ذَكَرَ مَالِكٌ مَذْهَبَهُ فِي مُوَطَّئِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ لَا يُزَكِّيَانِ
زَكَاةَ الْوَاحِدِ حَتَّى يَكَوَنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَاخْتَلَطَا بِغَنَمِهِمَا فِي
الدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَالْمُرَاحِ وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ فَهُمَا خَلِيطَانِ (...)
 
ذَكَرَ مَالِكٌ مَذْهَبَهُ فِي مُوَطَّئِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ لَا يُزَكِّيَانِ
زَكَاةَ الْوَاحِدِ حَتَّى يَكَوَنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَاخْتَلَطَا بِغَنَمِهِمَا فِي
الدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَالْمُرَاحِ وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ فَهُمَا خَلِيطَانِ يُزَكِّيهِمَا السَّاعِي زَكَاةَ الْوَاحِدِ
ثُمَّ يَتَرَادَّانِ عَلَى كَثْرَةِ الْغَنَمِ وَقِلَّتِهَا
فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ النِّصَابِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ ولم يرجع عليه صاحبه شيء
وَإِذَا وَرَدَ السَّاعِي عَلَى الْخَلِيطَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَوْصَافِهِمَا زَكَّاهُمَا وَلَمْ يُرَاعِ مُرُورَ
الْحَوْلِ عَلَيْهِمَا كَامِلًا وَهُمَا خَلِيطَانِ وَإِنَّمَا يُرَاعِي مُرُورَ الْحَوْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَلَوِ اخْتَلَطَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ إِذَا وَجَدَهُمَا خَلِيطَيْنِ زَكَّاهُمَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي مُرَاعَاةِ الدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَالْمُرَاحِ وَالْفَحْلِ وَالرَّاعِي فقال بعضهم
لا يكونان خليطين إلا ثلاثة أَوْصَافٍ مَنْ ذَلِكَ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَاحِدًا فَعَلَيْهِ مُرَادُ الْخُلْطَةِ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْخَلِيطَيْنِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ إِنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطَيْنِ فِي مُرَاعَاةِ النِّصَّابِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194
وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ الْخَلِيطَيْنِ لَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْوَاحِدِ إِلَّا إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
نِصَابٌ بِقَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ وَقَوْلُ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَفِي سَائِمَةِ الغنم إذا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا إِلَيَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ فِيهَا وَأَنَّ
الْخِلَافَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَدِيمًا
وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فِي الْخُلَطَاءِ كَقَوْلِ مَالِكٍ سَوَاءٌ وَاحْتَجَّ بِنَحْوِ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا فِي الْخُلَطَاءِ إِجْمَاعُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا
تَلْزَمُهُ زَكَاةٌ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَلِيطِ بِغَيْرِهِ لِغَنَمِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُضَ أَصْلٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ بِرَأْيٍ
مُخْتَلَفٍ فِيهِ
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ رَأْيٌ وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيفٌ عَمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) لَا يُجْتَمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ
وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَقَوْلِهِ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ)
فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ شَاةٌ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَنَمِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي
الْخُلْطَةِ لِمَالِكَيْنِ أبو لِمَالِكٍ وَاحِدٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَمَّا لَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ الْقَائِلُونَ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ أَنَّ الْخُلَطَاءَ فِي
مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمَاشِيَةِ
الْمُخْتَلِطَةِ لَا مِلْكَ الْمَالِكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ لَمْ يَقْتَسِمَا الْمَاشِيَةَ وَتَرَاجُعُهُمَا
بِالسَّوِيَّةِ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ فِي الْإِبِلِ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُؤْخَذُ الْإِبِلُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَيُؤْخَذُ مِنْهَا
صَدَقَتُهَا وَيُرْجَعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالسَّوِيَّةِ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ
فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ
قَّالَ وَقَدْ يَكُونُ الْخَلِيطَانِ الرَّجُلَيْنِ يَتَخَالَطَانِ بِمَاشِيَتِهِمَا وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مَاشِيَتَهُ وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يُرِيحَا وَيَحْلِبَا وَيَسْرَحَا وَيَسْقِيَا مَعًا فَحَلُّهُمَا وَاحِدٌ فَإِذَا
كَانَ هَكَذَا صَدَقَا صَدَقَةَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ لِكُلِّ حَوْلٍ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195
قَالَ وَلَا يَكُونَانِ حَوْلَيْنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا وَيَكُونَا مُسْلِمَيْنِ وَإِنِ
افْتَرَقَا فِي مُرَاحٍ وَمَسْرَحٍ أَوْ سَقْيٍ أَوْ فُحُولٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ وَيُصْدِقَانِ
صَدَقَةَ الِاثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ
وَلَا يُرَاعِي الشَّافِعِيُّ النِّصَابَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوِ اخْتَلَطَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ أَوْ أَكْثَرُ
أَوِ أَقَلُّ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً كَانَ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَاةٌ بِمُرُورِ الْحَوْلِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا إِذَا كَانَ ثَلَاثَةُ خُلَطَاءَ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً أَنَّ
عَلَيْهِمْ فِيهَا شَاةً وَاحِدَةً وَأَنَّهُمْ يُصْدِقُونَ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ يَنْتَقِصُونَ الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ مِنْ
مَالِ الْخُلَطَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَمْ يُفَرَّقْ مَالُهُمْ كَانَ فِيهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُقَالَ
لَوْ كَانَتْ أَرْبَعُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ كَانَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ لِأَنَّهُمْ خُلَطَاءُ صَدَقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ
قَالَ وَبِهَذَا أُقُولُ فِي الْمَاشِيَةِ كُلِّهَا! وَالزَّرْعِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُرِيدُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْخُلَطَاءِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً وَغَيْرُهُ الْخُلْطَةُ فَرِيضَةُ
الْمُنْفَرِدِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ النِّصَابُ بَيْنَهُمْ نِصَابُ الْوَاحِدِ كَمَا يُزَكُّونَ زَكَاةَ الْوَاحِدِ
قَالَ وَلَوْ أَنَّ حَائِطًا كَانَ مَوْقُوفًا حَبْسًا عَلَى مِائَةِ إِنْسَانٍ وَلَمْ يُخْرِجْ إِلَّا عَشَرَةَ أَوْسُقٍ
أُخِذَتْ مِنْهُ صَدَقَةٌ كَصَدَقَةِ الْوَاحِدِ
وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْخُلْطَةِ بِقَوْلِ اللَّيْثِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
قَالَ أَحْمَدُ إِذَا اخْتَلَطَ جَمَاعَةٌ فِي خَمْسَةٍ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ أَوْ أَرْبَعِينَ مِنَ
الْغَنَمِ وَكَانَ مَرْعَاهُمْ وَمَسْرَحُهُمْ وَمَبِيتُهُمْ وَمِحْلَبُهُمْ وَفَحْلُهُمْ وَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَةُ
وَتَرَاجَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ إِذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ تَجِبُ فِيهَا
الزَّكَاةُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْخَلِيطَانِ فِي الْمَوَاشِي كَغَيْرِ الْخَلِيطَيْنِ لَا تَجِبُ
عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَمْلِكُ مِنْهَا إِلَّا مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا
قَالُوا وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالزَّرْعُ
قَالُوا وَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَاشِيَتِهِمَا تَرَاجَعَا فِيمَا أَخَذَ مِنْهُمَا حَتَّى تَعُودَ
مَاشِيَتُهُمَا لَوْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا مِقْدَارُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ
فِي حِصَّتِهِ
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا عِشْرُونَ وَمِائَةُ شَاةٍ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهَا فَلَا يَجِبُ عَلَى
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196
الْمُصَدِّقِ انْتِظَارُ قِيمَتِهَا وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْ عَرْضِهَا شَاتَيْنِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ أَخَذَ مِنْ مَالِ
صَاحِبِ الثُّلُثِ شَاةً وَثُلُثًا وَإِنَّمَا كَانَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ وَفِيهَا لِلْآخَرِ ثُلُثَا شَاةٍ وَقَدْ كَانَتْ عَلَيْهِ
شَاةٌ فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَ الشَّاةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُصَدِّقُ مِنْ
حِصَّتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا فَتَعُودُ حِصَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ إِلَى تِسْعٍ
وَتِسْعِينَ وَحِصَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ إِلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ
وَلَوْ خَالَطَ صَاحِبُ عِشْرِينَ صَاحِبَ سِتِّينَ فَالشَّاةُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ لَا عَلَى صَاحِبِ
الْعِشْرِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا حَمَلَ الْكُوفِيُّونَ عَلَى دَفْعِ الْقَوْلِ بِصَدَقَةِ الْخُلَطَاءِ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ اعْتَمَدُوا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَقَوْلُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي الْغَنَمِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا شَيْءٌ وَرَأَوْا
أَنَّ الْخُلْطَةَ الْمَذْكُورَةَ تُغَيِّرُ هَذَا الْأَصْلَ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ