وَعَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ
فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ (الْعُدَّةَ) ثلاثين

وهذا (...)
 
وَعَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ
فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ (الْعُدَّةَ) ثلاثين
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275
وهذا الحديث محفوظ لعكرمة عن بن عَبَّاسٍ وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي التَّمْهِيدِ حَالَ عِكْرِمَةَ
وَلِمَ تَرَكَ مَالِكٌ ذِكْرَهُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِهِ إِنْ كَانَ كَمَا ظَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَالِكًا
طَرَحَ اسْمَهُ مِنْ كِتَابِهِ لِلَّذِي بَلَغَهُ فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَمَا أَدْرِي صِحَّةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنَ الْمُوَطَّأِ وَفِي ذَلِكَ مَا يُوهِنُ قَوْلَ
مَنْ قَالَ إِنَّهُ قَدْ طَرَحَ ذِكْرَ اسْمِهِ مِنْ كِتَابِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالَّذِي أَوْجَبَ قَوْلَ الْقَائِلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَبْلَغَكَ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لِنَافِعٍ يَا نَافِعُ لَا تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا كذب عكرمة على بن
عَبَّاسٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ جَعَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث بن عباس بعد حديث بن عُمَرَ لِأَنَّهُ
عِنْدَهُ مُفَسِّرٌ لَهُ وَمُبَيِّنٌ لِمَعْنَى قوله فاقدروا له في حديث بن عمر
وكان بن عُمَرَ يَذْهَبُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْدِرُوا مَذْهَبًا خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فِي
ذَلِكَ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ
كُلَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ
وَمَا رواه بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا
الْعِدَّةَ ثلاثين قد رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَكْرَةَ وَحُذَيْفَةَ وَطَلْقٌ الْحَنَفِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ فاقدروا له إلا بن عُمَرَ وَحْدَهُ
عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ قَدْ رَوَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا
فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَلَمْ يَقُلْ مَالِكٌ وَلَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فِي هذا الحديث ثلاثين يوما
ورواه بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر بلفظ حديث بن عَبَّاسٍ فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ
فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ
وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُصَامُ رَمَضَانُ إِلَّا بِيَقِينٍ مِنْ خُرُوجِ شَعْبَانَ
وَالْيَقِينُ فِي ذَلِكَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ أَوْ إِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَذَلِكَ لَا يَقْضِي بِخُرُوجِ
رمضان إلا بيقين مِثْلُهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشهر فليصمه) البقرة 185 يريد والله أعلم من عَلِمَ
مِنْكُمْ بِدُخُولِ الشَّهْرِ عِلْمَ يَقِينٍ فَلْيَصُمْهُ وَالْعِلْمُ الْيَقِينُ الرُّؤْيَةُ الصَّحِيحَةُ الْفَاشِيَةُ الظَّاهِرَةُ
أَوْ إكمال العدد
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276
وَكَذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ أَيْضًا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ أَنَّهُمَا رأيا الهلال ليلة ثلاثين فيصح بِذَلِكَ أَنَّ
الشَّهْرَ الْمَاضِيَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ
وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاقْدِرُوا لَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الشَّهْرَ الْعَرَبِيَّ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ
وَأَمَّا بن عُمَرَ فَلَهُ مَذْهَبٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاقْدِرُوا لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا لَمْ يُرَ هِلَالُ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ
وَكَانَ صَحْوًا فَلَا صِيَامَ لِرَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحْوًا وَكَانَ فِي السَّمَاءِ غَيْمٌ أَصْبَحَ
النَّاسُ صَائِمِينَ وَأَجْزَأَهُمْ مِنْ رَمَضَانَ - إِنْ ثَبَتَ بَعْدُ - أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ مِنْ تِسْعٍ
وَعِشْرِينَ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم -
وما أعلم أحدا ذهب مذهب بن عُمَرَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُمْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجُهَيْمُ
قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَا حدثنا أيوب
عن نافع عن بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ
قَاسِمٍ وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فإن غم عليكم
فاقدروا له
قال نافع فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَبْعَثُ مَسَاءَ لَيْلَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ مَنْ يَنْظُرُ
لَهُ الْهِلَالَ فَإِنْ كَانَ صَحْوًا وَرَأَوْهُ صَامَ وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ لَمْ يَصُمْ وَإِنْ حَالَ دُونَهُ سَحَابٌ
أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ سَحَابٌ
أَصْبَحَ صَائِمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَحَابٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا
وَعَنْ معمر عن بن طَاوُسٍ عَنْ مَعْمَرٍ مِثْلُهُ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ وَاجِبٌ وَهُوَ يُجْزِئُ مِنْ رَمَضَانَ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ
مِنْ رَمَضَانَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاقْدِرُوا لَهُ كَقَوْلِهِ قَدَرُوا لَهُ يُقَالُ مِنْهُ قَدَرْتُ وقدرت
وأقدرته
وقال بن قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ اقْدِرُوا لَهُ أَيْ قَدِّرُوا الشَّهْرَ بِالْمَنَازِلِ يَعْنِي مَنَازِلَ الْقَمَرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ كَانَ بَعْضُ كِبَارِ التَّابِعِينَ فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ ذَهَبَ فِي هَذَا
الْبَابِ إِلَى اعْتِبَارِهِ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ وَطَرِيقِ الحساب
قال بن سِيرِينَ كَانَ أَفْضَلُ لَهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قِيلَ إِنَّهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّخِّيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ مُطَرِّفٌ مِنْ
جِلَّةِ تَابِعِيِّ الْبَصْرَةِ الْعُلَمَاءِ الْفُضَلَاءِ الحلماء
وقد حكى بن سُرَيْجٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ الِاسْتِدْلَالَ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِلِ
الْقَمَرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ جِهَةِ النُّجُومِ أَنَّ الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ وَغُمَّ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ
الصَّوْمَ وَيُبَيِّتَهُ وَيُجْزِئُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي عِنْدَنَا فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ رَمَضَانَ إِلَّا بِرُؤْيَةٍ فَاشِيَةٍ أَوْ
شَهَادَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ إِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ
وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ
وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْمَغْرِبِ مِنْهُمْ
مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ
حَنْبَلٍ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ فِي بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ