَائِهِ اللَّهُمَّ جَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ شَبِيهٌ بِمَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنَّهُ قَالَ يُفَسِّرُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ قَدْ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ تَرَكَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَهُ فِي أَبْوَابِ الْقَدَرِ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ نَحْوُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ) الْأَعْرَافِ 29 30 قَالُوا شَقِيًّا وَسَعِيدًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبْعَثُ الْمُسْلِمُ مُسْلِمًا وَالْكَافِرُ كَافِرًا وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ (كَمَا بَدَأَكُمْ تعودون الْأَعْرَافِ 29 قَالُوا عَادُوا إِلَى عِلْمِهِ فِيهِمْ (فَرِيقًا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) الْأَعْرَافِ 30 وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ لِلضَّلَالَةِ سَيَّرَهُ إِلَى الضَّلَالَةِ وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الْهُدَى وَمَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) خَلْقَهُ عَلَى الْهُدَى سَيَّرَهُ إِلَى الْهُدَى وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ ابْتَدَأَ خَلْقَ إِبْلِيسَ عَلَى الضَّلَالَةِ وَعَمِلَ بِعَمَلِ السُّعَدَاءِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى مَا ابْتَدَأَ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنَ الضَّلَالَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 قَالَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَابْتَدَأَ خَلْقَ السَّحَرَةِ عَلَى الْهُدَى وَعَمِلُوا بِعَمَلِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ إِلَى الْهُدَى وَالسَّعَادَةِ وَتَوَفَّاهُمْ عَلَيْهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظهورهم ذريتهم) الْأَعْرَافِ 172 يَقُولُ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ الْأَرْوَاحُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَجْسَادُهَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الْأَعْرَافِ 172 الْحَدِيثَ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ (كَمَا بَدَأَكُمْ تعودون) الْأَعْرَافِ 29 وَلَا فِي أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَخْتِمُ لِلْعَبْدِ بِمَا قَضَاهُ لَهُ وَقَدَّرَ عَلَيْهِ حِينَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطِّفْلَ يُولَدُ حِينَ يُولَدُ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْعُقُولُ إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ مِمَّنْ يَعْقِلُ إِيمَانًا وَلَا كُفْرًا وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ أَنَّ النَّاسَ خُلِقُوا طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا مَطْعَنَ فِيهَا لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ فِيهِ كَانَ رَفَّاعًا عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ قَوْلَهُ يُولَدُ مُؤْمِنًا أَيْ يُولَدُ لِيَكُونَ مُؤْمِنًا وَيُولَدُ لِيَكُونَ كَافِرًا عَلَى سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ فِيهِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا يؤول إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَخَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ أَكْثَرُ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا يُخْتَمُ بِهِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ فِي حِينَ طُفُولَتِهِمْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ جَنَّةً أَوْ نَارًا أَوْ يَفْعَلُ كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَطَرَهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَأَخَذَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِيثَاقًا حِينَ حَلَّفَهُمْ فَقَالَ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قَالُوا جَمِيعًا بَلَى فَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَقَالُوا بَلَى عَلَى مَعْرِفَةٍ بِهِ طَوْعًا مِنْ قُلُوبِهِمْ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ فَقَالُوا بَلَى كُرْهًا لَا طَوْعًا قَالَ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) آلِ عِمْرَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ) الْأَعْرَافِ 29 30 قَالَ الْمَرْوَزِيُّ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَبِي هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الرُّومِ 30 قَالَ إِسْحَاقُ يَقُولُ لَا تَبْدِيلَ لِخِلْقَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ يَعْنِي مِنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِنْكَارِ وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الْأَعْرَافِ 172 قَالَ إِسْحَاقُ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا الْأَرْوَاحُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ فَاسْتَنْطَقَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) فَقَالَ انْظُرُوا أَنْ لَا تَقُولُوا (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) الْأَعْرَافِ 172 173 وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ أَيْضًا بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الخضر أنه كان طبع كافرا وبأن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَأُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا) وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فِي التَّمْهِيدِ وَسُئِلَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقَالَ هَذَا عِنْدَنَا حَيْثُ أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ إِسْحَاقَ وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ حِينًا يَقُولُ بِهِ وَحِينًا يَحِيدُ عَنْهُ وَقَدْ تَقَصَّيْنَا عَنِ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ الْأَثَرِ الْآثَارَ الشَّاهِدَةَ لِأَقْوَالِهِمْ فِي التَّمْهِيدِ وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ فَمُنْكِرُونَ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الْأَعْرَافِ 172 قَالُوا مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَ خَلْقِهِ إِيَّاهُمْ وَمَا خَلَقَهُمْ قَطُّ إِلَّا فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَمَا اسْتَخْرَجَ قَطُّ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ دُونَهُ مُخَاطَبٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَأَحْيَاهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالُوا وَكَيْفَ يُخَاطِبُ اللَّهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ وَكَيْفَ يُجِيبُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَكَيْفَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِمِيثَاقٍ لَا يَذْكُرُونَهُ وَهُوَ (تَعَالَى ذِكْرُهُ) لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا نَسُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 قَالُوا وَلَا نَجِدُ أَحَدًا يَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُ عُرِضَ لَهُ أَوْ كَانَ مِنْهُ قَالُوا وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بِقَوْلِهِ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) الْأَعْرَافِ 172 إِخْرَاجَهُ إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا وَخَلْقَهِ لَهُمْ وَإِقَامَتَهِ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ بِأَنْ فَطَرَهُمْ وَنَبَّأَهُمْ فِطْرَةً إِذَا بَلَغُوا وَعَقَلُوا عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَخْرَجَ الذَّرِّيَّةَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَعَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا جَعَلَ فِي عُقُولِهِمْ مِمَّا تُنَازِعُهُمْ فِيهِ أَنْفُسُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ حَتَّى صَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قِيلَ لَهُمْ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) الْأَعْرَافِ 172 وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ لَهُمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ عَلَى أَلْسَنَةِ أَنْبِيَائِهِ وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْحَدِيثَ الْمَأْثُورَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ بِتَأْوِيلٍ لِلْآيَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا كُلِّهِ فِي الْمَعْرِفَةِ هَلْ تَقَعُ ضَرُورَةً أَوِ اكْتِسَابًا وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِيمَا وَصَفْنَا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَطْفَالِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَوْلَادُ النَّاسِ كُلُّهُمُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ وَالْكَافِرِينَ إِذَا مَاتُوا أَطْفَالًا صِغَارًا مَا لَمْ يَبْلُغُوا فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) يُصَيِّرُهُمْ إِلَى مَا شَاءَ مِنْ رَحْمَةٍ أَوْ عَذَابٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَدْلٌ مِنْهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مُوَطَّأُ مَالِكٍ وَهَذَا الْقَوْلُ نَسَبَهُ أَهْلُ الْكَلَامِ إِلَى أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْأَطْفَالِ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةً يَا رَبِّ عَلَقَةً يَا رَبِّ مُضْغَةً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 أَمْ أُنْثَى أَشَقِيٌ أَمْ سَعِيدٌ وَمَا الرِّزْقُ وَمَا الْأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَحَدِيثُ بن مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن بن آدَمَ يَمْكُثُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَذْكَرٌ أَمْ أُنْثَى أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ وَمَا الْأَجَلُ وَمَا الْأَثَرُ فَيُوحِي اللَّهُ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ حَتَّى أَنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فيغلب عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَعْنَى جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ عَنْهُمْ في التمهيد وقد روي عن بن عَبَّاسٍ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَطُرُقُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ وَهِيَ أَثْبَتُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ مِنْ كُلِّ مَا رُوِيَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي التَّمْهِيدِ وَمِنْ جِهَةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ مِنْ صِبْيَانِ الْأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ ذَنْبٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلَهَا وَخَلَقَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلَهَا وَخَلَقَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى وَفُضَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 ومن حجتهم أيضا حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال إن الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ طُبِعَ كَافِرًا وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي مَرْفُوعًا إِلَّا رَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاسٍ الْهَمْدَانِيُّ وَلَمْ يرفعه شعبة والثوري وهو مذهب بن عَبَّاسٍ فِي كِتَابِهِ إِلَى نَجْدَةَ الْحَرُورَيِّ حَيْثُ قَالَ لَهُ وَأَمَّا الْغِلْمَانُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا عَلِمَهُ الْخِضْرُ مِنَ الْغُلَامِ فَاقْتُلْهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ رَجُلٌ وَكَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي لَفْظِ الْغُلَامِ لِأَنَّ الْغُلَامَ عِنْدَهُمْ هُوَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ يَقَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِهِمُ اسْمُ الْغُلَامِ مِنْ حِينِ يَفْهَمُ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُسَمَّى غُلَامًا وَهُوَ رَضِيعٌ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ ثُمَّ يَصِيرُ يَافِعًا وَيَفَاعًا إِلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ يَصِيرُ حَزَوَّرًا إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَةِ مَنَازِلَ سِنِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَصِيرَ هَمًّا فَانِيًا كَبِيرًا مِمَّا لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى ذِكْرِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا آثَارَ هَذَا الْبَابِ بِأَسَانِيدِهَا وَمَا كَانَ مِنْ مَعْنَى طُرُقِهَا فِي التَّمْهِيدِ وَقَالَ آخَرُونَ (وَهُمُ الْأَكْثَرُ) أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي الْمَشِيئَةِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ تُجَاوِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَقُولُونَ لَا حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا فَيُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِي وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الرَّحْمَةُ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِ وَشُفِّعَ فِيهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَرْحُومًا قَبْلَهُ وَكَانَ أَرْفَعَ حَالًا وَأَسْلَمَ مِمَّنْ شُفِّعَ فِيهِ وَحَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُحِبُّهُ فَقَالَ أَحَبَّكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا أُحِبُّهُ فَتُوُفِّيَ الصَّبِيُّ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ ابْنُهُ ثُمَّ دَخَلَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَى أَنْ لَا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا جَاءَهُ يَسْعَى يَفْتَحُهُ لَكَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ وَحْدَهُ! أَمْ لَنَا كُلِّنَا قَالَ بَلْ لكم كلكم رواه يحيى القطان وبن مَهْدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ أَنْ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صِغَارُكُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ تَكْفُلُهُمْ سَارَّةُ وَإِبْرَاهِيمُ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَفَعُوهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) الْمُدَّثِّرِ 38 39 قَالَ هُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْآثَارَ بِأَسَانِيدِهَا فِي التَّمْهِيدِ وَقَالَ آخَرُونَ حُكْمُ الْأَطْفَالِ كُلِّهِمْ كَحُكْمِ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ وَكَافِرُونَ بِكُفْرِ آبَائِهِمْ فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وحجتهم حديث بن عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أَطْفَالِ الْكُفَّارِ هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَهَذَا عِنْدِي لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ إِنْ أُصِيبُوا فِي التَّبْيِيتِ وَالْغَارَةِ فَلَا قَوْدَ فِيهِمْ وَلَا دِيَةَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أُمَّنَا مَاتَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ تُقْرِي الضَّيْفَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَهَلْ يَنْفَعُهَا مِنْ عَمَلِهَا شَيْءٌ قَالَ لَا قُلْنَا إِنَّ أُمَّنَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تَبْلِغِ الْحِنْثَ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعٌ أُخْتَنَا فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوائدة والموؤودة فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ فَيُغْفَرُ لَهَا وَرَوَى بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَرَارِي الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ قُلْتُ فَلَا عَمَلَ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَرَارِي الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ قُلْتُ فَلَا عَمَلَ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ غَيْرِ هَذَا هُمَا أَضْعَفُ مِنْ هَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُقَيْلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ بَهِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ زِيَادَةٌ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ شِئْتِ لَأَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيهِمْ فِي النَّارِ وَأَبُو عُقَيْلٍ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فِي التَّمْهِيدِ وَلَوْ صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خُصُوصًا لِقَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ لَئِنْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيهِمْ فِي النَّارِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَنْ مَاتَ وَصَارَ فِي النَّارِ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ وَالْأَوْلَى بِأَهْلِ النَّظَرِ أَنْ يَعْرِضُوا لِهَذِهِ الْآثَارِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مَجِيئًا مِنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّهَادَةِ لِلْأَطْفَالِ كُلِّهِمْ بِالْجَنَّةِ وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَأَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الطَّوْرِ 21 وَقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِنُوحٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) هُودٍ 36 فَلَمَّا قِيلَ لِنُوحٍ ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَأَنَّهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ يَمُوتُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِهَلَاكِهِمْ جَمِيعًا فَقَالَ (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) نُوحٍ 26 27 وَهَذَا عِنْدِي لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ يَلِدُونَ الْفُجَّارَ وَالْكُفَّارَ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 يَصِحُّ الْفُجُورُ وَالْكُفْرُ إِلَّا مِمَّنْ تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَقْلَامُ وَيَلْحَقُهُ التَّكْلِيفُ وَقَالَ آخَرُونَ أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادُ الْكُفَّارِ إِذَا مَاتُوا صِغَارًا فِي الْجَنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْنِي أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً وَحُجَّتُهُمْ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ خَنْسَاءَ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي صَرِيمٍ عَنْ عَمِّهَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْأَنْبِيَاءُ فِي الْجَنَّةِ وَالشُّهَدَاءُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَالْوَلِيدُ فِي الْجَنَّةِ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الْأَنْعَامِ 164 فَقَالَ هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُ رَبِّي عَنِ اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْبَشَرِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ فَأَعْطَانِيهِمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا قِيلَ لِلْأَطْفَالِ اللَّاهِينَ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَاللَّهْوِ وَاللَّعِبُ مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ وَلَا قَصْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ لَهَيْتُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا لَمْ أَعْتَقِدْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) الْأَنْبِيَاءِ 3 وَمِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ قَالَ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَرَوَى أَبُو رَجَاءٍ العطاردي عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ حَدِيثَ الرويا وَفِيهِ قَوْلُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَمَّا الْوِلْدَانُ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ فَهَذَا يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ وَعُمُومُهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَآثَارُ هَذَا الْبَابِ مُعَارِضَةٌ لِحَدِيثِ الوائدة والموؤودة فِي النَّارِ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْآثَارُ وَجَبَ سُقُوطُ الْحُكْمِ بِهَا وَرَجَعَنَا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ إِلَّا بِذَنْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الْإِسْرَاءِ 15 وَقَوْلِهِ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الزُّمْرِ 71 وَآيَاتُ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى أَنِّي أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَلَوْ عَذَّبَهُمْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُمْ وَلَكِنْ جَلَّ مَنْ تَسَمَّى بالغفور الرحيم الرؤوف الْحَكِيمِ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ إِلَّا حَقِيقَةً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَقَالَ آخَرُونَ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَوْلُودِ قَالَ يَقُولُ الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ لَمْ يَأْتِ كِتَابٌ وَلَا رَسُولٌ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ) طه 134 وَيَقُولُ الْمَعْتُوهُ يَا رَبِّ لَمْ تَجْعَلْ لِي عَقْلًا أَعْقِلُ بِهِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا قَالَ وَيَقُولُ الْمَوْلُودُ رَبِّ لَمْ أُدْرِكْ الْعَقْلَ وَالْعَمَلَ قَالَ فَتُرْفَعُ لَهُمْ نَارٌ فَيُقَالُ لَهُمْ رُدُّوهَا وَادْخُلُوهَا قَالَ فَيَرِدُهَا أَوْ يَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ قَالَ فَيَقُولُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إِيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ بِرُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِثْلُهُ وَمَعْنَاهُ وَهِيَ كُلُّهَا أَسَانِيدُ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ وَلَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِأَسَانِيدِهَا فِي التَّمْهِيدِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يُنْكِرُونَ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ وَلَا ابْتِلَاءٍ وَكَيْفَ يُكَلَّفُونَ دُخُولَ النَّارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَا يَخْلُو أَمْرُ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ مِنْ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا أَوْ غَيْرَ كَافِرٍ إِذَا لَمْ يَكْفُرُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا رَسُولٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ كَافِرًا جَاحِدًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ فَكَيْفَ يُمْتَحَنُونَ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِأَنْ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ وَلَا أُرْسِلَ إِلَيْهِ رَسُولٌ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ أَنْ يَقْتَحِمَ النَّارَ وَهِيَ أَشَدُّ الْعَذَابِ وَالطِّفْلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ أَحْرَى بِأَنْ لَا يُمْتَحَنَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ النَّظَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ فِيهِ الْأَثَرُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وقد ذكره بن عباس ومحمد بن الْحَنَفِيَّةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ ذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُوَاتِيًا أَوْ مُتَقَارِبًا حَتَّى يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَنْظُرُوا فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فَذَكَرْتُهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ أَيَسْكُتُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْجَهْلِ قُلْتُ فَيَأْمُرُ بِالْكَلَامِ فَسَكَتَ وَذَكَرَ الْمَرْوَذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علية عن بن عَوْنٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ مَاذَا كَانَ بَيْنَ قَتَادَةَ وَبَيْنَ حَفْصِ بْنِ عُدَيٍّ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَتَكَلَّمَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاسِمُ إِذَا اللَّهُ نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَقِفُوا عِنْدَهُ قَالَ فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نارا فأطفئت وقد سمع بن عَبَّاسٍ رَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ فِي الْقَدَرِ فَقَالَ كِلَاكُمَا زَائِغٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَا بَلَغَنَا عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ الَّتِي يُولَدُ الْمَوْلُودُ عَلَيْهَا وَاخْتَصَرْنَا الْقَوْلَ لِأَنَّا بَسَطْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ أَحْكَامُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَبَقِيَتْ أَحْكَامُهُمْ فِي الدُّنْيَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَنَحْنُ نذكر ذلك ها هنا بِعَوْنِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا عَلِمْتُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْأَطْفَالِ فِي الدُّنْيَا كَأَحْكَامِ آبَائِهِمْ مَا لَمْ يَبْلُغُوا فَإِذَا بَلَغُوا فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ هَذَا فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَطْفَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَآبَائِهِمْ فِي الْمَوَارِيثِ وَالنِّكَاحِ وَالصَّلَاةِ عَلَى أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَأَمَّا أَطْفَالِ الْحَرْبِيِّينَ فَإِنَّ حُكْمَهُمْ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ آبَائِهِمْ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ يَقْتُلُونَ وَهُمْ يُسْبَوْنَ وَلَا يُقْتَلُونَ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الطِّفْلِ الْحَرْبِيِّ يُسْبَى وَمَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ يُسْبَى وَحْدَهُ فَذَهَبَ مَالِكٌ - فِي رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الطِّفْلَ مِنْ أَوْلَادِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ لَمْ يَكُونَا حَتَّى يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ وَيُلَقَّنَهُ فَيُلَقَّنَهُ وَيُسْلِمُ وَهُوَ عِنْدَهُ أَنَّهُ عَلَى دِينِ أَبَوَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِنِ اخْتَلَفَ دِينُهُ عَلَى دِينِ أَبَوَيْهِ فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى دِينِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَمِنِ الْحُجَّةِ لِمَذْهَبِهِ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَا دَامَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ سِبَاءٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَبَوَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ فَكَذَلِكَ إِذَا سُبِيَ وَحْدَهُ لَا يَصِيرُ السَّبْيُ حُكْمَهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ تَمَّامٍ قَالَ قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ إِنِّي بِخُرَاسَانَ أَبْتَاعُ السَّبْيَ فَيَمُوتُ بَعْضُهُمْ أَفَأُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ إِذَا صَلَّى فَصَلِّ عَلَيْهِ قال الفزاري وسألت هشاما وبن عَوْنٍ عَنِ السَّبْيِ يَمُوتُونَ وَهُمْ صِغَارٌ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ هِشَامٌ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ بن عَوْنٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصَلُّوا وَذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجَشُونُ عَنْ أبيه ومالك المخزومي وبن دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ مِنَ السَّبْيِ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ عَلَى دِينِ أَبِيهِمْ إِنْ أَسْلَمَ أَبُوهُمْ صَارُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ يَمُتْ عَلَى الْكُفْرِ فَهُمْ عَلَى دِينِهِ وَلَا يُعْتَدُّ فِيهِمْ بِدِينِ الْأُمِّ عَلَى حَالٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْتَسِبُونَ إِلَى أَبِيهِمْ وَبِهِ يُعْرَفُونَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا مَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمُ السِّبَاءُ فَيَقَعُونَ فِي قَسْمِ مُسْلِمٍ وَمِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَالْقَسْمِ فَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ بِالْبَيْعِ أَوِ الْقِسْمَةِ فَأَحْكَامُهُمْ حِينَئِذٍ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالدَّفْنِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُوَارَثَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَرِوَايَتُهُ هَذِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الصِّبْيَانِ يَمُوتُونَ مِنَ السَّبْيِ بَعْدَ أَنِ اشْتُرُوا قَالَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يُبَاعُوا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ إِذَا كَانُوا فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ فَمِلْكُهُ لَهُمْ أَوْلَى بهم من حكم آبائهم قال بن الطَّبَّاعِ عَلَى هَذَا فُتْيَا أَهْلِ الثَّغْرِ وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانِ بْنِ مُوسَى وَرِوَايَةُ الْحَارِثِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْمُغِيرَةِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا وَمَشْيَخَتَنَا يَقُولُونَ مَا مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ صِبْيَانِ الْعَدُوِّ فَمَاتُوا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ سَاعَةَ يَمْلِكُهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالَ تَمَّامُ بْنُ نَجِيحٍ كُنْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى بِأَرْضِ الرُّومِ وَهُوَ عَلَى السَّبْيِ فَكَانُوا يَمُوتُونَ صِغَارًا فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ يُقَالُ مَا أَحْرَزَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 الْمُسْلِمُونَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ قَالَ ذَاكَ إِذَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ فَصَارَ فِي مِلْكِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ حُكْمُ الطِّفْلِ حُكْمُ أَبَوَيْهِ إِذَا كَانَا مَعَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا وَسَوَاءٌ الْأَبُ وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَعَهُ وَلَا أَحَدُهُمَا فَصَارَ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَدِينُهُ دِينُ سَيِّدِهِ الْمُسْلِمِ وَاخْتُلِفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حنيفة وروى عنه بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ كَافِرِينَ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَغْلَبُ عَلَيْهِ وَأَمَلَكُ بِهِ وَهَذَا كَقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ الْفَزَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ إِذَا دَخَلُوا فِئَةَ الْمُسْلِمِينَ صَلِّي عَلَيْهِمْ وَإِذَا صَارُوا فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ صَلِّي عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِذَا سُبِيَ الطِّفْلُ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ وَحْدَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْإِسْلَامَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ لِأَنَّ دِينَ سَيِّدِهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ دِينِ وَالِدَيْهِ وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ قَالَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ أَبَوَيْهِ إِذَا كَانَا مَيِّتَيْنِ أَوْ غَائِبَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَا حَيَّيْنِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَيَخْتَلِفُونَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا سُبِيَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ صَلَّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ هُمْ يَلُونَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ قَالَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ جَازَ أَنْ يُفْدَى بِهِ مُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَعَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ بن حَنْبَلٍ يَتَعَجَّبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الثُّغُورِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى أَبَوَيْهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَجَعَلُوا حُكْمَهُ حُكْمَ سَيِّدِهِ الْمُسْلِمِ قَالَ ثُمَّ جَعَلَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ |