وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ بْنِ أَبِي سَرْحٍ
الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ
بِصَاعِ (...)
 
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ بْنِ أَبِي سَرْحٍ
الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ
بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264
فأما قوله في حديث بن عُمَرَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ
أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَمْرِ اللَّهِ أَوْجَبَهُ وَمَا كَانَ لِيَنْطِقَ عَنِ الْهَوَى فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَسْخِهَا
فَقَالَتْ فِرْقَةٌ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ وَرَوَوْا عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِهَا قَبْلَ نُزُولِ الزَّكَاةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الزَّكَاةِ لَمْ يَأْمُرْنَا
بِهَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ
وَقَالَ جُمْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ هِيَ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى حَسَبِ
مَا فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وإسحاق بن راهويه
قال إسحاق هو لا الْإِجْمَاعُ
وَقَالَ أَشْهَبُ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ نَعَمْ
وَفِي سَمَاعِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عن تفسير قول الله تعالى (وءاتوا
الزَّكَاةَ) الْبَقَرَةِ 43 هِيَ الزَّكَاةُ الَّتِي قُرِنَتْ بِالصَّلَاةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ هِيَ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ
كُلِّهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْمَوَاشِي وَزَكَاةُ الْفِطْرِ
وَتَلَا (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) التَّوْبَةِ 103
وَذَكَرَ أَبُو التَّمَامِ قَالَ قَالَ مَالِكٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ
قَالَ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ كُلُّهُمُ إِلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ قَالَ هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابٍ مَالِكٍ فِي وُجُوبِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ سُنَّةٌ
مُؤَكَّدَةٌ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ فَرْضٌ وَاجِبٌ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ
وَأَمَّا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ هِيَ سُنَّةٌ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمْ يَضَعْ شَيْئًا
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ دَاوُدَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا أَنَّهَا فَرْضٌ وَاجِبٌ وَالْآخَرُ
أَنَّهَا سُنَّةٌ (مُؤَكَّدَةٌ)
وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أنها واجبة
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265
وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا مِنْ جِهَةِ اتِّبَاعِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الْأَكْثَرُ وَالْجُمْهُورِ الَّذِينَ هُمْ حُجَّةٌ عَلَى
مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا سُنَّةٌ قول ضعيف وتأويله في قول بن عُمَرَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ صَاعًا وَأَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ
الْيَتِيمِ رُبْعَيْنِ أَيْ قَدَّرَهَا خِلَافَ الظَّاهِرِ ادِّعَاءً عَلَى النَّبِيِّ مَا يُخْرِجُهُ فِي الْمَعْهُودِ فِيهِ
لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) النِّسَاءِ 11 أَيْ إِيجَابٌ مِنَ
اللَّهِ وَكَذَلِكَ لَهُمْ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَفَرَضَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ هَذَا كُلَّ ذَلِكَ أَوْجَبَ
وَأَلْزَمَ
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْوَاجِبِ هُوَ فَرِيضَةٌ وَمَا لَمْ يَلْزَمْ لُزُومُهُ قَالُوا سُنَّةٌ وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا
الْمَعْنَى بِزِيَادَاتٍ فِي الِاعْتِرَاضَاتِ فِي التَّمْهِيدِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى
النَّاسِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِينِ وَالْوَقْتِ الَّذِي يَلْزَمُ لِمَنْ أَدْرَكَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ
فَقَالَ في رواية بن القاسم وبن وَهْبٍ وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ
الْفِطْرِ
وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَنْ مَنْ وُلِدَ أَوْ مُلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَكَرُوا عَنْهُ مَسَائِلَ إِنْ لَمْ
تَكُنْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَهِيَ تَنَاقُضٌ عَلَى هَذَا وَهِيَ فِي الْمَوْلُودِ ضُحَى يَوْمِ الْفِطْرِ أَوِ
الْعَبْدِ يُشْتَرَى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يُزَكِّي عَنْهُ أَبُوهُ وَسَيِّدُهُ
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرٍ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ
وَهِيَ لَيْلَةُ الْفِطْرِ
وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ الْفِطْرِ
عَنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَدْرَكَهُ وَقْتُ وُجُوبِهَا حَيًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ لَيْسَتْ مِنْ رَمَضَانَ
فَمَنْ وُلِدَ فِيهَا مِنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وملك فيها من العبيد فإنه لم يلد وَلَمْ يُمْلَكْ فِي
رَمَضَانَ وَإِنَّمَا وَقْعَ ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ إِنَّمَا هِيَ لِرَمَضَانَ لَا لِشَوَّالٍ
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ
بِبَغْدَادَ كَانَ أَنَّهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَدْرَكَهُ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَيًّا
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَوْلُهُمْ فِي ذلك كما رواه بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِطُلُوعِ
الْفَجْرِ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266
وَمَنْ قَالَ بِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ صِيَامٍ يُرَاعَى وَيُعْتَبَرُ
وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يُنْعِمِ النَّظَرَ لِأَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ لَيْسَ بِمَوْضِعِ صِيَامٍ فَأَحْرَى أَلَّا يُرَاعَى
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ
فَرَوَى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ لَهُ عَبْدٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةُ
الْفِطْرِ
قَالَ مَالِكٌ وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَعِيشَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهَا وَالشَّهْرَ وَنَحْوَهُ عَلَيْهِ
زَكَاةُ الْفِطْرِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا هِيَ زَكَاةُ الْأَبْدَانِ
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّيهَا
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَنْ جَازَ لَهُ أَخْذُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَمْ تَلْزَمْهُ
وَذَكَرَ أَبُو التَّمَامِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَقِيرِ الَّذِي يفصل عَنْ
قُوتِهِ صَاعٌ كَوُجُوبِهَا عَلَى الْغَنِيِّ
قَالَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ مَلَكَ قُوتَهُ وَقُوتَ مَنْ يُمَوِّنُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ يُؤَدِّي
عَنْهُ وَعَنْهُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا مَا
يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الْبَعْضِ أَدَّى عَنْ ذَلِكَ البعض
وقول بن عُلَيَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ إِذَا أَصَابَ فَضْلًا عن غذائه وَعَشَائِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ
وَيُعْطِيَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ