وَذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ (...) |
وَذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 أبيه عن جده وهو أيضا منقطع والصحيح عن مالك مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ مِنَ الفقه أن الخبر الْعَالِمَ قَدْ يَجْهَلُ مَا يَجِدُ عِنْدَ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ وَفِيهِ انْقِيَادُ الْعَالِمِ إِلَى الْعِلْمِ حَيْثُ كَانَ وَفِيهِ إِيجَابُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ سُنُّوَا فِيهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ الْخَارِجِ مَخْرَجَ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْخُصُوصُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْجِزْيَةِ لَا فِي نِكَاحِ نِسَائِهِمْ وَلَا فِي أَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِذَبْحِ الْمَجُوسِ لِشَاةِ الْمُسْلِمِ إذا أمره المسلم بذبحا بَأْسًا وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ وَالْمَعْنَى عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ صَغَارٌ لَهُمْ وَذِلَّةٌ لِكُفْرِهِمْ وَقَدْ سَاوَوْا أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الْكُفْرِ بَلْ هُمْ أَشَدُّ كُفْرًا فَوَجَبَ أَنْ يَجْرُوا مَجْرَاهُمْ فِي الذُّلِّ وَالصَّغَارِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنَ الْكِتَابِيِّينَ رِفْقًا بهم وإنما مِنْهُمْ تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَذُلًّا لِلْكَافِرِينَ وَلَيْسَ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَلَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُمَةٌ بِالْكِتَابِيِّينَ لِمَوْضِعِ كِتَابِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمُ الرسل - عليهم السلام - فلم يجز أن يحلق بِهِمْ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ هَذِهِ جُمْلَةٌ اعْتَلَّ بِهَا أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنَ الْمَجُوسِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ وَمِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَفَعَلَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلَيٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ هَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ جميع الكفار عربا كانوا أو عجما لقوله اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التَّوْبَةِ 29 قَالَ وَتُقْبَلُ مِنَ الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي ثَوْرِ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وُهْبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنَّ الْفَرَازِنَةَ وَمَنْ لَا دِينَ لَهُ مِنْ أجناس الرتك والهند وعبدة النيران والأوثان وكل جاحد ومكذب بِدِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُسْلِمُوا أو يعطوا الجزية فإن بذلوا الجزية قُبِلَتْ مِنْهُمْ وَكَانُوا كَالْمَجُوسِ فِي تَحْرِيمِ مَنَاكِحِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ وَسَائِرِ أُمُورِهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كُلُّ عَجَمِيٍّ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إِنْ بَذَلَهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا مِنْ كِتَابِهِمْ وَحُجَّةُ مَنْ رَأَى الْجِزْيَةَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَجُوسِ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَاهُمْ فِي أَنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا) الْأَنْعَامِ 156 يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَقَوْلُهُ عَزَّ وجل (يا أهل الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) الْمَائِدَةِ 68 قَالُوا فَلَا أَهْلَ كِتَابٍ إِلَّا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَبَدَّلُوهُ وَأَظُنُّهُ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ فِيهِ ضَعْفٌ يَدُورُ عَلَى أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ عِنْدَهُمْ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو زَرْعَةَ الرَّازِيُّ عَنْهُ فَقَالَ صَدُوقٌ مُدَلِّسٌ وَقَالَ مَرَّةً لَيِّنُ الْحَدِيثِ فِيهِ ضَعْفٌ قِيلَ هُوَ صَدُوقٌ قَالَ نَعَمْ كَانَ لَا يَكْذِبُ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي التَّمْهِيدِ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهل الكتاب الذين يعلم كتابهم على ظُهُورٍ وَاسْتِفَاضَةٍ وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَعِلْمُ كِتَابِهِمْ عَلَى خُصُوصٍ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُتُبًا وَصُحُفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ مِنْهَا زَبُورُ دَاوُدَ وَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجُوسَ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّصِلَةٌ وَمُرْسَلَةٌ مِنَ الْمُتَّصِلَةِ حَدِيثُ شِهَابٍ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْهُ حَدَّثَنِي عروة عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 المسور بن مخرمة أنه أخبره أن عمرو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ قَدْ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ مَجُوسٌ مَا رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ أَبَى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحُ لَهُمُ امْرَأَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي التَّمْهِيدِ مُسْنَدَةً وَمُرْسَلَةً وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ فَرَوَى |