وَذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ
مَعَهُ فَيَصُومُ عُرْوَةُ وَنُفْطِرُ نَحْنُ فَلَا يَأْمُرُنَا بِالصِّيَامِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (...)
 
وَذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ
مَعَهُ فَيَصُومُ عُرْوَةُ وَنُفْطِرُ نَحْنُ فَلَا يَأْمُرُنَا بِالصِّيَامِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ إِنَّهُ مِنْ كلام بن شِهَابٍ
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ فِي السَّفَرِ لِأَنَّ آخِرَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ
وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فِيهِ إِلَّا أَنْ
يَصُومَ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ صَوْمُهُ فِي الْحَضَرِ وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فِي سَفَرِهِ كَانَ لَهُ
أَنْ يُفْطِرَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ
وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ قَالَ بِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ
الْفِطْرَ عَزِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299
روي معنى ذلك عن عمر وبن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وبن
عَبَّاسٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِثْلُهُ
وَبِهِ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ
وَأَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ تَدْفَعُ هَذَا الْقَوْلَ وَتَقْضِي بِجَوَازِ الصَّوْمِ لِلْمُسَافِرِ إِنْ شَاءَ وَأَنَّهُ
مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ صَامَ وِإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ فِي
السَّفَرِ وَأَفْطَرَ
وَعَلَى التَّخْيِيرِ فِي الصَّوْمِ أَوِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ
وَفِيهِ أَيْضًا رَدٌّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - أَنَّهُ مَنِ اسْتَهَلَّ عَلَيْهِ رَمَضَانُ مُقِيمًا
ثُمَّ سَافَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ
كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الْبَقَرَةِ 185
وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ مُسَافِرًا أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَمَنْ
أَدْرَكَهُ حَاضِرًا فَلْيَصُمْهُ
رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ لَزِمَهُ
الصَّوْمُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) الْبَقَرَةِ 185
وَبِهِ قَالَ عُبَيْدَةُ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَأَبُو مِجْلَزٍ
كَذَا قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ لَا يُسَافِرُ أَحَدٌ فِي رَمَضَانَ فَإِنْ سَافَرَ وَلَا بُدَّ فَلْيَصُمْ
وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ لِسَفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ وَإِفْطَارِهِ فِيهِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فِطْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
فَقَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَقَدَّمَ الْفِطْرَ فِي لَيْلَةٍ فَتَمَادَى عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ
وَهَذَا جَائِزٌ لِلْمُسَافِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إِنِ اخْتَارَ الْفِطْرَ إِنْ بَيَّتَهُ فِي سَفَرِهِ
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي نَهَارِهِ بَعْدَ أَنْ مَضَى صَدْرٌ مِنْهُ وَأَنَّ الصَّائِمَ جَائِزٌ
لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي سَفَرِهِ
وَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَافَرَ فِي
رَمَضَانَ فَاشْتَدَّ الصَّوْمُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَعَلَتْ نَاقَتُهُ تَهِيمُ بِهِ تَحْتَ الشَّجَرِ
فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ فَدَعَا لَبَنًا فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ عَلَى يَدِهِ أفطروا
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300
وَبِحَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ وَهُمْ
مُشَاةٌ وَرُكْبَانٌ فَقِيلَ لَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَى مَا فَعَلْتَ
فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ وَصَامَ
بَعْضٌ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الَّذِي يَخْتَارُ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ فَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ وَيَبِيتُ صَائِمًا ثُمَّ
يُفْطِرُ نَهَارًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَانَ مَالِكٌ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا
فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَلَمَّا اخْتَارَ الصَّوْمَ وَبَيَّتَهُ لَزِمَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفَطَرَ عَامِدًا
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ إِلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ فَأَنَّهُ قَالَ
إِنْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ كَفَّرَ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى سَفَرِهِ وَلَا عُذْرَ لَهُ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِنَّمَا
أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى سَفَرِهِ
وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ إِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ
وَرَوَى الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ يُفْطِرُ إِنْ صَحَّ حَدِيثُ كُرَاعِ الْغَمِيمِ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ
يُفْطِرَ الْمَسَافِرُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ
وَرَوَى عَنْهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ وَاضِحَةٌ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ جَابِرٍ
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ غَيْرُ هَاتِكٍ لِحُرْمَةِ صَوْمِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ
قَدْ دَخَلَ فِي عُمُومِ إِبَاحَةِ الْفِطْرِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سُمَيٍّ فَهُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ التَّابِعَ الصَّاحِبَ
الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ لَا يُسَمِّيَهُ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلُّهُمْ عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ
وَهَذَا أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
وَقَدْ روي معنى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيُّ وَجَابِرٌ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301
وَفِيهِ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ جَائِزٌ لَهُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ فِيهِ
عَمَّنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ حُمَيْدٍ عن أنس فإن بن وَضَّاحٍ زَعَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُتَابَعْ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ كُنَّا
نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إِنَّمَا الْحَدِيثُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَافِرُونَ فَيَصُومُ بَعْضُهُمْ وَيُفْطِرُ بَعْضُهُمْ فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى
الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا
أَنَّهُ كَانَ شَاهَدَهُمْ فِي حَالِهِمْ تِلْكَ
وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ وَقِلَّةُ مَعْرِفَةٍ بِالْأَثَرِ وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ
أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ
الثَّقَفِيُّ كُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ حَدِيثِ مَالِكٍ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءً
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ ذَلِكَ كُلِّهِ في التمهيد
وروى بن عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ لَفْظِ
حَدِيثِ أَنَسٍ
وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ عَلَى ما حكاه بن وَضَّاحٍ إِلَّا يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ
عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
فِي رَمَضَانَ مِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَعِيبُ هَذَا عَلَى هَذَا وَلَا هَذَا عَلَى هذا
ومن هنا قال بن وَضَّاحٍ مَا قَالَهُ مِمَّا ذَكَرْنَا عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ
الْقَطَّانِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ قَدْ كَتَبْنَاهَا عَنْ شُيُوخِنَا وَفِيهَا هَذَا الْحَدِيثُ كَمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
وَالَّذِي رَوَاهُ الْحُفَّاظُ أَوْلَى
وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ رَدُّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّائِمَ فِي السَّفَرِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقَائِلِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ
وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ
وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَامَ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَعِبْ عَلَى مَنْ
أَفْطَرَ وَلَا عَلَى مَنْ صَامَ فَثَبَتَتْ حُجَّتُهُ وَوَجَبَ التَّسْلِيمُ لَهُ
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنَ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ أَوِ الصَّوْمِ فِيهِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ
فَرَوَيْنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صَاحِبَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا قَالَا الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ قَالَا الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
أَحَبُّ إِلَيْنَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَاسْتَدْلَلْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَحْسِنُوهُ إِلَّا أَنَّهُ أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مُخَيَّرٌ وَلَمْ يُفَضِّلْ
وَهُوَ قَوْلُ بن عُلَيَّةَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّوْمَ أحب إليه
وروي عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ أَفْضَلُ
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كُلُّهُمْ يَقُولُ الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) الْبَقَرَةِ 185
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ فَاقْبَلُوهَا
وقد روي عن بن عَبَّاسٍ فِي الْمَسَافِرِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ
وَهُوَ الثَّابِتُ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو وبن
عباس وأبي سَعِيدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ حُذَيْفَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ لَا
يَصُومُونَ فِي السَّفَرِ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو وَائِلٍ يصومون
في السفر وكان بن عُمَرَ يَكْرَهُ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ يَمِيلُ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبِرِّ
فَهُوَ مِنَ الْإِثْمِ يَذْكُرُ ذَلِكَ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ لَا يُجْزِئُ فِي السَّفَرِ
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَجَ لَفْظُهُ عَلَى بَعْضٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ رَجُلٌ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَيْ
لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ يَبْلُغَ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ هَذَا الْمَبْلَغَ وَاللَّهُ قد رَخَّصَ لَهُ فِي الْفِطْرِ
حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَا حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَسَنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ
فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ
تَصُومُوا فِي السَّفَرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَعْنِي إِذَا بَلَغَ الصَّوْمُ مِنْ أَحَدِكُمْ هَذَا الْمَبْلَغَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -
قَالَ أَبُو عُمَرَ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ صَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي السَّفَرِ وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ إِثْمًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ
وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ هُوَ أَبَرُّ الْبِرِّ لِأَنَّهُ قَدْ
يَكُونُ الْإِفْطَارُ أَبَرَّ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ لِيَقْوَى عَلَيْهِ
وَقَدْ يَكُونُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ بِرًّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهُ
وقوله ليس من البر وليس الْبِرُّ سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ تُرِيدُ
مَا جَاءَنِي أَحَدٌ
وَنَظِيرُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ
وَالتَّمْرَتَانِ قِيلَ فَمَنِ الْمِسْكِينِ قَالَ الَّذِي سُئِلَ وَلَا عَلَيْهِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقِفُ عَلَى بَابِي الْحَدِيثَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوَّافَ مِسْكِينٌ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) التَّوْبَةِ 60
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الطَّوَّافَ مِنْهُمْ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ
مَعْنَاهُ لَيْسَ السَّائِلُ بِأَشَدِّ النَّاسِ مَسْكَنَةً لِأَنَّ الْمُتَعَفِّفَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ أَشَدُّ مَسْكَنَةً
مِنْهُ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ فِيهِ بَرٌّ
أَيْضًا لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بِرُخْصَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَقَفَ
الْمِسْكِينُ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَبَرَّهُ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ
فَأَمَّا مَنِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
الْبَقَرَةِ 185 وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ عَزْمَةٌ فَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ وَسِيَاقَهُ يَدُلُّ
عَلَى الرُّخْصَةِ وَالتَّخْيِيرِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) الْبَقَرَةِ 185
وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ الْمَرِيضَ الْحَامِلَ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا صَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ
أَنَّهُ رُخْصَةٌ لَهُ وَالْمُسَافِرُ فِي الْمَعْنَى مِثْلُهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّ يَحْيَى رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو وَسَائِرَ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
كَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامٍ مِنْهُمْ حَمَّادُ بن سلمة وبن عيينة ومحمد بن عجلان
ويحيى القطان وبن نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو حَمْزَةَ
وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ كُلُّهُمْ ذَكَرُوا فِيهِ عَائِشَةَ
وَرَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ
ورواه بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
أَبِي مُرَاوِحٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عُمَرَ
وَأَبُو الْأَسْوَدِ ثبت في عروة وقد خَالَفَ هِشَامًا فَجَعَلَ الْحَدِيثَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي
مُرَاوِحٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
وَرِوَايَةُ أَبِي الْأَسْوَدِ تَدُلُّ أَنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى لَيْسَتْ بِخَطَأٍ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305
وَقَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ وَسِنُّهُ قَرِيبٌ
مِنْ سِنِّ عُرْوَةَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لِعُرْوَةَ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُرْوَةُ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ
وَمِنْ أَبِي مُرَاوِحٍ جَمِيعًا عَنْ حَمْزَةَ فَحَدَّثَ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَرْسَلَهُ أَحْيَانًا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّخْيِيرُ لِلصَّائِمِ في سفره في الْفِطْرِ وَالصِّيَامِ
وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ دَعَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَأَلَهُمَا عَنِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ عُرْوَةُ نَصُومُ وَقَالَ سَالِمٌ
لَا نَصُومُ فَقَالَ عُرْوَةُ إِنَّمَا أُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ سَالِمٌ إِنَّمَا أُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ فَلَمَّا امْتَرَيَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ أَصُومُهُ فِي الْيُسْرِ وَأُفْطِرُهُ فِي
الْعُسْرِ
وَأَمَّا حديثه عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
عَلَى الِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ أَحَدُ الْقَائِلِينَ بَأَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ وَقَدْ مَضَتِ الْحُجَّةُ لِهَذَا
الْقَوْلِ وَعَلَيْهِ
وَكَانَ عُرْوَةُ أَحَدَ الْمُخْتَارِينَ لِلصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ