مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ
لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ
لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى
الْمِسْكِيَنُ لَلَغَنِيِّ
تَابَعَ مَالِكٌ عَلَى إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا يَدْخُلُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) التَّوْبَةِ 60 لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204
تَجُوزُ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يُحْمَلُ مَدْلُولُهُ عَلَى عُمُومِهِ
بِدَلِيلِ الْخَمْسَةِ الْأَغْنِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَهِيَ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْأَمْوَالِ لَا تَحِلُّ
لِغَنِيٍّ غَيْرَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الحديث الموصوفين فيه
وكان بن الْقَاسِمِ يَقُولُ لَا يَجُوزُ لِغَنِيٍّ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْجِهَادِ
وَيُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ
قَالَ وَكَذَلِكَ الْغَارِمُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا بَقِيَ لَهُ مَالُهُ وَيُؤَدِّي مِنْهَا
دَيْنَهُ وَهُوَ عَنْهَا غَنِيٌّ
قَالَ وَإِنِ احْتَاجَ الْغَازِي فِي غَزْوَتِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ لَهُ مَالٌ غَابَ عَنْهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الصَّدَقَةِ
شَيْئًا وَاسْتَقْرَضَ فَإِذَا بَلَغَ بَلَدَهُ أَدَّى ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ
هَذَا كُلُّهُ ذَكَرَهُ بن حبيب عن بن القاسم وزعم أن بن قَانِعٍ وَغَيْرَهُ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ
وَرَوَى أَبُو زيد وغيره عن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّكَاةِ يُعْطَى مِنْهَا الْغَازِي وَإِنْ
كَانَ مَعَهُ فِي غَزَاتِهِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ فِي بَلَدِهِ
وروى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْهَا الْغُزَاةُ وَمَنْ لَزِمَ مَوَاضِعَ الرِّبَاطِ فُقَرَاءَ
كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ
وَذَكَرَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِلْغَازِي فِي سَبِيلِ
اللَّهِ لَوِ احْتَاجَ فِي غَزْوَتِهِ وَغَابَ عَنْهُ غِنَاهُ وَوَبَرُهُ وَلَا تَحِلُّ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مَالُهُ مِنَ
الْغُزَاةِ
قَالَ عِيسَى وَتَحِلُّ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ مِنْ عِنْدِ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي وَالْأَمْوَالِ
فَهَذَا يُعْطَى مِنْهَا عَلَى قَدْرِ سَعْيِهِ لَا عَلَى قَدْرِ مَا جَمَعَ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورِ وَلَا
يُنْظَرُ إِلَى الثَّمَنِ وَلَيْسَ الثَّمَنُ بِفَرِيضَةٍ
قَالَ وَتَحِلُّ لِغَارِمٍ غُرْمًا قَدْ فَدَحَهُ وَذَهَبَ بِمَالِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ غُرْمُهُ فِي فَسَادٍ وَلَا دَيْنُهُ
فِي فَسَادٍ مِثْلُ أَنْ يَسْتَدِينَ فِي نِكَاحٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمُبَاحِ وَالصَّلَاحِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْتُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا
جَائِرٌ لِلْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا ذَهَبَ نَفَقَتُهُ وَمَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا
يُبْلِغُهُ
قَالُوا وَالْمُحْتَمِلُ بِحَمَالَةٍ فِي بِرٍّ وَإِصْلَاحٍ وَالْمُتَدَايِنُ فِي غَيْرِ فَسَادٍ كِلَاهُمَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ
دَيْنِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ الْحَمِيلُ غَنِيًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ
أَدَاءُ مَا تَحَمَّلَ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ يُجْحِفُ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ حُجَّةِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ فِيمَا وَصَفْنَا عَنْهُ ظَاهِرُ حَدِيثِ
مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بإسناد فِي التَّمْهِيدِ وَفِيهِ
لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ -
يَعْنِي مَا تَحَمَّلَ بِهِ - ثُمَ يُمْسِكُ
فَقَوْلُهُ ثُمَّ يُمْسِكُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَنِيٌّ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنِ السُّؤَالِ مَعَ
فَقْرِهِ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ عَطْفُهُ ذِكْرَ الَّذِي ذَهَبَ مَالُهُ وَذِكْرَ الْفَقِيرِ ذِي الْفَاقَةِ عَلَى ذِكْرِ
صَاحِبِ الْحَمَالَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ مَالُهُ وَلَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يُشْهَدَ لَهُ بِهَا
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِمَنْ عَمِلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَكَذَلِكَ
الْمُشْتَرِي لها بماله والذي تُهْدَى إِلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَنْ ذُكِرَ فِي
الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يُشْبِهُ أَنَّ الْخَمْسَةَ تَحَلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْنِ
سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ
مِنَ الْوَالِي فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ بِقَدْرِ مَا يَرَى
الْوَالِي وَعَسَى أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إِلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ فَيُؤْثَرُ
أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْعَدَدِ حَيْثُمَا كَانَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ إِلَّا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ لَدُنِ التَّابِعِينَ فِي كَيْفِيَّةِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَهَلْ هِيَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206
مَقْسُومَةٌ عَلَى مَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ وَهَلِ الْآيَةُ إِعْلَامٌ مِنْهُ تَعَالَى لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ
الصَّدَقَةُ
وَكَانَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُوُنَ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُوضَعَ الصَّدَقَةُ فِي صِنْفٍ
وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ يَضَعُهَا الْإِمَامُ فِيمَنْ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ
على حسب اجتهاده
وروي عن حذيفة وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَكَ وَلَا
يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامِلَ عَلَيْهَا لَا يَسْتَحِقُّ ثَمَنَهَا وَإِنَّمَا لَهُ بِقَدْرِ عَمَالَتِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ
عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْسُوَمَةً عَلَى الْأَصْنَافِ بِالسَّوِيَّةِ
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ أُحِبُّ أَنْ لَا يُخْلَى مِنْهَا الْأَصْنَافُ كُلُّهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ سُهْمَانٌ ثَمَانِيَةٌ لَا يُصَرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ وَلَا شَيْءَ عَنْ أَهْلِهِ مَا وُجِدَ
مِنْ أَهْلِهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ
وَمِنْ حُجَّةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) جَعَلَ الصَّدَقَاتِ فِي أَصْنَافٍ ثَمَانِيَةٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ
أَنْ يُعْطَى مَا جَعَلَهُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِثَمَانِيَةٍ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَا
جَعَلَهُ اللَّهُ لِثَمَانِيَةٍ لِوَاحِدٍ
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَوْصَى لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ فِي
صِنْفٍ وَاحِدٍ فَكَانَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِقَسْمِهِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ أحرى وأولى أن يُجْعَلَ فِي وَاحِدٍ
وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا رَضِيَ اللَّهُ بِقِسْمَةِ أَحَدٍ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى قَسَمَهَا عَلَى
الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبَدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ
وَأَمَّا أهل المغرب مصر وَإِفْرِيقِيَّةَ فَيُثْنُونَ عَلَيْهِ بِالدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالْفَضْلِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ
جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَةِ مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ
وَجُمْلَةُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَكَاةِ مَالٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ حَبٍّ
أَوْ زَكَاةٍ أَوْ مَعْدِنٍ يُقَسَّمُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ أَوْ عَلَى سَبْعَةٍ وَكَذَلِكَ يَكُونُ لِمَنْ قَسَّمَ
زَكَاتَهُ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا قَسَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَخْتَلِفُ الْقَسْمُ فِيهِ وَلَا يَصْرِفُ سَهْمَ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِ وَالْوَاحِدُ مَرْدُودٌ إِلَى الْعَامِلِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207
قَالَ أَبُو ثَوْرٍ أَمَّا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَقْسِمُهَا النَّاسُ عَنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُقْسَمَ
عَلَى مَا أَمْكَنَ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا الْعَامِلِينَ فَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِذَا قَسَمَهَا
رَبُّهَا وَإِنْ أَعْطَى الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ بَعْضَ الْأَصْنَافِ رَجَوْتُ أَنْ تَسَعَهَا فَأَمَّا مَا صَارَ
إِلَى الْإِمَامِ فَلَا يَقْسِمُهُ إِلَّا فِيمَنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) التَّوْبَةِ 60
فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ الْفَقِيرُ أَحْسَنُ حَالًا
مِنَ الْمِسْكِينِ قَالُوا وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ بَعْضُ مَا يُقِيمُهُ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الرَّاعِي
(أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ)
قَالُوا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ لِهَذَا الْفَقِيرِ حَلُوبَةً
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بن السكيت وبن قُتَيْبَةَ وَهُوَ قَوْلُ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ
وَاحْتَجَّ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)
الْكَهْفِ 79 فَأَخْبَرَ أَنَّ لِلْمَسَاكِينِ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ وَرُبَّمَا سَاوَتْ جُمْلَةً مِنَ الْمَالِ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي
الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا)
البقرة 273
قالوا فَهَذِهِ الْحَالُ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا الْفُقَرَاءَ دُونَ الْحَالِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنِ
الْمَسَاكِينِ
قَالُوا وَلَا حُجَّةَ فِي بَيْتِ الرَّاعِي لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْفَقِيرَ كَانَتْ لَهُ حَلُوبَةٌ فِي حَالِ مَا
قَالُوا
وَالْفَقِيرُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَفْقُورُ كَأَنَّهُ الَّذِي نُزِعَتْ فِقْرَةٌ مِنْ ظَهْرِهِ لِشِدَّةِ فَقْرِهِ
فَلَا حَالَ أَشَدُّ مِنْ هذه
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208
وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
(لَمَّا رَأَى لُبَدَ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ ... رَفَعَ الْقَوَادِمَ كَالْفَقِيرِ الْأَعْزَلِ)
أَيْ لَمْ يُطِقِ الطَّيَرَانَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنِ انْقَطَعَ صُلْبُهُ ولصق بالأرض
قالوا وَهَذَا هُوَ شَدِيدُ الْمَسْكَنَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أو مسكينا ذا متربة) الْبَلَدِ 16
يَعْنِي مِسْكِينًا قَدْ لَصِقَ بِالتُّرَابِ مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينًا
فَلَيْسَ ذَا مَتْرَبَةٍ مِثْلَ الطَّوَّافِ وَشِبْهِهِ مِمَّنْ لَهُ الْبُلْغَةُ وَالسَّاعِي فِي الِاكْتِسَابِ بِالسُّؤَالِ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ
عُبَيْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ
أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ إِنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا
فِي الْمَعْنَى وَإِنِ افْتَرَقَا فِي الِاسْمِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بن الْقَاسِمِ وَسَائِرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) التَّوْبَةِ 60
وَأَمَّا أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ فِي هَذَا الْبَابِ
وَذَكَرَ بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرْنَا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ بن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ
قَالَ عُمَرُ لَيْسَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَكِنَّ الْفَقِيرَ الْأَخْلَقُ الْكَسْبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ بَيَّنَّا فِي التَّمْهِيدِ مِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ الْمِسْكِينُ
بِالطَّوَّافِ عَلَيْكُمْ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ لَيْسَ الْمِسْكِينُ حَقَّ الْمِسْكِينِ وَأَنَّ مِنَ الْمَسَاكِينِ مَنْ
لَيْسَ بِطَوَّافٍ وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ هَذَا الْمَعْنَى بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَمَا حَدُّ الْغِنِيِّ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ الصَّدَقَةُ
عَلَى مَنْ بَلَغَهُ
فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْلُومٌ
وَسَنَذْكُرُ مَذْهَبَهُ فِيمَنْ يَحْرُمُ السُّؤَالُ عَلَيْهِ فِيمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ عِنْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ
الْأَسَدِيِّ إِنَّ شَاءَ اللَّهُ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا عَلَى حديث بن
مَسْعُودٍ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ
الْمَفْرُوضَةُ
وَحُجَّتُهُمُ الحديث أمرت أن آخذ الصدقة مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ أَقَلَّ اسْمِ الْغِنَى وَذَلِكَ حِينَ
يَخْرُجُ مِنَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَعِنْدَهُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ وَالْخَادِمِ الَّذِي لَا غِنَى بِهِ عَنْهُمَا
وَلَا فَضْلَ فِيهِمَا يُخْرِجُهُ إِلَى حَدِّ الْغِنَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ
وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالْكُوفِيُّونَ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ مَنْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَا يُقِيمُهُ وَيَكْفِيهِ سَنَةً فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنَ
الصَّدَقَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يُعْطَى الْمِسْكِينُ الْوَاحِدُ مِنَ الزَّكَاةِ
فَقَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ فِيهِ مَرْدُودٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْطَى
مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أوعد لها ذَهَبًا
وَقَالَ اللَّيْثُ يُعْطَى مِقْدَارَ مَا يَبْتَاعُ بِهِ خَادِمًا إِذَا كَانَ ذَا عِيَالٍ وَكَانَتِ الزَّكَاةُ كَثِيرَةً
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَحِدَّ حَدًّا وَاعْتَبَرَ مَا يَرْفَعُ الْحَاجَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يُعْطَاهُ تَجِبُ فِيهِ
الزَّكَاةُ أَمْ لَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجِبُ عَلَى مَالِكِ النِّصَابِ إِلَّا بِمُرُورِ الْحَوْلِ
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْرَهُ أَنْ يُعْطَى إِنْسَانٌ وَاحِدٌ مِنَ الزَّكَاةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210
قَالَ وَإِنْ أَعْطَيْتَهُ أَجْزَأَكَ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَهُ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ
وقول بن شُبْرُمَةَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَكُلُّ مَنْ حَدَّ في أقل الغنى حدا ولم يحد فَإِنَّمَا هُوَ مَا لَا غِنَى عَنْهُ مِنْ دَارٍ تَحَمِلُهُ
لَا تَفْضُلُ عَنْهُ أَوْ خَادِمٍ هُوَ شَدِيدُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ
وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ لِمَنْ كَانَ لَهُ مَا يُكِنُّهُ مِنَ الْبُيُوتِ وَيَخْدِمُهُ مِنَ الْعَبِيدِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَلَا
فَضْلَ لَهُ مِنْ مَالٍ يَتَحَرَّفُ بِهِ وَيَعْرِضُهُ لِلِاكْتِسَابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ
وَلَا يَكُونُ غَنِيًّا بِهِ
فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ
طَائِفَةٍ فِي التَّمْهِيدِ
وأما قوله عز وجل (والعاملين عليها) التَّوْبَةِ 60 فَلَا خِلَافَ بَيْنِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ
الْعَامِلَ عَلَى الصَّدَقَةِ لَا يَسْتَحِقُّ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْهَا ثُمُنًا أَوْ سُبُعًا أَوْ سُدُسًا وَإِنَّمَا
تعطى بِقَدْرِ عَمَالَتِهِ
وَأَمَّا أَقَاوِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ لَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ
فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ إِلَّا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا الْمُتَوَلُّونَ قَبْضَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ
الَّذِي يُوَلِّي أَخْذَهَا عَامِلًا دُونَهُ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَانَ وَالِيًا عَلَى قَبْضِهَا
مِمَّنْ بِهِ الْغِنَى عَنْ مَعُونَتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا
أَغْنِيَاءَ أَمْ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِهَا كَانُوا أَوْ غُرَبَاءَ
قَالَ وَلَا سَهْمَ فِيهَا لِلْعَامِلِينَ مَعْلُومٌ وَيُعْطَوْنَ لِعَمَالَتِهِمْ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِ مِثْلِهِمْ فِيمَا
تَكَلَّفُوا مِنَ الْمَشَقَّةِ وَقَامُوا بِهِ مِنَ الْكِفَايَةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يُعْطَى الْعَامِلُونَ عَلَى مَا رَأَى الْإِمَامُ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يُعْطَى الْعَامِلُونَ بِقَدْرِ عَمَالَتِهِمْ كَانَ دُونَ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ
شَيْءٌ مُوَقَّتٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) التَّوْبَةِ 60 فَقَالَ مَالِكٌ لَا مُؤَلَّفَةَ الْيَوْمَ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَكَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
وقال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ قَدْ سَقَطَ سَهْمُهُمْ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي بَيْتِ
الْمَالِ حق
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ وَلَاءٍ وَلَا يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ
مُشْرِكٌ لِيُتَأَلَّفَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطَى إِنْ كَانَ مُسْلِمًا إِلَّا إِذَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ
لَا تَكُونُ الطَّاعَةُ لِلْوَالِي قَائِمَةً فِيهَا وَلَا يَكُونُ مَنْ يَتَوَلَّى الصَّدَقَةَ قَوِيًّا عَلَى اسْتِخْرَاجِهَا
إِلَّا بِالْمُؤَلَّفَةِ أَوْ تَكُونُ بِلَادُ الصَّدَقَةِ مُمْتَنِعَةً بالبعد وكثرة الأهل فيمتنعون عن الأذى
ويكونوا قَوْمًا لَا يُوثَقُ بِثَبَاتِهِمْ فَيُعْطَوْنَ مِنْهَا الشَّيْءَ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنَ الْإِمَامِ لَا يَبْلُغُ
اجْتِهَادُهُ فِي حَالٍ أَنْ يَزِيدَهُمْ عَلَى سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلْيَنْقُصْهُمْ مِنْهُ إِنْ قَدِرَ حَتَّى
يَقْوَى بِهِمْ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَهْلِهَا
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ مِثْلَهَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وفي الرقاب) التَّوْبَةِ 60 فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يُعْطَى
الْمُكَاتَبُ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَالْعَبْدُ لَا يُعْطَى مِنْهَا مُوسِرًا
كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَلَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلِسَيِّدِهِ
انْتِزَاعُهُ هَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَأَمَّا فِي الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ فَصَارَ عَبْدًا
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُعْتَقُ مِنَ الزَّكَاةِ إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَمَنِ اشْتَرَى مِنْ زَكَاتِهِ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً
فَأَعْتَقَهَا كَانَ وَلَاؤُهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الرَّقَبَةَ مِنْ زَكَاتِهِ فَيُعْتِقَهَا عَلَى عُمُومِ الْآيَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة والثوري وبن شُبْرُمَةَ لَا يُجْزِئُ الْعِتْقُ مِنَ الزَّكَاةِ
وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ (وَفِي الرِّقَابِ) هُمُ المكاتبون فإن أعطى المكاتب في
أخذ كتابته مَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُ كَانَ حَسَنًا وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ عَجَزَ
أَجْزَتْهُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعَانُ الْمُكَاتَبُ
وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ وَالْأَوَّلُ هُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جيران الصدقة فإن اتسع لهم السهم أعطو حَتَّى
يُعْتَقُوا وَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ الْوَالِي إِلَى مَنْ يُعْتِقُهُمْ فَحَسَنٌ وَإِنْ دَفْعَهُ إِلَيْهِمْ أَجْزَأَهُ
وأما قوله عز وجل (والغارمين) التوبة 60 فقد مضى قول بن الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ فِي
صَدْرِ هَذَا الْبَابِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ الْغَارِمُونَ صِنْفَانِ صِنْفٌ أَدَانُوا فِي مَصْلَحَةٍ وَمَعْرُوفٍ وَصِنْفٌ دَانُوا فِي
حَمَالَاتٍ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ فَيُعْطَوْنَ مِنْهَا مَا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُمْ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُرُوضٌ
تُبَاعُ في الديون
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212
وأما قوله تعالى (وفي سبيل الله) التَّوْبَةِ 60
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَوَاضِعُ الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُمُ الْغُزَاةُ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْحَاجِّ
الْمُنْقَطِعِ بِهِ فِي سَبِيلِ الله
وهو قول بن عُمَرَ عِنْدَهُ الْحَجَّاجُ وَالْعُمَّارُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ مِنْ جِيرَانِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ
فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا وَلَا يُعْطَى مِنْهُ غَيْرُهُمْ إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ فَيُعْطَاهُ مَنْ
دَفَعَ عَنْهُمُ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ جَمَاعَةِ أهل الإسلام
وأما قوله تعالى (وبن السبيل) التوبة 60 فقال مالك بن السَّبِيلِ الْمُسَافِرُ فِي طَاعَةٍ
فَفَقَدَ زَادَهُ فَلَا يجد ما يبلغه
وروي عنه أن بن السَّبِيلِ الْغَازِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِهِ
وَقَالَ الشافعي بن السَّبِيلِ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ
فَيَعْجَزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ إِلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَيْهِ
وَالْمَعْنَى فِيهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ يَتَفَاوَتُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَدَّى مِنَ الزَّكَاةِ
دَيْنُ مَيِّتٍ وَلَا يُكَفَّنُ مِنْهَا وَلَا يُبْنَى مِنْهَا مَسْجِدٌ وَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا مُصْحَفٌ وَلَا يُعْطَى
لِذِمِّيٍّ وَلَا مُسْلِمٍ غَنِيٍّ
وَلَهُمْ فِيمَنْ أَعْطَى الْغَنِيَّ وَالْكَافِرَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُجْزِئُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ
لَا يُجْزِئُ